حوار: أشرف الليثى
رغم أنه مصرفى من طراز فريد، لكن الحديث معه دائما ما يأخذ منحنى آخر وذلك لأنه من القلائل الذين يملكون رؤية شاملة ليس على المستوى المصرفى والاقتصادى فقط ولكن على المستوى السياسى أيضا، ويجيد قراءة الأحداث بشكلٍ متعمقٍ ممَّا يسهل من استنتاجاته المستقبلية، ولذلك دائما يجذبنا الحديث مع الأستاذ أكرم تيناوى الرئيس التنفيذى لبنك ABC إلى مناطق أكثر رحابة من المنطقة المصرفية.
وفى هذا الحديث تناول أكرم تيناوى بشكلٍ مفصلٍ وسلسٍ مستقبل مصر الاقتصادى ورؤيته وتوقعاته لمراكز القوى فى الاقتصاد المصرى وكذلك التحديات التى تواجهه خلال عام 2020 الذى يصفه بأنه بداية صحوة لعقد جديد سيستمر لعشر سنوات مقبلة ستشهد فيه مصر انتعاشة على المستوى الصناعى والإنتاجى ومعدلات التضخم والبطالة.
وإلى نص الحديث الممتع الشيق مع شخصية تجبرك على الاحترام من أول وهلة.. الأستاذ أكرم تيناوى:
• بدايةً .. نود التعرف على مؤشرات الاقتصاد المصرى بالنسبة للمؤشرات العالمية وذلك من أجل التعرف على وضع مصر ككل فى المرحلة الحالية؟
أرى أن عام 2020 يعتبر عام الاستثمارات الجادة وأخذ أجندة الاستثمار بجدية، والدليل على ذلك أن هذا الملف بالكامل أصبح من اختصاص رئيس الوزراء وتلك الخطوة من جانب القيادة السياسية لها مؤشرات ودلالات مهمة لأكثر من سبب؛ أولا لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر خاصة أن الأفعال كانت أقل من النتائج فى هذا الخصوص خلال الفترة السابقة ولكن الآن بعد أن أصبح التعامل مباشرة مع رئيس الوزراء فهذا يعنى اختصار الوقت والخطوات أمام المستثمر بل هذا يعنى أن المستثمر الأجنبى أصبح على التراك السريع “ On Fast Track” بمجرد تقديم الطلب وسيتم بذلك اختصار الوقت أمام المستثمر من ستة أشهر إلى أقل من شهر واحد.
ونعود إلى السؤال الذى طرحته: أين تقف مصر من باقى دول العالم؟ نجد أن معدلات النمو فى العالم عام 2018 كان 3% ومتوقع هذا العام 2020 أن ينخفض إلى 2.5% وهو ما يعنى أن هناك انكماشا فى معدلات النمو فى دول العالم فى حين معدلات النمو فى مصر كانت فى 2018 / 2019 وصلت إلى 5.7 % ومتوقع أن تصل إلى 6.2% فى 2020 وهذا يعنى أن الاقتصاد المصرى فى نموٍ، فى الوقت الذى تعانى دول العالم من انكماش.
وهناك مؤشران فى غاية الأهمية أيضا وهما البطالة والتضخم، نجد أن هذين المعدلين عالميا من 2018 إلى 2020 تقريبا ثابتان، حيث سجل المعدل العالمى للبطالة 5 % فيما سجل معدل التضخم 3.6 %، وبالنسبة لمصر معدل التضخم هبط من 36 % عام 2017 إلى 2.3% فى 2019 وهذه النتيجة لم يكن أحد يتوقعها وبالنسبة للبطالة كانت النسبة 14% عام 2018 أصبحت 7.5% عام 2019 واقتربنا كثيرا من المؤشر العالمى، وبذلك تكون لمصر مؤشرات اقتصادية إيجابية وفى اتجاه عكسى مع المؤشرات العالمية.
الخلاصة أن عام 2020 يعتبر صحوة لبداية عقد جديد يبدأ من الآن وحتى 2030 ستشهد فيه مصر انتعاشة على النطاق الصناعى والإنتاجى ومعدلات التضخم والبطالة والرفاهية والحياة الكريمة التى تتحسن عاما بعد عام.
وهناك نقطة مهمة أخرى وهى أن القطاع الصناعى العالمى يعانى من حالة انكماش لأن الطلب العالمى والقوى الشرائية العالمية انخفضت وهذا أثر على أسعار السلع الاستراتيجية المدرجة فى البورصات العالمية كالقمح والذهب والحديد وبالتالى العالم يعانى من حالة شبه ركود اقتصادى ومرتبط أيضا بالتوتر الاقتصادى والصناعى بين الصين وأمريكا ومن المتوقع أن يشهد العامان 2020 و 2021 توترات أعلى وقد تصل إلى مرحلة الحروب التجارية والاقتصادية بين الدولتين وفى ظل هذه الأوضاع المتردية لابد أن تظهر مناطق فرص على الخريطة الدولية تجذب المستثمر الأجنبى الباحث عن أى فرصة حقيقية وسط هذا التوتر العالمى ومصر الآن أكبر دولة فى أفريقيا والشرق الأوسط فى معدلات النمو الاقتصادى وتمتلك تنوعا اقتصاديا فى كافة المجالات بالإضافة إلى السوق الضخمة التى تتمثل فى عدد السكان الأكثر من 100 مليون نسمة، وأى مستثمر ينظر إلى حجم السوق.
• ما مدى استفادة الاقتصاد المصرى من تلك الأوضاع الاقتصادية العالمية؟
هناك 3 ملفات مهمة جدا سوف يتم التركيز عليها خلال عام 2020 وستوضح إلى أى مدى ممكن للاقتصاد المصرى الاستفادة من تلك الأوضاع العالمية؛ أولها جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة بشكل ملحوظ والتى سجلت فى عام 2018 / 2019 نحو 6 مليارات دولار والمخطط أن يتم جذب 8.5 مليار دولار خلال العام المالى 2019 / 2020 وهذه الزيادة التى تُقدر بـ 2.5 مليار دولار خلال عام واحد فقط تعد معدلا ضخما يعتمد على تحسين بيئة الاستثمار بصفةٍ عامةٍ أمام المستثمر المحلى أيضا لأنه هو الأساس، وكما هو معروف أن الاستثمارات الأجنبية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاستثمارات المحلية وبالفعل مصر لديها قطاعات قادرة على جذب تلك الاستثمارات.
الملف الثانى هو أن عام 2020 سيكون عام النهضة الصناعية الرابعة بالنسبة لمصر وهناك دلائل قوية فى هذا الاتجاه؛ أولاها مبادرة البنك المركزى لإنقاذ المصانع المتعثرة وتم خلال أسبوع واحد فقط عقد جلسات مع 44 مصنعا متوقفا وحجم أعمالهم 1.5 مليار جنيه، وتمت تسوية مديونياتهم مع البنوك وهذه الحلول التى تمت فى أسبوع كانت مشاكل متراكمة منذ عام 2011، وهذا الملف الشائك يتم التعامل معه الآن بحرفية وجدية غير مسبوقة، كل هذا من أجل عودة عجلة الإنتاج مرة أخرى.
وهناك مبادرة أخرى من البنك المركزى أيضا الخاصة بالصندوق الذى تم تأسيسه برأسمال 100 مليار جنيه وذلك لتمويل احتياجات المصانع الكبيرة والمتوسطة التى يتراوح حجم أعمالها من 50 مليونا وحتى مليار جنيه والأولوية للمصانع التى تنتج سلعا بديلة عن المستورد وبسعر فائدة 10% فقط وسيكون من حق جميع البنوك العاملة فى مصر المشاركة فى هذا التمويل.
الملف الثالث السياحة وهناك أيضا مبادرة من البنك المركزى قيمتها 50 مليار جنيه وبنفس الشروط المقدمة للقطاع الصناعى تقدم لجميع الفنادق والفنادق العائمة التى تحتاج إلى إعادة هيكلة أو تطوير أو شراء أتوبيسات جديدة، كل هذا من أجل تحقيق انطلاقة كبرى فى هذا القطاع المهم وجذب مزيد من السياح الأجانب الذين وصل عددهم إلى ما يقرب من 15 مليون سائح ونخطط أن نصل إلى 25 مليون سائح سنويا وزيادة الدخل من السياحة إلى أكثر من 18 مليار دولار.
• وماذا عن مبادرات البنك المركزى الخاصة بالتمويل العقارى والإسكان؟
مبادرة البنك المركزى للشباب محدودى الدخل بالنسبة للإسكان ومبادرة أخرى لمتوسطى الدخل، هذا يؤكد أن هناك اهتماما من الدولة ليس فقط للقطاع الصناعى ولكن أيضا اهتماما بالبعد الاجتماعى لأن هذه المبادرات تستهدف توفير سكن مناسب للشباب ومساعدته على دفع 20% فقط من ثمن الوحدة والباقى سيتم تقسيطها على مدد قد تصل إلى 20 عاما من خلال البنوك والجهاز المصرفى وهذه المبادرات ستساعد أيضا الشباب الذى سيترك منزله ويتجه إلى العمل فى المدن الجديدة بما فيها العاصمة الإدارية الجديدة، حيث سيتوفر له دخل مناسب يستطيع من خلاله سداد أقساط الوحدة السكنية وكذلك الارتقاء بمستوى السكن الجديد الذى سينتقل إليه وما عليه غير الإنتاج والارتقاء بالعمل فقط بعدما تم توفير السكن الملائم له.
• هل ترى أن الجهاز المصرفى يقوم بدور مهم لمساعدة البلد على تحقيق أهدافها التنموية؟
القطاع المصرفى أصبح المحور الأساسى فى الاقتصاد الوطنى ليس للتنمية فقط ولكن أيضا للبعد الاجتماعى حيث قام بالفعل من خلال تلك المبادرات المهمة وقبل ذلك وقوفه ومساندته للدولة بعد يناير 2011، وهو القطاع الشامخ والراسخ ودعم الاقتصاد وقت الأزمات وبعد ذلك لعب دورا هاما فى التنمية وإعادة السياسة النقدية ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتم تقديم قروض لهذه القطاعات 144 مليار جنيه حتى نهاية عام 2019 من مبادرة الـ 200 مليار بنسبة 72% من المستهدف، والآن يقوم بدعم محدودى الدخل ومتوسطى الدخل فى قطاع الإسكان.
• مرة أخرى .. عودة إلى مبادرات البنك المركزى فى القطاع الصناعى، كيف ترى أهمية تلك المبادرات وفى هذا التوقيت؟
القطاع الصناعى مهم جدا فى عملية التنمية خلال المرحلة المقبلة، فمساهمة هذا القطاع فى الناتج المحلى تصل الآن إلى 16% والمستهدف نهاية 2020 أن تصل إلى 21 % وهذه الزيادة فى هذا القطاع هى التى ستساعد على الوصول بمعدل النمو فى الاقتصاد المصرى إلى 6% لأن القطاع الصناعى هو عصب الاقتصاد حيث يساعد نموه على تحريك عجلة الاقتصاد بصفة عامة من حيث توفير فرص العمل وخلق قيمة مضافة للسلع المنتجة ونمو اقتصادى حقيقى وإحلال المنتج المحلى محل المستورد وبالتالى ترجع أهمية تعاون القطاع المصرفى مع الحكومة من خلال تلك المبادرات إلى أهمية هذا القطاع سواء على المستوى الاقتصادى أو الاجتماعى لأنه سيساعد على خفض معدلات البطالة وتوفير فرص عمل للشباب.
• ماذا يعنى مستوى الاحتياطيات من العملات الأجنبية الموجودة لدى البنك المركزى؟
أولا تم سداد 14 مليار دولار من قيمة الديون المستحقة على مصر خلال عام 2019 وهناك 2.9 مليار دولار أخرى متوقع سدادها خلال الربع الأول من عام 2020، والحمد لله يقوم البنك المركزى بسداد الالتزامات فى توقيتاتها ولم يتأخر يوما ما ورغم هذه الالتزامات التى تم سدادها هناك زيادة فى الاحتياطيات الأجنبية ووصلت الآن إلى 45.4 مليار دولار وهذا يعنى أن زيادة الاحتياطيات لم تأتِ من ودائع وإنما من دخل حقيقى، ورغم أن الزيادة بطيئة فإن الاحتياطى الأجنبى متحرك ناحية الصعود ولم يقف فى مكانه والمؤشرات كلها بالنسبة للاحتياطى مبشرة للغاية.
• هناك ملف آخر نريد إلقاء الضوء عليه وهو الميزان التجارى لمصر، كيف ترى موقف مصر الآن تجاريا؟
الميزان التجارى المصرى فى تحسن مستمر الآن، ومعدل النمو فى التصدير بلغ 10% ووصل الآن إلى 28.5 مليار دولار وهو مازال أقل من المستهدف، ومازالت معدلات الاستيراد مرتفعة وزادت بنسبة 5% وبلغ حجمها الآن 66.5 مليار دولار، ومازالت هناك فجوة كبيرة ولذلك نعود مرة أخرى إلى أهمية مبادرة الدولة فى تشجيع المصانع لإنتاج سلع تحتاجها السوق المحلية لتحل محل الواردات.
• من وجهه نظرك، ما أهم التحديات التى تواجهنا فى عام 2020؟
أول تحدٍ هو البيروقراطية التى تواجه المستثمر الأجنبى وأعتقد أنها أقوى من الفساد، والأزمة الحقيقية لجذب المستثمرين هى البيروقراطية فى التعامل مع الاستثمار، ولذلك فإننا نحتاج بالفعل لإصلاح إدارى لأن الفساد ليس قبول الرشوة فقط ولكن الفساد هو أيضا أن تحبط محاولة دخول مستثمر أجنبى جاد لمصر من خلال تعقيد الإجراءات.
التحدى الآخر هو الدين العام سواء المحلى أو الأجنبى، ولكن ما يطمئننى نسبيا هو مبادرة وزارة المالية مع مجلس الوزراء الخاصة بوضع سياسة لإدارة الدين العام للدولة والتى بدأت بالفعل عام 2018 عندما كان إجمالى الدين العام الخارجى والداخلى 108% من الناتج المحلى وبعد تنفيذ سياسة إدارة الدين انخفض فى 2019 إلى 90% من الناتج المحلى ونستهدف فى 2020 الوصول إلى 84% من الناتج المحلى، وهذا يعنى أنه أصبح لدينا خارطة طريق فعلية لإدارة الدين العام وجميع المؤشرات تدل على أننا نسير فى الطريق السليم.
وبالنسبة للدين الخارجى الذى يُقدر بنحو 108 مليارات دولار وهو ما يمثل 36% من الناتج المحلى، وهو يعتبر فى آخر الحدود الآمنة، والحكومة الآن اتبعت سياسة جديدة رشيدة بالنسبة للإقراض الخارجى، حيث بدأت تستفيد من التقييم الائتمانى الجديد للدولة وبدأت تقترض بسعر إقراض أقل لسداد القروض القديمة المرتفعة الفائدة ولأول مرة نرى سندات دولارية لمصر لمدة 40 عاما وعليها إقبال كبير للاكتتاب فيها وهذا مؤشر إيجابى للمستثمر الأجنبى الذى يفكر فى الاستثمار فى مصر لأن هذا معناه أن هذا البلد مستقر لدرجة أن هناك أشخاصا وضعوا أموالهم فيه لمدة 40 عاما.
ولكنى أخشى من مغريات الإقراض الخارجى التى تزداد كلما تحسن التصنيف العالمى لمصر وأشعر أن إغراءات الدين الخارجى كامنة فى تحسن التصنيف المحلى لمصر وهذا ينعكس فى سعر الإقراض ومدته.
• هل التوتر فى المنطقة العربية الآن فى صالح مصر أم ضدها بالنسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية؟
من الممكن أن يكون هناك تأثر سلبى بالنسبة لبعض الدول ولكن مصر ليست من بين هذه الدول لأنها أثبتت للعالم أنه رغم كل ما يحدث فى العالم فهى دولة مستقرة إلى أبعد الحدود بدليل أن معدلات السياحة فى تزايد رغم انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه وهو ما يعنى زيادة التكلفة على السائح وعندما كان الدولار بأكثر من 18 جنيها لم تكن هناك سياحة لأنه لم يكن هناك استقرار مما يدل على أن عنصر الاستقرار كان الأهم وهو كلمة السر فى دخول الاستثمارات الأجنبية أو السائحين إلى البلد.
• هل كانت البنية التحتية فى الطرق والكبارى والمطارات والكهرباء من أجل جذب المستثمر الأجنبى؟
جزءٌ من المستهدف وراء هذه المشروعات كان من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية لأن خطة الدولة كانت جعل جميع المناطق على مستوى الجمهورية مناطق جذب ومن أجل تحقيق نهضة صناعية حقيقية واستقدام استثمارات خارجية، ولكن هذه المشروعات لم تكن لتحقيق هذا الهدف فقط بل كان هناك هدف آخر أكثر عمقا يتمثل فى تحقيق تحسين معيشة الشعب المصرى وتيسير الحياة للمصريين بدليل أن هناك عددا كبيرا من الطرق والكبارى لم يكن لها أى هدف للاستثمار ولكن هدفها الرئيسى تحقيق الرفاهية للشعب المصرى والارتقاء بمستوى معيشته ونفس الحال بالنسبة لمحطات الكهرباء والفكر كان مترابطا ببعضه البعض.
ومن حسن حظنا جميعا أن قائد العهد الجديد الذى نعيش فيه الآن كان سابقا لعصره فى التخطيط لمستقبل مصر لأكثر من 10 سنوات قادمة فى حين كنا فى السابق لم يكن لدينا مثل هذا التخطيط.