الإيكونوميست المصرية
الإدارة للتنمية  ————– بقلم: د. محمد القليوبى

الإدارة للتنمية ————– بقلم: د. محمد القليوبى


بقلم: د. محمد القليوبى
رئيس قسم إدارة الأعمال
وعضو هيئة التدريس بالكلية الكندية الدولية
استشارى التطوير المالى والإدارى

تعتمد فى الغالب العلوم الاجتماعية والإنسانية على الفلسفة من جانب المنظرين لها ولا تخرج فى إطارها العام عن واحدة من ثلاثة، الأولى فلسفة خيالية أبعد من استيعاب وفهم وإدراك العامة وهى إلى حد ما لتنبؤ ما قد يحدث مستقبلاً، والثانية فلسفة واقعية لما يجرى على أرض الواقع دون النظر إلى شمولية المؤثرات فى هذا الواقع، والثالثة فلسفة لا هذه ولا تلك ولا حاجة لأحد بها لأنها غير منطقية.
وما نؤكد عليه هو أن إدارة التنمية أصبحت علما له أصوله وقواعده النظرية، وله أدبياته المعروفة للدارسين والباحثين فى علوم الإدارة، وللكثير من القادة الإداريين فى المواقع المختلفة، غير أن الذى يحتاج إلى التفكير والبحث والاجتهاد، هو الجوانب التطبيقية لهذه الأصول والقواعد النظرية فى ضوء الظروف الموضوعية للمجتمع وما تحكمه من تشريعات وأنظمة.
فالإدارة لا تعمل فى فراغ بل تعمل فى إطار واقع اجتماعى معيّن، تتأثر به أشد التأثير، ويمكن أن تؤثر فيه أيضاً، ولعل أهم جوانب هذا الواقع الاجتماعى بالنسبة للإدارة، هو مجموع العادات والاتجاهات الاجتماعية الطارئة والسائدة، والنظم التشريعية والتنظيمية الأساسية، وهذا يمثل فى كثير من الأحيان عقبات ليس من السهل تجاوزها، وقد تكون من بين الاتجاهات الاجتماعية السلبية التى طرأت وتكاد تترسخ فى المجتمع، والتى تؤثر فى الإدارة وتوجه أداءها مجموعة طفيلية استفادت من نفوذ البعض وسخرّت الإدارة لمصلحتها، وجعلت هذه المصالح هدفاً محل الأهداف الاجتماعية والاقتصادية العامة والشاملة، يضاف إلى ذلك عاداتٌ سلبية أخرى تضعف من تأثير الإدارة الجدية والعلمية سواء فى القطاع الحكومى أو القطاع الاقتصادى، وهذه العادات هى الاتكالية وعدم الانضباط، والافتقار إلى الدقة واحترام القانون، والفردية وعدم القدرة على العمل الجماعى، والمجاملة على حساب مصلحة العمل، وأقل ما تؤدى إليه هذه الظواهر، ضعف الإنتاجية وانخفاض مستوى المنتج، وتسليم قيادة العمل الإدارى فى مستوياته العليا والوسطى إلى غير القادرين أو المؤهلين لتحمل المسؤولية، وبالتالى إفساح المجال أمام الطفيليين والسماسرة للاستفادة غير المشروعة على حساب المؤسسات العامة، ومن ثم إغراء ورشوة القائمين على هذه المؤسسات وتجميع ثروات غير مشروعة على حساب المجتمع، والمساهمة فى تشويه نوعية المنتج سواء كان سلعة أو خدمة ورفع تكلفته.
يضاف إلى ذلك أن الواقع التنظيمى والتشريعى قد يفرض على الإدارة، وعلى الأخص فى أجهزة الخدمة المدنية، الالتزام بأنماط تنظيمية محددة، قد لا تتناسب مع طبيعة العمل فى بعض الأنشطة الاقتصادية والخدمية، ويفرض نوعاً من البيروقراطية تقف عقبة فى وجه الإبداع والابتكار، كما يفرض عمالة تزيد عن حاجة العمل أو لا تتناسب مع احتياجاته، وأنظمة لا تتيح الفرصة لاستخدام الحوافز الإيجابية والسلبية، بمعنى الثواب والعقاب، بالشكل الذى يتناسب مع طبيعة النشاط.
كل ذلك ظواهر سلبية يعرفها الممارسون للعمل الإدارى والباحثون فيه، ويفرضها الواقع الاجتماعى، والعلاقات غير الموضوعية بين الطفيليين وبعض المسؤولين، وهو واقع لا مجال لتجاهله، ولكن يبقى ويظل المجال مفتوحاً دائماً للتصدى لسلبياته.
إن هذا الواقع يتطلب المواجهة العلمية والعملية، والجرأة والتحدى والابتكار، والنظرة المستقبلية التى تنطلق من ظروف الحاضر، لتحدد أهدافاً واجبة التحقيق على المدى البعيد والمتوسط، والقضية، على النحو الذى تمت الإشارة إليه، ليست قضية إدارية بحتة، بل قضية مجتمعية تستدعى نشر الوعى وتدعيم القيم والاتجاهات وأنماط السلوك المناسبة لها.
هذا وتشير بعض البحوث التى قامت بها الأمم المتحدة، إلى قصور الأداء الفعلى لاقتصادات الدول النامية، ويجمع الباحثون على أن قصور النتائج يكمن فى عيوب تنفيذ خطة التنمية، وليس فى خطة التنمية ذاتها، وذلك لجمود الإدارة، وعدم مرونتها، وعدم قدرتها على التطوير، بمعنى أن الإدارة، تعتبر من أهم عناصر وركائز خطة التنمية ونجاحها.
يضاف إلى ذلك أن إرادة التغيير، لا يمكن فصلها عن الإدارة، بل أنها لا بد وأن ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً، إذا أردنا لأى نموذج إدارى النجاح، وبالتالى لأى خطة تنمية تحقيق أهدافها، فإدارة البشر وإرادة التغيير، تؤدى حتماً إلى الانتقال من مرحلة العمل الفردى إلى العمل الجماعى، ومن الإنتاج الفردى إلى الإنتاج العام، والحكمة من ذلك هى تحقيق قيمة اجتماعية داخل المجتمع وهذا ما ترمى إليه أى خطة تنمية.
إن ما أوردناه يقودنا إلى أنه مهما كانت الاستراتيجيات متعمقة، والخطط صائبة، والغايات واضحة، والطموحات هادفة، فإن الإدارة المتخلفة، والإدارة القائمة على الفردية، وغير المعتمدة على المؤسسات المؤهلة، كفيلة بوأد الخطط، وزيادة التخلف، وتزيين الخراب، وللوصول إلى الإدارة الجماعية العلمية الناجحة والقادرة، لا بد من التغيير فى الكفاءات والأشخاص وأنماط العمل والحاجة لإرادة التغيير أكبر من أية حاجة أخرى.

Related Articles