أشرف الليثى
قرار استيراد البيض من الخارج أظهر عورة مهمة فى إحدى الصناعات المصرية الهامة التى يعمل بها أكثر من ثلاثة ملايين عامل ويصل حجم استثماراتها إلى 100 مليار جنيه، تنتج ما يقرب من 14 مليار بيضة سنويا، ويصل حجم المنشآت الداجنة إلى 38 ألف منشأة تشمل المزارع ومصانع الأعلاف والمجازر ومنافذ بيع الأدوية البيطرية واللقاحات، وبالرغم من هذا لم يراع القائمون عليها هذا الحجم الضخم من الاستثمارات أو العاملين أو الدخل القومى من وراء هذه الصناعة التى تعتبر من أهم الصناعات على مستوى العالم.
قرار استيراد البيض من الخارج لم يكن مطروحا أمام الحكومة خاصة أن هناك كان فائضا يصل إلى ثلاثة ملايين بيضة كان يتم تصديرها للخارج، وبالرغم من ذلك لم يحرص القائمون على تلك الصناعة الهامة على الحفاظ عليها وتحدوا المستهلكين ورفعوا أسعار كرتونة البيض لثلاثة أضعاف سعرها فى أقل من عام ونصف حيث كان يبلغ سعر كرتونة البيض 60 جنيها تقريبا فى نهاية 2022 ووصل سعرها فى الربع الأول من العام الحالى 2024 إلى ما يزيد عن 180 جنيها، فى تحد صارخ لمعطيات السوق، واستمر التحدى وارتفاع الأسعار رغم انخفاض أسعار الدولار ورغم توفير كافة احتياجات تلك الصناعة وصدرت الأوامر للبنوك بتدبير العملة الأجنبية التى يحتاجها أصحاب المزارع لاستيراد الأعلاف الخاصة بالدواجن من الخارج، كل هذا لم يشفع للمستهلك المصرى أن يحصل على احتياجاته من البيض المصرى بسعر معتدل.
وعلى الرغم من معارضتى الشديدة لفاتورة الاستيراد وطلبى الدائم بضرورة تخفيضها، وكنت من أشد الناس سعادة عندما انخفضت بالفعل العام الماضى بنسبة 13.2 %، فإننى أؤيد تماما استيراد البيض من الخارج لوقف مهازل منتجى البيض المصريين ووقف الارتفاعات المستمرة وغير المبررة لواحدة من أهم السلع الغذائية التى يحتاجها الطفل والبيت المصرى بصفة عامة، والدليل على ذلك أنه بمجرد صدور قرار فتح باب الاستيراد للبيض من الخارج انخفض سعر الكرتونة بنحو 20 جنيها وهناك اتجاهات للنزول بسعر الكرتونة لأقل من سعر البيض المستورد الذى وصل سعر الكرتونة منه إلى 150 جنيها مقابل 180 جنيها للبيض المصرى مع مراعاة تكلفة الاستيراد من الخارج وارتفاع سعر الدولار الذى يتم به الاستيراد والشحن والنقل حتى الوصول لمنافذ البيع.
عمليات الاحتكار أصبحت من أشد الآفات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى حاليا، خاصة بالنسبة للسلع الغذائية الضرورية ومنها اللحوم والدواجن والدقيق، وتعددت الأيادى الوسيطة التى تتدخل بداية من المصنع أو المزارع حتى تصل إلى منافذ التوزيع مما يزيد من تكلفة الإنتاج التى تفوق ثلاثة أو أربعة أضعاف سعر المنتج الأساسى، وكل هذا يتحمله المستهلك المطحون الذى أصبح النقطة الضعيفة التى تتلقى مطارق المحتكرين والوسطاء والسماسرة التى تضرب بشدة ودون هوادة فوق رأس المستهلك، ولم يرحموا كم المعاناة التى يعانى منها المصرى البسيط رب الأسرة الذى يتحمل تبعيات التضخم وانخفاض سعر العملة وارتفاع أسعار الدولار وتبعات ارتفاع أسعار الطاقة والخدمات.
مرة أخرى يجب أن يكون فتح باب الاستيراد هو الدواء المر والقرار الأخير بعدما تستنفذ كافة الحلول أمام صانعى القرار، لأن تبعات هذا القرار تكون مؤلمة وتعنى التضحية بصناعة وطنية لم تظهر فى يوم وليلة بل احتاجت لعشرات السنين كى تظهر للعلن ويسترزق من ورائها ملايين الأسر المصرية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفى الوقت نفسه لابد أن يعلم المحتكرون أن استمرار تحكمهم فى السوق لن يستمر طويلا لأن آليات السوق أقوى من أى احتكار أو محتكر.