الإيكونوميست المصرية
التنمر آفة العصر ……… بقلم: نيفين إبراهيم

التنمر آفة العصر ……… بقلم: نيفين إبراهيم


بقلم: نيفين إبراهيم
تتردد كثيرا هذه الأيام كلمة “التنمر”، ويروج الكثيرون لضرورة الوقوف فى وجه المتنمر أى الفاعل المؤذى والانتصار للمفعول به، فما هو التنمر؟ هل فكرت للحظة أنه ربما وأن تكون أحدهم، أى المتنمر أو الآخر المتنمر به؟
التنمر هو فعل إيذاء وإساءة من شخص ذى قوة بدنية أو اجتماعية أو هيمنة من نوع ما، مثل ما نعرفه من مفهوم تقليدى من طفل يعتقد بسبب سوء التربية أنه الأفضل والأقوى والأعظم، فيكيد لآخر يبدو ضعيفا أو ربما يمتلك شيئا لا يملكه هو، فيشعر بالغيظ منه ويشعر أن الشىء الوحيد الذى يتفوق عليه به، هو قوته الجسدية، أو سطوة نفوذه وعلاقاته الاجتماعية .. أو أن يُحقر أحدهم من شخص ما بسبب لون بشرته أو شكله أو ملابسه ويجعله موضع سخرية، ليشعر هو بزهو وسعادة مَرضية فقط لأنه أذل آخر.. قمة الضعف وقمة الاستبداد.
ويوجد التنمر فى العمل، كأن يشعر أحدهم بالنقص والخوف من ذكاء وتفوق أحد زملاء العمل، فيتنمر به ويحاول إذلاله ووضعه فى موقف ضعف حتى يشعر هو بقوة وهمية ليست وليدة حقيقة، بل وليدة قهر لآخر تتوفر له ميزات يتمناه المتنمر وبشدة ولكن لا يستطيع الحصول عليها.
ويحدث أن نشاهد دائما فى الأفلام مشهدا مألوفا، ألا وهو وصول البطل إلى السجن فى حالة حزن شديد ورغبة فى الانعزال، فيرى البعض أن هذا نوع من التعالى عليهم ويتآمرون عليه، فيتعرض لضرب مبرح من مجموعة تدين بالولاء لشخص ما استطاع أن يفرض هيمنته عليهم وإخضاعهم لسيطرته وتسخيرهم لخدمة أهدافه، التى عادة ما تكون السطوة داخل السجن.
من منا لم يتعرض للتنمر بشكل أو بآخر، من منا لم يتعرض أولاده للتنمر من قبل زملاء لهم فى المدارس، من منا لم يتعرض لمحاولة أحدهم فى ضمه لمجموعة تتنمر بشخص ما ويريدونه تابعا لهم لإيذاء الآخرين.
ويتعدى الأمر الأفراد ليطول الأديان والأعراق، فمثلا لا يخفى على أحد أن هناك من يتنمر على ديننا وعلى معتقداتنا ويحاولون بكل ما أوتى من قوة، نعتنا بالتخلف وعدم التحضر والإرهاب، فنجد محاولة لصق أى عمل إجرامى، نفذه مختل أو جماعة منحرفة فكريا، للدين الإسلامى وللمسلمين، والعكس صحيح، هناك مسلمون يتنمرون بآخرين يعتنقون ديانات مختلفة وينعتونهم بالكفر بل ويصل الأمر لإطلاق النكات عليهم والنيل من معتقداتهم.
وكثيرا ما تتعرض المرأة للتنمر فى محيط العمل وعادة عليها أن تبذل مجهودا خارقا لتثبت جدارتها بالترقى والوصول لأعلى المناصب، مع أنها فى كثير من الأحيان تتمتع بقدرات ومواهب تفوق أقرانها من الذكور .. وقد عشت التجربة الإماراتية وشاهدت الوعى الذى تعاملوا به مع المرأة، هذا الكائن الذى يمثل نصف المجتمع والنصف الأهم، لأنها هى من تربى الولد والبنت …ولم يعد سرا أنه إذا أردت حكومة فاعلة وتسعى لإنجازات حقيقية، فعليك بتعيين وزيرات أكفاء.. ولا يخفى علينا أن الحكومة المصرية استعادت بريقها وقوتها عندما تم البدء فى تعيين الكفاءات من السيدات والرجال دون الاختيار بناء على النوع.
وهناك من يعانى من التنمر بسبب شكله الجسدى، فمثلا الأشخاص الذين يعانون السمنة، يتعرضون لسخرية من مجتمعهم ومن زملائهم حتى أن البعض يصاب بالاكتئاب وأحيانا الانتحار.
أتصور أن التعامل مع التنمر يجب أن يأخذ منحنى جديا، وقمة التحضر هى أن تهتم الحكومات بتأثير كل ما من شأنه إعلاء ذات الفرد فى المجتمع .. لست من هؤلاء المتشائمين دائما والمسفهين للآخرين ومن حكوماتهم ومن قرارتها، وأستطيع أن أرى أن هناك محاولات حثيثة لعمل إصلاحات حقيقية فى كل المجالات، ولكن الثقافة السائدة تقلق دائما من أى مبادرة فعالة وتحقر من شأن الآخرين ومن تصرفاتهم وقراراتهم وأفعالهم وهو شىء مؤسف جدا.
أتمنى أن يولى الرئيس عبد الفتاح السيسى، الصحة النفسية للمجتمع نفس العناية التى يوليها للتطوير فى كافة المجالات.. فكلاهما متوازيان فى الأهمية، حيث إن قوة الشعوب تنبع من إيمانها بقدراتها وبثقتها فى نفسها .. أستطيع أن أؤكد أن اهتمامنا بالصحة النفسية للأطفال لا يجب أن يقل أبدا عن الصحة الجسدية.
أذكر أننى دُعيت لحضور ورشة عمل فى “المدرسة الأمريكية فى أبوظبى” عن التنمر، وعندما ذهبت، وجدت أن المدرسة قد قامت بتقسيم الطلبة إلى مجموعات وطلبت من كل مجموعة تقديم نبذة عن التنمر وفهمهم له والاستعانة بمهارت مثل الرسم أو التمثيل والكتابة لإبراز أفكارهم .. وخرجت بعدها مبهورة بكم الوعى عند الطلبة، الذين لم تتعد أعمارهم 12 عاما، عن التنمر ورفضه وكيفية محاربته.. وتمنيت لو كان مثل هذا الوعى قد كان موجودا فى زماننا.
أتمنى أن تهتم الأمهات فى البيوت بالأمر وأن يربوا أبناءهم على احترام الذات واحترام الآخرين وأن يضعوهم على قائمة أولوياتهم لأن تربية طفل سوى نفسيا ليس بالأمر الهين، وتنعكس فى المستقبل على كل علاقاته بداية من زملاء المدرسة مرورا بالزوجة وحتى فريق العمل، سواء كان رئيسا أو مرؤوسا..
وأتمنى أن تهتم الدولة وهى تخطط للنهوض بالتعليم، بضرورة وضع برامج مكملة للتعليم تهتم اهتماما خاصا بالصحة النفسية للطلبة، فالأمر ليس مزحة بل هو مُكون أساسى لبناء جيل صالح لديه ثقة بنفسه ومقدرة على تقبل نجاح وتفوق الغير، فلكل شخص ما يميزه والمفروض أن نتعلم من بعضنا البعض وأن نتكامل ونتبادل الخبرات وننشر قيم الحب والخير والتسامح، لا أن يركز الإنسان كل فكره وطاقته على النيل من آخرين لمجرد إشباع أهواء نفوس مريضة، فالنفس السوية أبدا لا تسىء للآخرين، اللهم احفظنا واحفظ أولادنا وذرياتنا من كل شر وسوء.

Related Articles