الإيكونوميست المصرية
التيار الجارف أقوى من أى سفينة.. بقلم: محمد فاروق

التيار الجارف أقوى من أى سفينة.. بقلم: محمد فاروق

بقلم: محمد فاروق

من يقرأ التاريخ، يفهم الحاضر ويتوقع المستقبل، وقد تعلمنا منذ الصغر فى كتب التاريخ أن موقع مصر المتميز وتوسطها بين قارات العالم جعلها محط أنظار كل الدول ومطمعا دائما للمستعمرين وهدفا أساسيا لكل محتل لنهب ثرواتها.
هذا هو قدر مصر، كانت على مر التاريخ وستبقى دائما هكذا، موضوعة تحت ميكروسكوب كل دول العالم، وهذا لو دل على شىء فيدل على عظمة هذا البلد ومكانته العالية.
فما إن وقع حادث جنوح السفينة “إيفر جيفين” بقناة السويس، حتى تفرغ العالم كله لمصر، كالعادة، وانطلقت حناجر كل الأطراف للتعليق على هذا الحادث، وتعددت الأغراض والأهداف، ما بين متضرر ومساعد ومستغل وشامت ومستهزئ ومحبِط.
حادث السفينة الجانحة استمد أهميته من أهمية مكان وقوعه، فقناة السويس أهم ممر ملاحى تجارى دولى فى العالم، يمر خلالها 12% من حجم التجارة العالمية، وبضائع بنحو 10 مليارات دولار يوميا، ومليون برميل نفط يوميا، و20% من الغاز المتجه لأوروبا.
هذه الأهمية الكبرى لقناة السويس ودورها الحيوى دفعا العديد من دول العالم للتفكير بل والبدء فى التنفيذ للاضطلاع بهذا الدور المهم، فها هى إيران تستغل الوضع وتسرع أثناء الأزمة فى التأكيد على ضرورة تفعيل ممر يسمى “شمال – جنوب” ليكون بديلا عن قناة السويس، والإسراع فى إكمال البنى التحتية، معتبرة أن هذا الممر يختصر الزمن والتكاليف، وتعلن صراحة أن حادث “إيفر جيفين” يعتبر مؤشرا على ضرورة البحث عن بديل لقناة السويس المصرية.
ممر “شمال – جنوب” هذا، يبدأ من الهند ويمر بإيران ويصل إلى روسيا، وبدايته عبارة عن طريق بحرى يصل الموانئ الهندية بالموانئ الإيرانية، ومن إيران يتحول إلى طريق برى سريع يوازيه خط سكة حديد لنقل البضائع من الموانئ الإيرانية إلى روسيا عبر أذربيجان، وتروج إيران منذ سنوات لهذا الممر وتحاول إقناع العالم بأنه بديل جيد لقناة السويس.
أما بالنسبة لروسيا، فلديها ممر آخر يقطع مضيق “بيرنج” بين ألاسكا وروسيا، ويمتد بمحاذاة القطب الشمالى ليربط آسيا بأوروبا، هذا الممر كان مغلقا معظم شهور السنة بسبب الجليد، لكن ظاهرة الاحتباس الحرارى جعلت الكثير منه خاليا من الجليد.
وبمجرد إغلاق القناة، أعادت روسيا طرح الممر البحرى الشمالى بديلا عن قناة السويس المصرية، وخرجت وكالة روس أتوم الروسية النووية لتبعث برسالة للعالم أثناء أزمة جنوح السفينة تقول فيها: “إنكم لن تعلقوا فى ممرنا كما فى قناة السويس”.
وتروج روسيا منذ وقت طويل لهذا الممر الملاحى على طول الساحل القطبى الروسى باعتباره منافسا لقناة السويس، وتخطط لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية.
إسرائيل أيضا منذ فترة تفكر فى شق قناة بين البحر الأحمر من خلال خليج العقبة لتصل إلى البحر المتوسط لتكون بديلة عن قناة السويس المصرية لتستفيد منها إسرائيل اقتصاديا وأيضا على مستوى العلاقات الدولية والوضع الأمنى لها. وهناك مشروع إسرائيلى آخر لإنشاء خط سكة حديد لربط إيلات على البحر الأحمر بأشدود على البحر المتوسط.
تعددت الدول والأهداف وكثرت الأغراض والمطامع، فالكل ينطلق وفقا لحاجة فى نفسه، وتبقى مصر صامدة مستمدة قوتها من تاريخها الطويل الذى يقف شاهدا على تحطيم أحلام كل من أراد سلب خيرات هذا البلد، فهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يحاول فيها البعض نهب ثروات مصر، وبفضل الله وحمايته وبسواعد أبناء هذا الوطن وثباتهم تتبدد دائما أوهام كل طامع ويعود أدراجه خاوى الوفاض.
فهل تيار مصر الجارف الذى استطاع أن يغرق كل الغزاة سيقف عاجزا أمام مجرد سفينة جانحة؟ إنهم أبناء مصر الذين بفضل الله لا يعرفون المستحيل.
فالمصرى يظهر معدنه الحقيقى الأصيل النفيس وقت الأزمات ليلمع ويبرق فيطغى على كل المعادن الرخيصة الأخرى التى لا تعكس سوى أضواء خافتة باهتة.
فمصر تعمل فى صمت دون ضجيج، وتبعث برسالة تقول فيها: “لا تحسبن صمتى جهلا أو نسيانا، فالأرض صامتة وفى جوفها بركان”، وهذه الرسالة موجهة للجميع وفى مختلف القضايا وعلى مر العصور.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *