الإيكونوميست المصرية
الحرية مقيدة بحقوق الآخرين…بقلم: محمد فاروق

الحرية مقيدة بحقوق الآخرين…بقلم: محمد فاروق

محمد فاروق

أمر مرفوض ما حدث فى حفل افتتاح أولمبياد فرنسا 2024، من قيام راقصين يمثلون مجموعة من المتحولين بمحاكاة لوحة “العشاء الأخير” للسيد المسيح عليه السلام والحواريين والتى رسمها الفنان الإيطالى ليوناردو دافينشى عام 1498 م.
فغير مقبول نهائيا تصوير السيد المسيح بشكل مسىء، وغير مسموح أبدا إظهار المقام السامى للنبوة بأسلوب هابط.
وبالفعل واجهت فرنسا انتقادات شديدة وتعرضت لغضب عنيف من العالم كله، سواء من مؤسسات مسيحية كالكنائس بطوائفها المختلفة أو من مؤسسات إسلامية مثل الأزهر الشريف أو من جانب الشعوب والأفراد.
وهذه الانتقادات دفعت منظمى دورة الألعاب الأولمبية بالإسراع إلى الاعتذار، بل والتأكيد على عدم وجود أية نية لإظهار عدم الاحترام لأية طائفة دينية، وأن “العشاء الأخير” لم يكن مصدر الإلهام وراء المشهد الذى كان مجرد مضاهاة لاحتفال يونانى. كما تم فورا حذف فيديو الحفل الذى تتضمن الإساءة للسيد المسيح من على “يوتيوب”.
وهنا يبرز وبقوة ضرورة احترام مشاعر كافة شعوب العالم باختلاف دياناتها، وتقدير الثوابت الدينية، فحين تألم المسلمون من الرسوم المسيئة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التى نشرت فى بعض الصحف فى أوروبا، ظهرت أصوات تعتبر أن تلك الرسوم تأتى تحت مظلة حرية الرأى والتعبير ولا يجب بأى حال من الأحوال تقييد الآراء وقتل الإبداع، معتبرين أن ذلك لو حدث لعدنا إلى عصور الظلمات والجهل والتخلف على حد رأيهم.
واليوم جاءت تلك الأحداث فى فرنسا، لترد على تلك الآراء السابقة التى جردت المسلمين من حقهم حتى فى الضيق من تلك الرسوم المسيئة، وأثبتت أنه لا يمكن الكيل بمكيالين فى تلك الأمور، فأى إساءة للرسل والأنبياء غير مقبولة بأى شكل من الأشكال ومرفوضة تحت أى مسمى أو هدف.
وكان لزاما على المجتمع الدولى وقتها أن يقف فى وجه مثل تلك التصرفات الهمجية والتأكيد على أن الأديان لا يمكن أن تتعرض لعبث العابثين وأنها فى منزلة أسمى لا تسمح من أن تتعرض لأى فعل طائش، وأن مشاعر الشعوب لها الأولوية وأهم بمراحل من أى حرية تتخطى حريات الآخرين وتتعدى على حقوقهم وتقهر مشاعرهم.
والغريب فى الأمر أن فرنسا التى تدعى حرية الرأى والتعبير، قامت مثلا بمنع اللاعبات الفرنسيات من ارتداء الحجاب خلال مسابقات الألعاب الأولمبية الحالية، فأى ازدواجية هذه وأى تناقض ذلك فى التعامل مع القضايا! فكيف تعطى الحرية للمتحولين بأن يعبروا عن أنفسهم كما شاءوا – رغم رفض الأديان والقيم والمبادئ والطبيعة البشرية لهذا- بل وتبرزهم خلال حفل افتتاح الدورة الأولمبية، وتمنع فى الوقت نفسه رداءً دينياً لا يسىء لأى شخص ولا يجرح مشاعر أحد؟
نحن نتمنى أن نعيش فى وئام وسلام وسط هذا العالم الذى أصبح كغرفة صغيرة تجمعنا جميعا، فعلينا أن نحترم مشاعر بعضنا البعض وأن نقدر عقائدنا ونصون رموزنا وأن نحافظ على الاحترام المتبادل بيننا وأن ننأى بأنفسنا بعيدا عن تلك المهاترات التى لا نجنى من ورائها سوى التوتر والضيق والغضب فى عالم ملتهب لم يعد يتحمل أية تصرفات هوجاء.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *