أشرف الليثى
لم تمر على مصر فترات عصيبة مثل التى نعيشها الآن.. المشكلة معقدة جدا ولها أذرع عديدة، بل ومن الممكن القول إنها لم تعد مشكلة اقتصادية فقط بل تخطت تلك المرحلة وأصبحت سياسية اقتصادية اجتماعية، بل وهناك عامل نفسى أيضا يتمثل فى الخوف من الغد وعدم الثقة فيما هو قائم وهو ما يزيد المشكلة تعقيدا.
أولا لابد أن نعترف أن هناك حصارا اقتصاديا مفروضا على مصر الآن من مختلف الجهات بداية من جنوب البحر الأحمر والذى تسيطر عليه إيران بواسطة الحوثيين وبمساعدة من أعداء النظام المصرى الذين يضغطون بكل قوة من أجل إخضاع القرار المصرى لهم وقبول إملاءات تفرضها علينا دول الغرب وإسرائيل وللأسف بمساعدة بعض الذين كان يطلق عليها أشقاء، وهذا الوضع كشف حقيقة المؤسسات المالية الدولية ومنظمات التقييم الدولية التى كانت تدعى أنها مؤسسات حيادية تعمل على تقييم الأوضاع الاقتصادية والمالية للدول المختلفة بكل حيادية ولكن اتضخ غير ذلك تماما بل تؤتمر بأوامر سياسية مباشرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التى إذا غضبت على نظام ما فى أى دولة تقوم تلك المؤسسات على الفور بإعطاء اقتصادها مؤشرا سلبيا حتى يؤثر على الاستثمارات الأجنبية التى تأتى إليها، والعكس صحيح فى حالة الرضا من جانب الولايات المتحدة على أى نظام سياسى يكون من حقة الحصول على تقييمات إيجابية لنظامه الاقتصادى والمالى.
الوضع الاقتصادى الصعب لمصر الآن يتمثل فى شح العملة الأجنبية الصعبة التى كانت تأتى من مصادر مختلفة أولها قناة السويس (9 مليارات دولار سنويا) أصبحت حاليا فى عداد المفقودين لأن شركات الشحن غيرت اتجاهاتها بعد المخاطر التى تتعرض لها السفن من جانب الحوثيين المسيطرين على مضيق باب المندب فى جنوب البحر الأحمر والذى أثر تماما على قناة السويس.
المصدر الآخر تحويلات المصريين فى الخارج والتى تضاءلت أيضا بعد الارتفاع الكبير فى سعر الدولار بالسوق الموازية والذى تخطى حتى كتابة هذه السطور ضعف سعره الرسمى، وكان حجم هذه التحويلات يصل إلى 32 مليار دولار سنويا.
المصدر الثالث السياحة التى انخفض الدخل فيها بنسبة كبيرة نتيجة التوترات التى تحدث على حدود مصر الشمالية الشرقية فى قطاع غزة والذى أثر سلبا على هذا القطاع المهم الذى كانت تصل عائداته إلى ما يقرب من 16 مليار دولار وكان مرشحا لتحقيق زيادة كبيرة فى الآونة الأخيرة.
يأتى مع هذا الوضع المتأزم ميعاد سداد مصر لمستحقاتها المالية من الديون خلال هذا العام فقط ما يقرب من 45 مليار دولار وهو ما يقدر بثلث حجم إجمالى الدين الخارجى تقريبا وهو لمؤسسات مالية لا ترحم وترفض أى حلول، كل هذا أدى الى شح فى العملة الأجنبية وارتفاع كبير فى أسعار الذهب والحديد وجميع مستلزمات الإنتاج وأصبحت الحياة شاقة جدا على المصريين كافة.
والسؤال هنا: لماذا لا توقف الدولة فورا مصادر استنزاف العملة فى ظل تلك الأوضاع المتردية؟ كيف يمكن السماح حتى الآن باستيراد الياميش والجمبرى واللاعبين والمدربين الأجانب وجميع السلع الاستفزازية والسيارات من الخارج؟ ألم يحن الوقت لسد هذا النزيف مع الالتزام بتشجيع وتقوية مصادر العملات الأجنبية المختلفة وعلى رأسها التصدير خاصة المنتجات الزراعية التى لنا مزايا نسبية فيها ولنا أسواق كثيرة حول العالم تفضل تلك المنتجات وأيضا المنتجات الصناعية التى نجحت فى فتح أسواق لها خلال الفترات السابقة؟
فى حالات الأزمات والتى لن تكون أقصى من تلك الأزمة، يجب أن نوقف جميع بنود الاتفاقات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية والتى منحت أفضلية كبيرة للمنتجات التى يتم استيرادها ودخولها السوق المصرية ومنعت فرض أى قيود على استيرادها.
نحن الآن فى معركة وجود فى ظل هذا التكاتف العالمى ضدنا ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.