الإيكونوميست المصرية
الدراما السياحية ————– بقلم: محمد فاروق

الدراما السياحية ————– بقلم: محمد فاروق


بقلم: محمد فاروق
الدراما من أهم أساليب القوى الناعمة التى تستطيع بها دول أن تغزو دولا أخرى وتحتلها دون إراقة قطرة دم واحدة أو تحريك جندى أو مدفع، بل تقدر على أن تهيمن على فكر شعوب كاملة وتسيطر على وجدان وعاطفة أجيال عديدة على مستوى العالم، فالدراما لها مفعول السحر والـتأثير غير المباشر اللامحدود.
فهاهى أمريكا تغزو العالم كله من خلال هوليوود، تصل إلى فكر كل شعوب العالم، تنقل لهم ما أرادت، تضع السم فى العسل فى معظم الأحيان، وتزرع فى وجدان العالم أن المواطن الأمريكى شخص نبيل شجاع مقدام يحارب الشر وينصر الخير ويتسم بالذكاء والحنان والتفانى، بمعنى آخر كوكتيل من السمات الراقية، وفى المقابل نجدها ظلت سنوات عديدة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وطوال فترة الحرب الباردة، تظهر الفرد الروسى وكأنه شخص بلا قلب أو عواطف أو فكر، والألمانى بأنه كالآلة الجامدة (حافظ مش فاهم)، واستمرت فى نقل هذه الصورة للعالم كله.
أما تركيا، فقد حرصت على غزو العالم من خلال التصوير فى الأماكن الخلابة وإظهار نفسها بأنها جنة الله فى الأرض، بالإضافة إلى نقل التاريخ التركى بأزهى شكل وأبهى صورة للعالم بصفة عامة وللعرب بصفة خاصة، فاستطاعت أن تجذب ملايين السياح من خلال استخدام الدراما كفاترينة عرض للأماكن السياحية الخلابة، وبالفعل جنت من وراء ذلك دخلا سياحيا وصل لنحو 26 مليار دولار عام 2017.
ونتيجة لأن الصين تدرك أهمية الصورة المنقولة فى الدراما وقوة تأثيرها، فقد اتخذت قرارا بمنع عرض أحد أجزاء فيلم Mission Impossible للنجم توم كروز فى أراضيها بسبب إظهاره فى أحد المشاهد شوارع الصين وأسطح منازلها بشكل غير لائق.
ونحن فى مصر، غزونا العالم العربى كله بتلك القوة الناعمة، دخلنا كل البيوت من خلال المسلسلات، سكنا كل العقول من خلال الأفكار، لدرجة أن كل الشعوب العربية تفهم اللهجة المصرية بل تتقن التحدث بها وتعرف كل صغيرة وكبيرة عن حياة المصريين ومعيشتهم.
فلماذا الآن لا نغتنم هذه الفرصة الذهبية التى نمتلكها ونستغل تلك الميزة التنافسية، وذلك من خلال استخدام الدراما كوسيلة لخدمة الاقتصاد المصرى بصفة عامة والسياحة بصفة خاصة، فلابد من نقل مصر الجميلة البهية العريقة للمُشاهد وهو يجلس فى بلده، وإظهار أبهى الصور وأحسنها، مما يشعل الرغبة داخل المُشاهد بالذهاب فورا لزيارة تلك الأماكن الرائعة التى شاهدها على الشاشة.
فلابد من التركيز على التصوير فى مختلف الأماكن الخلابة التى تتمتع بها مصر مع تنوع أشكال السياحة، فنبرز جمال الإسكندرية عروس البحر المتوسط، ونقاء مرسى مطروح وقرى الساحل الشمالى، وروعة قناة السويس ومدنها، وإبهار سيناء وجبال سانت كاترين، وبهاء شرم الشيخ والغردقة وطابا ودهب ومرسى علم والعين السخنة وجميع مدن البحر الأحمر وتصوير ما يزخر به فى أعماقه من مناظر تفوق الخيال، وإظهار التشويق فى رحلات السفارى فى الصحراء وسيوة والواحات والصحراء البيضاء، إلى جانب إبراز عظمة الأماكن الأثرية أسوان والأقصر والأهرامات، وإبراز حضارات مصر المختلفة وتاريخها العريق الفرعونى والرومانى والقبطى والإسلامى.
كل هذا يتم من خلال أعمال درامية محبوكة تنقل للمُشاهد بشكل غير مباشر جمال مصر وروعة مدنها وعظمة تاريخها.
فمصر دولة عظيمة، تزخر بمعالم سياحية غزيرة لم ينعم الله تعالى على دولة أخرى بمثلها من كم ونوع وتنوع وجمال وعراقة، إلى جانب الجو المعتدل معظم أوقات السنة، والموقع المتوسط بين دول العالم، والأمن والأمان، كل هذه مزايا تنافسية لمصر نقدر بها أن نجذب أكبر عدد من السياح، وننعم بدخل وافر ضخم، فقط لو أحسنا استغلال هذا المورد الغزير المتدفق الذى مهما ننهل من ينبوعه لا يجف أو ينقص أو يقل بإذن المولى عز وجل.

Related Articles