الإيكونوميست المصرية
الرمال السوداء كنز مصر المدفون على الشواطئ

الرمال السوداء كنز مصر المدفون على الشواطئ

ولاء جمال

على امتداد السواحل المصرية، تمتد ثروة لا يعرف كثيرون قيمتها الحقيقية، إنها الرمال السوداء، كنز طبيعى يختلط فيه الذهب الصناعى بالفرص الاقتصادية، ورغم ما تحويه من معادن نادرة تدخل فى صناعات الطيران والطاقة والإلكترونيات، فمازالت رحلة استغلالها تواجه تحديات عديدة.
وقال الدكتور حسن بخيت، وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية سابقا ورئيس المجلس الاستشارى العربى للتعدين: إن الرمال السوداء تعد من الخامات الإستراتيجية التى تحمل أهمية كبيرة نظرا لما تحتويه من معادن نادرة تدخل فى العديد من الصناعات الحديثة والمتقدمة.
وأكد أن هذه الرمال مكونة من العديد من المعادن الأساسية، مثل التيتانيوم والزركون والمونازيت وغيرها، وجميعها تدخل فى صناعات دقيقة ومهمة مثل صناعات الطيران، والطاقة، والإلكترونيات، وغيرها من المجالات التى تعتمد على التكنولوجيا المتطورة.
وأشار الدكتور بخيت إلى أن الرمال السوداء تتركز بشكل أساسى على سواحل البحر الأبيض المتوسط، خاصة فى المناطق القريبة من مصبات نهر النيل، حيث كان النهر عبر العصور يحمل هذه الرمال من الجنوب إلى الشمال، ولكن لا تقتصر هذه الرمال على تلك المناطق فقط، بل توجد أيضا على سواحل البحر الأحمر، خاصة فى المناطق التى يحتمل أنها مصبات دلتا جافة أو مروحات وهى مناطق لم تدرس بالشكل الكافى، رغم أنها قد تحتوى على ثروات معدنية لا تقل أهمية.
وأوضح أنه فى الماضى، كانت الرمال السوداء تتعرض لاعتداءات واستخدامات غير مناسبة، مثل استخدامها فى أعمال البناء، وهو ما يعد إهدارا لهذه الثروة المعدنية القيمة، لكن مع إنشاء مصنع الرمال السوداء بكفر الشيخ بدأت الدولة فى استغلال هذه الرمال بشكل علمى ومنظم، مما ساهم فى وقف هذا النشاط العشوائى، وبدأت عملية الاستفادة الحقيقية من هذه الثروة.
ومع ذلك، لا ينبغى الاكتفاء بحماية واستغلال الرمال الموجودة فى محيط المصنع فقط، بل يجب وضع خطط شاملة لحماية باقى المناطق التى تحتوى على تجمعات من الرمال السوداء من الإهدار أو التعدى، سواء من خلال الاستخدام غير المدروس أو من قبل بعض المواطنين، من المهم جدا أن تعامل هذه المناطق كمناطق ثروة قومية، وتتخذ فيها إجراءات تنظيمية وتشريعية لحمايتها.
ولفت الدكتور بخيت إلى أن عملية استخلاص المعادن من الرمال السوداء تمر بثلاث مراحل رئيسية، تبدأ بمرحلة استخراج الركاز من الرمال، وهى المرحلة التى يتم فيها الحصول على المادة الخام التى تحتوى على المعادن، ثم تأتى مرحلة فصل المعادن المختلفة عن بعضها البعض، باستخدام تقنيات دقيقة، وأخيرا مرحلة استخدام هذه المعادن فى الصناعات المختلفة
وهذه المراحل تتطلب تكنولوجيا عالية ومعرفة فنية متخصصة، ولذلك فإن التحدى الأكبر يكمن فى كيفية الحصول على هذه التكنولوجيا، والتعاون مع الشركات العالمية الرائدة فى هذا المجال.
كما أن نقل هذه التكنولوجيا وتوطينها فى الوطن العربى يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الثروة، وحتى فى الحالات التى لا تكون فيها الكميات المتوفرة من الرمال السوداء كافية لإنشاء مصنع محلى، يمكن التفكير فى التعاون مع دول الجوار التى تمتلك مثل هذه الرمال ولكن لا تملك الإمكانيات التصنيعية، من خلال الاستثمار المشترك أو استيراد الركاز منها.
وتابع الدكتور بخيت أن الرمال السوداء ليست مجرد مادة طبيعية عادية، بل هى ثروة إستراتيجية يجب أن تحظى بالاهتمام الكامل من حيث الدراسة والاستغلال العلمى والحماية والمتابعة الدقيقة باستخدام بيانات موثوقة، حتى يمكن تحويلها إلى ركيزة من ركائز الاقتصاد والصناعة الحديثة فى منطقتنا.
من جانبه، أوضح ياسين أحمد، الخبير الاقتصادى أن الرمال السوداء تعد من الرواسب الشاطئية الغنية بالمعادن الثقيلة، التى تدخل فى صناعات متقدمة وحيوية؛ فعلى سبيل المثال، يستخرج التيتانيوم من الإلمنيت والروتيل ويستخدم فى صناعات الطيران والصواريخ، بينما يدخل الزركون فى صناعة السيراميك والزجاج، ويستخدم المونازيت فى مجالات الطاقة النووية نظرا لاحتوائه على عنصر الثوريوم.
وأكد أن وجود إستراتيجيات واضحة لتعزيز استغلال هذه الموارد يمكن أن يحقق قيمة مضافة كبيرة للدولة، خاصة أن مصر تصدر جزءا من هذه المعادن فى صورتها الخام، وهو ما يفقدها فرص التصنيع المحلى والعوائد الاقتصادية المرتبطة به، فإذا تم تحويل هذه الخامات إلى منتجات صناعية محليا، فسيكون بالإمكان إدخالها فى صناعات إستراتيجية عالية القيمة، مما يعود بالنفع الكبير على الاقتصاد الوطنى.
وأشار ياسين إلى أن الرمال السوداء لا تمثل فقط مصدرا للثروات الطبيعية، بل يمكن أن تتحول إلى عامل جذب مهم للاستثمارات الأجنبية المباشرة، لا سيما فى الصناعات التكنولوجية والدفاعية المتقدمة، نظرا لأهمية هذه المعادن فى الأسواق العالمية.
أما عن أماكن تواجد هذه الرمال، فقد أوضح أنها تنتشر فى مناطق متعددة مثل البرلس بمحافظة كفر الشيخ وعلى طول سواحل البحر المتوسط، مشيرا إلى أن هذه المناطق يمكن أن تتحول إلى مراكز صناعية جديدة قائمة على استغلال الرمال السوداء.
وأكد أن بعض هذه المعادن المستخرجة من الرمال السوداء تستخدم فى الصناعات الحساسة على مستوى العالم، وهو ما يجعل من امتلاك هذه الموارد واستغلالها بشكل فعال أحد العوامل التى تعزز من القوة الجيوسياسية لمصر فى الإقليم وعلى الساحة الدولية.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *