بقلم: محمد فاروق
يتساءل الكثير منا هذه الأيام لماذا قوة التحمل صارت تتضاءل جيلا بعد جيل؟ ولماذا أولادنا لم يعد لديهم الصبر على المشاق بنفس الدرجة التى كنا نصبر عليها نحن وآباؤنا والأجيال السابقة؟ ولماذا صارت الأجيال الجديدة تتصور أى ضغوط تتعرض لها كالسياط المتلاحقة؟
كان لى حديث شخصى شيق مع أحد رجال الأعمال العصاميين الذين جاهدوا وشقوا طريقهم حتى احتل مكانة مرموقة فى سوق التجارة اليوم، والذى أكد لى أن الشباب اليوم يفتقد سمة أساسية لتحقيق النجاح وهى الصبر حيث يريد أن ينجز ويصل إلى ما يريد دون التأنى والتروى وهذا بالطبع مستحيل، وصور ذلك بالطفل حين يلعب الآن البلايستيشن فإنه يتعلم التعجل والسرعة المفرطة وذلك يقتل بداخله صفة الصبر لأنه لو لم يقم بالقضاء على الشخص الذى أمامه فسيقتله هو، ومن هنا انغرس بداخله التسرع وانعدم الصبر من صفاته.
هذه النظرة فى التعامل مع الأمور أثرت بشكل سلبى على جميع تعاملاتنا فى مختلف المجالات، فصار الجميع ينظر للآخر على أنه منافس له يريد هزيمته وكأن فى خسارته الربح المبين؛ فمثلا فى كرة القدم ستجد السمة الرئيسية بين الجماهير هى “التحفيل” والإمعان فى إهانة الخاسر والاستمتاع بإذلاله وقمة السعادة ليست فقط فى فوز فريقك بل أيضا فى هزيمة الفريق الآخر حتى لو كان يلعب مع فريق من دولة أخرى.
انظر إلى بيئة العمل وماأصابها من تنافسات للأسف غير حميدة ومعظمها ليس فى صالح العمل وغالبية العاملين يعتقدون أن وصولهم لقمة السلم الوظيفى ستكون على رقاب زملائهم فى العمل وتراجع الآخرين ومن هنا تبدأ الكراهية وما يسمى بالـ “الإسفين” ومحاولات إيقاع الزملاء، حتى لو انهار مع ذلك العمل فلا يهم، المهم المصلحة الخاصة.
انظر إلى السير فى الشوارع، ستجد سائقى السيارات يدخلون فى منافسات وهمية وحروب افتراضية مع بعضهم البعض، فكل سائق يحاول إلحاق الهزيمة بخصمه اللدود الذى يحاول أن يسبقه، وكيف لهذا الخصم العنيد أن يمر منك وينحرف من أمامك بعد أن يعطيك إشارة فلابد أن تسبقه وتعطله ولا تعطيه الفرصة، وكيف لهذا السائق اللعين أن يهدئ من سرعته لمحاولة معرفة أى طريق يسلك فلابد أن تهاجمه وتضغط على آلة التنبيه بكل ما أوتيت من قوة لإرباكه وإخراجه عن تركيزه وتشتيته وبالتالى جعله يسلك الطريق الخطأ، وهكذا.
اذهب لاستخراج أى مستخرج أو إنهاء أى أوراق، ستجد الموظفين وكأنهم استأجروا المواطنين ليعملوا لديهم، يرسلونهم لتصوير الأوراق ويبعثون بهم للموظف فلان وفلان بالإضافة إلى المعاملة السيئة، المواطنون أنفسهم داخل غرف استخراج تلك الأوراق تشعر وكأنهم كارهون لبعضم البعض وشجاراتهم لا تتوقف.
انظر إلى نظرة المواطنين للدولة نفسها، ستجد وكأنهم يريدون أن يناموا الليلة ويستيقظوا صباحا وقد أصبحنا ننعم بنهضة أوروبا وتقدم أمريكا، كل هذا بدون تعب أو عناء أو صبر، فقط أنا أريد وأنت تنفذ، وإن لم تفعل وتنفذ ما أريده فستكون على خطأ، إنه منطق الإنسان المتسرع الأنانى الذى لايرغب فى أن يبذل أى مجهود ولا يريد أن يصبر على أى مشقة وللأسف هذا الإنسان ليس له مكان بين الشعوب الناجحة، فلماذا تقارن دولتك بأوروبا والدول المتقدمة ولا تقارن نفسك بشعوب جنوب شرق آسيا مثلا؟
أى تطوير يبدأ أولا من داخل الفرد، من سماته، وبصفة خاصة يبدأ من صبره وقدرته على تحمل المشاق والصعاب حتى يصل لمراده ويحقق أهدافه.