يقدمه: عمرو المصرى
خلال إحدى البرامج التي تكرم أطفال السينما المصرية في عصرها الذهبي بعد أن تقدم بهم العمر، ظلت سيدة وقورة صامتة لا تتحدث حتى كانت آخر الموجودين، فسألتها المذيعة: “وحضرتك مثلتي وإنتي صغيرة؟” فردت السيدة بصوت ناعم مهذب: “أنا ضحى أمير، اللي مثلت مع عماد حمدي ومديحة يسري فيلم حياة أو موت!”، وتعرفت عليها المذيعة على الفور بخليط من الدهشة والفرح.
قدمتها للسينما المنتجة الفنانة الكبيرة ماري كويني، والتي كانت تحرص دائما أن تتمتع أعمالها بمستوى فني رفيع، وهكذا كانت ضحى، تلك الفتاة الجميلة التي خطفت قلوب كل من شاهدها في فيلم “حياة أو موت” عام 1954، والذي يعد أشهر أدوارها ..”سميرة” .. إبنة عماد حمدي ومديحة يسري في الفيلم.
ظهرت ضحى أيضا في فيلم “رد قلبي” (1957)، حيث جسدت شخصية “إنجي” (مريم فخر الدين) في صغرها، والغريب أن الطفل علي عيسى الذي ظهر معها في “حياة أو موت” – حيث كان يدلها على الطريق وهي تحمل زجاجة الدواء لوالدها المريض – ظهر أيضا معها في “رد قلبي” حيث كان يجسد دور “علي” (شكري سرحان) صغيرا.
جسدت ضحى أيضا شخصية “فاطمة” (صباح) وهي صغيرة في فيلم “ثورة المدينة” (1955) بطولة محمد فوزي، فيما كان آخر أعمالها فيلم “جمعية قتل الزوجات” (1962) قصة يوسف السباعي وبطولة صلاح ذو الفقار وزهرة العلا وإخراج حسن الصيفي.
أثنى النقاد على براعة ضحى أمير في تجسيد دور درامي ومشوق، وهي طفلة صغيرة في السابعة من عمرها في فيلم “حياة أو موت”، فحققت بذلك طفرة في الأدوار التي تم إسنادها لأطفال، حيث كان في المعتاد أن يكون الدور إما هامشيا غير مؤثر في سياق الأحداث، أو أن يكون العمل كوميديا، لكنها كانت بطلة عمل درامي تشويقي نجح في إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.
كان اختيار بطلة الفيلم من قبيل الصدفة حيث طلب منتجو الفيلم وجوها جديدة فقام أحد أقارب ضحى بإرسال صورتها، وقد قامت لجنة باختبار الفتيات لكن المصور أحمد خورشيد كان مصمما على أنها بارعة وعليه فقد جرى لها اختبار ثان نجحت فيه.
والطريف أن مشهد الشخص “السكران” – الذي جسده الملحن والممثل حسن أبو زيد – الذي خطف زجاجة الدواء قد حدث في الواقع أثناء عمل الفيلم، مما أوحى للمخرج كمال الشيخ بفكرة إدراج المشهد في الفيلم، وتقاضت ضحى عن دورها حين ذاك مبلغ مائة جنيه، وكان مبلغا كبيرا حينها/ ولا تزال الفنانة المعتزلة تحتفظ بالفستان الذي ظهرت به طوال الفيلم، والذي كان هدية من المنتجة الكبيرة الفنانة آسيا داغر.
يعتبر الفنان حسين رياض هو معلم ضحى الأول حيث تعلمت الكثير منه، وكان يقف إلى جوارها في كل شيء، وكان معروفا عنها أنها لا تندمج تماما أثناء البروفات ولكنها كانت تندمج في الشخصية بالكامل أثناء التصوير، وكان يعلمها كيف تبكي أو تضحك.
وبعد ذلك ودون مقدمات قررت ضحى أمير اعتزال الفن، وتزوجت واستقرت في مسقط رأسها بمدينة الأسكندرية، وما زالت تحتفظ بذكرياتها مع أفلامها التي قامت ببطولتها وهي طفلة، وبكل إكسسواراتها وتحديدا الفستان الذي ارتدته طوال مشاهدها في حياة أو موت.
ضحى أمير هي ممثلة مصرية، من مواليد الأسكندريه عام 1946 لأب مصري وأم أرمينية، وجدها من مدينة “حلب” السورية، وكانت تردد بعد شهرتها في السينما أنها تعشق عبد الحليم حافظ جدا وكان حلمها الوحيد الزواج منه عندما تكون في سن الثلاثين.
“إلى أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس .. لا تشرب الدواء الذي أرسلت ابنتك في طلبه .. الدواء به سُم قاتل” .. بهذه العبارة حبس الجمهور أنفاسه يترقبون نهاية البطل على يد ابنته الطفلة الصغيرة، التي كانت بحق بطلة العمل، فتفاعل معها الجمهور وأحبها، وحزن على حزنها، وتابع بشغف رحلتها الطويلة حتى منزلها.
وعلى الرغم من اعتزال ضحى بعد عدد قليل من الأفلام، إلا أنها تركت بصمة عميقة لدى المشاهد الذي ما زال يتذكر هذه الطفلة الجميلة الرقيقة.