محمد فاروق
العنصر البشرى فى مصر هو أحد أهم الموارد التى منحها الله تعالى لهذه الأرض الغالية، فمصر تتميز ليس فقط بكثافة الأيدى العاملة وغزارتها، بل أيضا بكفاءتها واتسامها بالتدريب، والقدرة على التعلم بل والسرعة فى ذلك، وعدم ارتفاع أجرها مقارنة بمهارتها وبالمنافسين، والصبر وعدم التملل، والمثابرة والإرادة والعزيمة، وتنفيذ الأوامر والتعليمات، كما أن المصرى بطبعه غير عدوانى أو تصادمى بل يتميز بالود والتفاهم، إلى جانب الانتماء لمحل عمله.
ومنذ آلاف السنين، بنى العامل المصرى القديم حضارة عظيمة، وأبهر العالم بإبداعاته وقدراته ومهاراته ودقته فى البناء والتشييد والتى مازال كل العالم وعلمائه يقفون عاجزين حتى يومنا هذا أمام حل وكشف ما تركه من ألغاز وأسرار.
والعامل المصرى الذى بنى الحضارة الفرعونية العريقة، هو نفسه الذى بنى مصر الحديثة، هو الذى حفر بسواعده قناة السويس أهم ممر ملاحى فى العالم، وهو الذى بنى السد العالى الذى أنقذ ومازال ينقذ مصر من الفيضان ومن الجفاف، ولم يكتف العامل المصرى بتعمير أرضه فقط، بل غادراها ليعمر فى الأرض ويساهم فى بناء وتطوير كل الدول العربية ويعلم أبناءها.
والدليل على مهارة العامل المصرى، ما قام به السلطان العثمانى سليم الأول عام 1517 بنقل نخبة ضخمة قدرت بالآلاف من العمال والصناع المصريين المهرة من مختلف المهن والحرف عنوة إلى إسطنبول للمشاركة فى تشييدها وبنائها ونقل المهارات المصرية لها.
واليوم.. قرر العامل المصرى أن يبهر العالم من جديد بعد أن جمع مجموعة ضخمة من آثار أجداده ووضعها فى صرح شامخ هو الأكبر على مستوى العالم الذى يضم آثارا لحضارة واحدة، وبنى المتحف المصرى الكبير ليواصل هوايته المفضلة فى الاستحواذ على إعجاب العالم وجذب احترامه قبل أنظاره.
بناء المتحف الضخم كان بسواعد آلاف العمال والفنيين والمهندسين الذين لم يدخروا جهدا لإخراج هذه التحفة المعمارية البديعة التى تليق بما تحتويه من كنوز نفيسة وما تضمه من تاريخ عظيم فريد.
فتحية تقدير وإعزاز لكل عامل ساهم فى بناء المتحف المصرى الكبير، هذا الجندى المجهول الذى يقف دائما وراء كل ما هو عظيم، إنه العامل المصرى المتفانى الذى لا يظهر أمام الكاميرات ولا تتم استضافته فى البرامج ولا تبرزه صور الصحف والمواقع ويبقى خلف الكواليس، لكنه سيظل مستحوذا على قلوب كل المصريين وعقولهم، وسيبقى فى ذاكرة التاريخ مخلدا بأحرف من نور.




