ولاء جمال
فى صعيد مصر، ينمو القطن المصرى ليصبح رمزا للجودة، حيث شهد الصعيد زيادة غير مسبوقة فى زراعته فى عام 2024، حيث تحولت الحقول إلى مصدر أمل، مع تحسين أصناف القطن وارتفاع الإنتاجية، لتبقى الزراعة عنوانا للفخر الوطنى.
وأكد الدكتور مصطفى عطية عمارة، رئيس بحوث المعاملات الزراعية ووكيل معهد القطن للإرشاد والتدريب، أن القطن المصرى يمثل قمة الجودة بين أقطان العالم، حيث يتميز بالصفات الغزلية والتكنولوجية الممتازة، ما يجعله الخيار الأول لكبرى بيوت الأزياء العالمية التى تفضله عن أى نوع آخر، ويتم تصنيف القطن المصرى إلى نوعين رئيسيين؛ الأقطان الطويلة التى تلائم الصناعات المحلية، والأقطان الطويلة الممتازة التى تتفوق بخصائصها التكنولوجية العالية وتناسب التصدير إلى الأسواق العالمية.
وأضاف د. مصطفى أن الحكومة المصرية تسعى جاهدة إلى تطوير منظومة القطن المصرى والحفاظ عليه كرمز للجودة، وتبنت وزارة الزراعة إستراتيجية طموحة لإعادة بريق القطن المصرى وضمان استدامته عالميا وتشمل هذه الإستراتيجية وضع خريطة صنفية تحدد مناطق زراعة الأصناف بناء على توصيات معهد بحوث القطن واحتياجات السوقين المحلية والعالمية.
كما تعمل الوزارة على استنباط أصناف جديدة تتميز بإنتاجية أعلى، وتوفير المياه بنسبة تصل إلى 20%، ومقاومة للحرارة، ومناسبة للجنى الآلى، مما يساعد فى تقليل التكاليف وزيادة أرباح المزارعين.
وذكر أن خطة الوزارة تتضمن تطوير المعاملات الزراعية من خلال استخدام الميكنة الزراعية الحديثة وطرق الزراعة والرى المتطورة، كما يتم تفعيل الدور الإرشادى عبر الحملات القومية لتوعية المزارعين بأهمية استخدام التقنيات الحديثة وزراعة الأصناف الجديدة بما يسهم فى تحسين الإنتاجية ومن بين الجهود المبذولة، المشاركة فى مبادرات دولية لإنتاج قطن أفضل بالتعاون مع منظمات أممية.
وأكد د. مصطفى أن القطن المصرى ليس مجرد محصول زراعى، بل هو جزء من الهوية المصرية والعمود الفقرى لحياة المزارعين، وازدهرت صناعات النسيج فى مصر بفضل القطن، مما أدى إلى نشأة مدن صناعية شهيرة مثل المحلة الكبرى وكفر الدوار ودمياط.
أما فيما يخص المساحات المزروعة بالقطن فى عام 2024، فقد تمت زراعة 311 ألف فدان، منها أكثر من 270 ألف فدان فى الوجه البحرى و40 ألفا فى الوجه القبلى، وشهدت زراعات الصعيد زيادة كبيرة بلغت 56% مقارنة بعام 2023، ويرجع ذلك إلى تحسن أسعار الضمان وظهور أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية، ومن المتوقع أن تنتج المساحات المزروعة هذا الموسم ما بين 1.8 إلى 2.2 مليون قنطار وهو ما يشير إلى استعادة القطن المصرى بريقه، ليستمر فى كونه أيقونة للجودة والتميز، ورمزا للفخر الوطنى الذى يعكس كفاءة الزراعة المصرية وريادتها.
من جهته، أفاد الدكتور عبد النبى عبد المطلب الخبير الاقتصادى، بأن التفكير فى إعادة القطن المصرى إلى عرشه بدأ منذ فترة طويلة، ربما من بداية الألفية، لكن الجهود الفعلية لاستعادة الثقة العالمية فى القطن المصرى شهدت دفعة قوية منذ عام 2014.
فى تلك الفترة، بدأت مبادرات قومية تهدف إلى تعزيز سمعة القطن المصرى عالميا مثل إطلاق حملات تسويقية تحمل اسم “Egyptian Cotton” أو “القطن المصرى”، وذلك لتأكيد أن هذا القطن مميز ومن أصل مصرى خالص.
وأوضح عبد المطلب أن بعض العلامات التجارية العالمية كانت تستخدم مصطلح “القطن المصرى” رغم أن المنتج لم يكن مزروعا فى مصر، وهو ما دفع الفرق البحثية لإجراء دراسات بغرض تسجيل علامة تجارية مصرية خالصة لهذا القطن، وكان هناك مخطط واضح بين عامى 2014 و2020، وقبل جائحة كورونا، لتسجيل هذه العلامة وضمان حماية الهوية المصرية للقطن.
ولفت عبد المطلب الانتباه إلى أهمية زراعة القطن فى مصر، حيث تبدأ زراعته مبكرا فى صعيد مصر فى شهر مارس، بينما يبدأ موسم الزراعة فى الوجه البحرى فى أبريل، نظرا لاعتماد نموه على درجات حرارة معينة، وحاليا هناك حوالى أربع محافظات مصرية تزرع القطن.
وعن دور “مدينة الذهب” فى تقليل استيراد القطن، أشار عبد المطلب إلى وجود أنواع عديدة من القطن، منها القطن طويل التيلة، الذى يعتبر منتجا نادرا يوجد فى مصر والسودان وأمريكا، ورغم وجود القطن متوسط وقصير التيلة، فإن القطن المصرى طويل التيلة يظل لا مثيل له من حيث الجودة، موضحا أن منتجات القطن طويل التيلة تصنع عادة لفئات نخبوية بسبب ارتفاع أسعارها، بينما القطن متوسط وقصير التيلة يستخدم بشكل أوسع.
كما أكد عبد المطلب أن استعادة القطن المصرى لمكانته يمكن أن تحقق فوائد كبيرة لمصر، خاصة للمناطق التى تزرع فيها المحاصيل، مشيرا إلى أن القطن كان يعتبر قديما من أهم المحاصيل النقدية إلى جانب الكتان، وأن زراعته كانت تشكل محور الحياة الاقتصادية للمناطق الريفية التى تعتمد عليه.
وأشار إلى أن العائد من القطن كان كافيًا لدعم المزارعين طوال العام، وأن القطن المصرى ليس مجرد محصول زراعى، بل كان يربط به سلسلة من الصناعات، بدءًا من حلج القطن والنسيج إلى صناعة الملابس، كما كانت تستخدم بذور القطن فى إنتاج زيت بذرة القطن والأعلاف الحيوانية، لذلك فإن إعادة إحياء صناعة القطن يمكن أن تؤدى إلى تنمية اقتصادية كبيرة، خاصة فى المناطق الريفية التى تعتمد عليه، وتعزز من الصناعات المرتبطة به، مما يفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة.