الإيكونوميست المصرية
القطن الملون نقلة نوعية فى عالم الزراعة والنسيج

القطن الملون نقلة نوعية فى عالم الزراعة والنسيج

ولاء جمال

يعد القطن الملون نقلة نوعية فى عالم الزراعة والنسيج، حيث تتميز أليافه بألوان طبيعية مثل البنى بدرجاته والأخضر، دون الحاجة إلى صبغات كيميائية، وتمثل زراعته فى مصر خطوة واعدة نحو بيئة نظيفة واقتصاد مستدام، لما يحققه من فوائد بيئية وصحية واقتصادية تدعم مكانة القطن المصرى عالميا.
وقال الدكتور مصطفى عمارة، وكيل معهد بحوث القطن والمتحدث الإعلامى للمعهد: إن العودة لاستخدام الخامات الطبيعية فى الصناعة أصبحت ضرورة لا غنى عنها للحفاظ على بيئة نظيفة خالية من الملوثات الكيميائية الضارة، مشيرا إلى أن القطن الملون الطبيعى يعد من أهم المشروعات البيئية التى تحقق فوائد متعددة؛ اقتصادية، وبيئية، وصحية.
وأكد أن هذا النوع من القطن يمنح صناعة النسيج المصرية ميزة تنافسية قوية من خلال تقديم منتجات طبيعية ومستدامة تواكب الطلب العالمى المتزايد على الأقمشة البيئية، كما يعد إحدى الأدوات الفاعلة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة فى مصر 2030، خاصة تلك المتعلقة بالحفاظ على المياه وتعزيز أوجه الاستهلاك والإنتاج المستدام.
وأوضح الدكتور عمارة أن القطن الملون يحتاج إلى كميات أقل من المياه والأسمدة، ويقاوم الآفات بشكل طبيعى، ما يسهم فى تقليل التكاليف الصناعية ويحافظ على البيئة والصحة العامة، كما يربط بين حلقات الإنتاج بداية من المزارع وحتى المستهلك الباحث عن منتجات صديقة للبيئة، ويوفر للمزارعين مصدر دخل أفضل لكونه منتجا ذا قيمة مضافة وسعر أعلى فى السوق.
وأفاد بأن القطن الملون هو فى الأصل تركيبة وراثية طبيعية يكون فيها لون القطن ملونا بطبيعته، وتتراوح درجاته من البيج الفاتح إلى البنى الغامق، بل وتم إنتاج سلالات جديدة من القطن الأخضر.
وأوضح وكيل معهد بحوث القطن أن القطن الأبيض الذى نعرفه الآن هو فى الحقيقة طفرة من القطن الملون، وليس العكس، وأن المعهد يعمل منذ أكثر من 10 سنوات على تطوير هذا النوع من الأقطان، ونجح فى إنتاج 3 سلالات جديدة ملونة طبيعيا.
ويعمل المعهد حاليا على توسيع نطاق زراعته وتحويلها من تجارب محدودة إلى زراعة تجارية مستدامة تبنى عليها علامة تجارية مصرية عالمية فى مجال الأقمشة الطبيعية والملونة.
كما أكد أن القطن المصرى الملون يتميز بدرجة متانة وجودة لم تصل إليها أى دولة أخرى فى مجال إنتاج الأقطان الملونة، بعد اختبارات تكنولوجية أثبتت تفوقه من حيث الجودة والغزل والمتانة، مشيرا إلى أن القطن المصرى بصفة عامة يحتل المرتبة الأولى عالميا، وأن القطن الملون المصرى حافظ على هذا التفوق.
وأشار الدكتور عمارة إلى أن مميزات القطن الملون كثيرة ومتفردة، فهو لا يحتاج إلى أى صبغات كيماوية أثناء التصنيع مما يجعله آمنا على صحة الإنسان ويحمى البيئة من التلوث، كما أنه يوفر 50% من المياه المستخدمة فى التصنيع مقارنة بالقطن الأبيض، ويقلل تكاليف الصباغة والمعالجة بنسبة تصل إلى 60%، ويحقق دخلا أعلى للمزارعين، ويقاوم الجفاف والآفات ويحتاج لمستلزمات إنتاج أقل.
كما أن ألوانه لا تتلاشى، بل تصبح أكثر ثباتا مع الغسيل، ويتحمل درجات الحرارة المرتفعة ومساحيق الغسيل ولا يسبب حساسية، وتتفوق خواصه الغزلية على الأقطان الملونة الأجنبية، بالإضافة إلى أن له بصمة كربونية منخفضة، وأسعاره أعلى من القطن الأبيض.
وأضاف وكيل معهد بحوث القطن أن خصائصه الفيزيائية والكيميائية مثل نسبة السكريات والشمع والزيت والبروتين متوازنة ومناسبة، واللون الطبيعى فى أليافه ثابت ضد الغسيل والضوء والعرق، متوقعا أن يتم طرحه فى السوق خلال عامين حيث تم تأجيله أكثر من مرة بسبب عوامل الطقس.
من جانبها، قالت الدكتورة أمل صابر عويس، رئيس قسم بحوث كيمياء القطن وألياف النسيج: إن القطن المصرى يواجه عدة تحديات، مثل ارتفاع تكلفة إنتاجه وتراجع المساحات المزروعة به، ولابد من العمل على إيجاد حلول مبتكرة لضمان استدامة إنتاجه وتنافسيته.
وأوضحت أن الاستفادة من القيمة المضافة للقطن أمر ضرورى، فبيع الأقطان فى شكل غزول بدلا من الشعر يزيد القيمة بنسبة 40%، وتحويل الغزول إلى أقمشة يزيد بنسبة 35%، بينما تتحول إلى قيمة مضافة تتراوح من 85% إلى 87% عند تصنيعها إلى ملابس جاهزة.
وتحدثت عن خصائص القطن الملون، موضحة أنه يختلف عن القطن الأبيض أو الكريمى المعروف، إذ أن لونه يكون طبيعيا منذ زراعته، ويتنوع بين البنى الغامق والفاتح، والأخضر، والأحمر، والأزرق.
وأشارت الدكتورة أمل عويس إلى أن هذا النوع من القطن لا يمكن أن يحل بالكامل محل القطن الأبيض، لكنه يسير معه جنبا إلى جنب وفقا لاحتياجات السوق.
وذكرت أن القطن الملون معروف منذ أكثر من 5000 عام، وكان يزرع فى مصر والهند وأمريكا الجنوبية، لكنه لم يشهد انتشارا تجاريا واسعا بسبب قصر تيلته وضعف متانته، ما جعل المزارعين يقللون من الاعتماد عليه.
ومع تطور برامج التربية التقليدية والهندسة الوراثية، وتقنيات الغزل والنسيج، استطاع العلماء منذ عام 2020 إعادة إحياء هذا القطن على نطاق تجارى، وإنتاج ملابس فاخرة منه فى عدة دول مثل الولايات المتحدة والصين والهند وتركيا وروسيا.
وأوضحت رئيس قسم بحوث كيمياء القطن وألياف النسيج أن مصر ما زالت فى مرحلة التجربة لكنها تملك فرصة قوية لتطوير هذا النوع وتحقيق عوائد اقتصادية وبيئية متميزة، مؤكدة أن عملها البحثى لمدة 14 عاما فى هذا المجال جعلها تؤمن بأهمية القطن الملون كإضافة مهمة للقطن المصرى، وضرورة التوسع فيه وتسويقه محليا وعالميا.
وذكرت أن القطن الملون ينتج أقمشة آمنة وصديقة للبيئة، لا تسبب أى ضرر خاصة لملابس الأطفال، كما أنه اقتصادى لأنه لا يحتاج للصباغة ويوفر المياه والطاقة والمواد الكيميائية، ويقلل تكاليف التخلص من نفايات الصبغات السامة.
وأوضحت أن حوالى 20% من ملوثات الصرف الصناعى ناتجة عن صباغة المنسوجات، وأن تكلفة هذه الصباغة قد تصل إلى نصف تكلفة إنتاج القماش، مما يجعل القطن الملون بديلا اقتصاديا ممتازا.
كما أنه يقلل الحاجة لاستيراد الصبغات ويوفر العملة الصعبة، ويمكن استخدام القطن الملون فى إنتاج الملابس الداخلية والقمصان والفوط ومفارش السرير والجوارب والبنطلونات وغيرها، وأكدت إمكانية تحسين خواصه بالغزل مع الأقطان البيضاء الأطول تيلة.
وأكدت الدكتورة أمل عويس أن اللون الطبيعى للقطن الملون يختلف تماما عن الصناعى، فهو يزداد وضوحا وقوة مع الغسيل، ولا يتغير بالعرق أو الضوء، مما يمنحه ثقة أكبر من المستهلك ويشجع على شرائه، موضحة أن نجاح مصر فى زراعة القطن الملون وتحويله إلى منتج تجارى يمثل فرصة ذهبية لصناعة نسيج مصرية جديدة أكثر استدامة وتوافقا مع المتطلبات العالمية.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *