الإيكونوميست المصرية
القلب السليم……..بقلم: نيفين إبراهيم

القلب السليم……..بقلم: نيفين إبراهيم


بقلم: نيفين إبراهيم

قديما كانوا يقولون إذا تقدم عريس لبنتك أو إذا أردت أن تعرف أخلاق فلان، “إسأل عليه” فى مقر عمله .. وإذا أردت أن تعرف شخصية فلان، سافر معه..
المقولة صحيحة فى الحالتين، ففى العمل تظهر شخصية الإنسان بلا رتوش ومهما حاول إخفاء عيوبه، فإنها تظهر فى أسلوب تعاملاته مع أقرانه ورؤسائه ومرؤوسيه بشكل تلقائى جدا.
وفى السفر تطفو ملامح شخصية الإنسان وتظهر عيوبه ومزاياه وبقوة، فلو كان بخيلا، ظهر بخله ولو كان أنانيا ظهرت أنانيته وخاصة إذا كان مسافرا فى جماعة، فتجد البعض يُصر على تسيير أمور الجماعة على هواه وكأنه مسئول عنهم وتجد آخر لايفهم أن سفر مجموعة من الأصدقاء مع بعض لايعنى بالضرورة أن يتحرك الجميع كالقطيع، فقد تجمعهم بعض الأشياء وقد يحب أحدهم أن يقوم بجولة وحده، قد لاتروق للآخر، لذلك فإن السفر فى مجموعة عادة ما ينتج عنه مشاكل وعادة ما يخسر الأصدقاء بعضهم بعد أول سفر مشترك خاصة إذا كان ما يجمعهم أقل بكثير مما يفرقهم.
أسوأ شىء فى الدنيا هو أن تتحكم فى الآخرين وتسمح لنفسك باتخاذ قرارات بالنيابة عنهم، والأسوأ منه ألا يعرف الإنسان حدوده وأين يجب أن يقف فيما يخص علاقات العمل والصداقة وأى علاقة مشتركة مع آخرين.
تنظيم العلاقات مهم جدا، يحتاج إلى فهم وإدراك لماهية هذه العلاقات والوصول بها لصيغة تفاهم مشتركة تتيح للجميع العيش بسلام وهدوء والعمل بفعالية وإنتاجية عالية وحتى الاستمتاع بنزهة أو سفر بلا “وجع دماغ”.
فى العمل يسعى الجميع لإثبات الذات وتظهر طبيعة الإنسان فى كيفية تعاملاته مع الآخرين، هل يؤدى عمله بأمانة وضمير؟ هل يعى مفهوم فريق العمل؟ وهل يقدر ويحترم هذا الفريق ويعرف كيف يعبرعن نفسه، وأن يحصل على ما يريد من أقرانه دون المساس أو التعدى على نطاق اختصاصاتهم؟ … علاقات شائكة فكل إنسان له طموحه وله مواطن ضعفه ومواطن قوته، والإدارة الناجحة تتطلع دائما إلى أن يقوم الموظف بأداء مهام عمله، الذى أختير من أجله، بكفاءة عالية وأن يكون لديه القدرة على أن يُعلم مرؤوسيه شيئا جديدا وأن يتعلم هو شخصيا من رؤسائه مهارات تُضيف إلى خبراته، هذه هى الصيغة الناجحة للعمل المثمر الذى يبنى شركات و كيانات واعدة قوية وأيضا الصيغة الصحية للموظف نفسه، فما الفائدة فى البقاء فى عمل لا يضيف لك شيئا ولا يثرى حياتك المهنية ويزيد من خبراتك؟ .. فالنجاح أبدا لا يأتى بالعمل الفردى والأنانية والاستئثار بالرأى وإقصاء الآخر، وإلا يصبح نجاحا منقوصا.
يشتكى بعض الشباب حاليا من أن مدراءهم فى العمل يستغلونهم أسوأ استغلال؛ ساعات عمل طويلة، مرتبات لا تليق بعدد هذه الساعات، يهمشونهم ويتعمدون أن يضعوا أشخاص ذوى كفاءة محدودة فى مناصب قيادية حتى لا يفقد المدير بريقه! فى الواقع، الإدارة الناجحة هى الإدارة التى لا تخاف من قوة موظفيها بل قمة النجاح أن يحرص أصحاب العمل على تعيين موظفين أكفاء متميزين، يتم اختيارهم بعناية ويأخذ كل ذى حق حقه وفى الوقت المناسب تتدخل الإدارة لإصلاح أى خلل فى التواصل مع بين موظفيها لأنه لاشك يؤثر سلبا على سير العمل.
ونفس الشىء ينطبق على الموظف الذى يرى نفسه دائما الأفضل والأعظم والأقوى، الموظف الذى لديه الـ “أنا” العالية والكبرياء المتضخم، المستعد لإيذاء زملائه حتى يثبت أنه الأفهم الأحسن والأفضل، هذه الشخصيات تُسمم بيئة العمل ومهما كانت كفاءتها، ففى النهاية تتسبب فى دمار أكثر من أى بناء.
لاحظت مؤخرا أن جيل ابنتى وأقرانها بدأوا يدركون جيدا أن تطوير الذات والعمل الخاص هو السبيل إلى الانطلاق لآفاق رحبة فى عالم البزنس والاعتماد على الذات وتحقيق نجاحات لا يزعجهم فيها أصحاب النفوس المريضة من رؤساء ومرؤوسين ولا يستغلهم أحد.. ظاهرة أن يقوم الشباب بتطوير أعمالهم الخاصة حتى لو كانت مجرد فكرة تطوير شىء يجيدونه، أصبحت منتشرة الآن كالنار فى الهشيم، مثل تلك الصيدلية التى سلمت شهادة تخرجها لوالديها وقررت أن تبدأ مشروع cup cakes ومنتجات الخبز التى تبدع فيها، ونجحت نجاحا منقطع النظير، وأخرى قررت أن تبدأ مشروع تصميم أزياء، وآخر نجح فى تطوير مطاعم متميزة جدا بدأها بفكرة بسيطة وعرف كيفية تطويرها وأصبحت شركة كبيرة تعيّن العشرات من الشباب وتجرى الشركات الكبرى خلفه ليبيع لهم حقوق الـ Franchise الآن، فالمتميزين من الأجيال الجديدة من الشباب، لا يقبلون أن يتم استغلالهم فى العمل بمرتبات بسيطة وساعات عمل بلا نهاية، ناهيك عن التهميش حتى يلمع غيرهم، كثيرون أخذوا مبادرة العمل الحر ونجحوا فيها، وهو تطور رائع فى حد ذاته ومحمود جدا ويُعلم ويُطور ويعطى هؤلاء المغامرين فرصة لاكتشاف آفاق جديدة والخروج بمستقبلهم من دائرة الوظيفة التقليدية الضيقة التى تحتاج للأسف لصراع الجبابرة حتى يحقق الإنسان ذاته دون الدخول فى صراعات تقتل السلام الداخلى داخل الفرد وتُمرض فى بعض الأحيان.. التغيير يحدث الآن وأراه فى كثيرين ممن حولى وأحيى وأبارك وأشجع هذا الاتجاه، فمن لا يجد نفسه فى وظيفة تقليدية، عليه أن يبحث عن القدرات والملكات الكامنة داخله لتحقيق ذاته وعمل ما يُحب وما يحقق له السعادة الداخلية، ففى نهاية الأمر، الاستقلال الاقتصادى مهم جدا ولكن الأهم هو التوازن النفسى وأن يحب الإنسان ما يعمل ويبدع فيه.
رجاء.. لا تنسى عزيزى القارئ ولا تتجاهل نصائح من سبقونا، وإذا تقدم لابنتك عريس، “إسأل عنه” جهة أمنية فى مقر عمله مهما كنت تعرفه وتعرف عائلته، فالإنسان فى محيط العمل له جانب مختلف تماما لا يعرفه إلا من يعمل معه وهو جانب هام فى شخصيته لا يمكن إخفاؤه، وإدعوه إلى رحلة قصيرة فى مدينة غير مدينته وراقب تصرفاته، الصحة النفسية والقلب السليم هما أهم مقومات الشخصية السوية، لا تبحثوا عن الوظيفة البراقة والدخل المرتفع واسم العائلة، ابحثوا عن سلامة القلب والشخصيات السوية.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *