محمد فاروق
التقى فريقا الأهلى والزمالك فى نهائى كأس السوبر الأفريقية لكرة القدم فى أواخر الشهر الماضى، واستضافت الأراضى السعودية لقاء الفريقين الكبيرين فى إطار الاحتفال بموسم الرياض.
وهنا نحن لن نتحدث عن كرة القدم، بل سنتحدث عن القيمة العظيمة التى تحظى بها مصر بين الدول العربية والدول الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط بل والعالم كله، فمجرد مباراة لكرة القدم ضمت فريقين من مصر تسببت فى التفاف جميع وسائل الإعلام العربية والأفريقية حولها، وتسخير مساحة ضخمة من القنوات العالمية المتخصصة فى الرياضة لهذا الحدث الكبير.
فهل لو لم تضم تلك المباراة فريقى الأهلى والزمالك تحديدا، كانت ستحظى بهذا الزخم الإعلامى الكبير؟ وهل كانت السعودية ستحرص على استضافتها على أراضيها ضمن احتفالات موسم الرياض؟ وهل كانت جميع الشعوب العربية والأفريقية ستهتم بمتابعة هذه المباراة؟ بالطبع لو كانت المباراة بين أى فريقين أفريقيين آخرين لم يكن كل ذلك ليحدث.
فمصر دولة عظيمة مؤثرة، فهى التى تمتلك بين يديها ما يطلق عليه “القوة الناعمة” ذات التأثير السحرى على كل دول المنطقة وشعوبها.
والقوة الناعمة هى القدرة على الجذب والتأثير والاستحواذ دون إكراه أو إجبار أو تهديد، وأدوات القوة الناعمة تتمثل فى الثقافة والفنون والرياضة والمؤسسات الدينية، وغيرها.
ومصر تمتلك مكانة عظيمة بفضل قوتها الناعمة فى المنطقة، إلى جانب باقى إمكانات الدولة الضخمة الأخرى.
فلك أن تتخيل الدور المؤثر البالغ الذى يقوم به الفن المصرى من سينما ومسرح ومسلسلات وأغانى فى توصيل الثقافة المصرية لكل دول المنطقة والتأثير عليها، أضف إلى ذلك أدباء مصر وشعراءها وكتابها ومبدعيها. كل ذلك جعل اللهجة المصرية تتربع على عرش اللهجات العربية فهى الأكثر فهما وتداولا بين جميع شعوب المنطقة، ولا يوجد عربى واحد لا يتقن اللهجة المصرية ويعى كامل مفرداتها حتى ولو لم يأت لمصر نهائيا.
وكذلك الرياضة وبصفة خاصة كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم، فجميع الشعوب العربية والأفريقية ينتمون إما للزمالك أو الأهلى بل ويشجعون الفريقين بمنتهى الحماس مثلهم مثل المصريين تماما.
واستقطاب الطلاب من الخارج للدراسة فى مصر أيضا من أدوات القوة الناعمة التى تخلق انتماء داخل الطلاب لمصر وتؤثر فيهم، والجامعات المصرية لها باع طويل فى ذلك حيث تجذب كميات ضخمة سنويا من الطلاب العرب والأفارقة للدراسة سواء فى الأزهر أو الجامعات المصرية العريقة الأخرى أو الجامعات والمعاهد الجديدة، إلى جانب دكاترة الجامعات والمدرسين وبعثات الأزهر التى تنطلق إلى كل دول المنطقة لتعلم أبناء هذه الشعوب.
وكذلك اللجوء لمصر لحل الصراعات فى المنطقة سواء بين الدول الأفريقية أو فى منطقة الشرق الأوسط، فالدبلوماسية المصرية المتزنة تعد أداة عظيمة من أدوات القوة الناعمة لمصر والتى يصعب على أى دولة أخرى لعب مثل هذا الدور خاصة فى هذه المنطقة الملتهبة من العالم.
والمؤتمرات العالمية التى تنظمها مصر سواء للشباب أو المرأة أو المناخ وغيرها تعد أداة من أدوات القوة الناعمة التى تجذب وفود العالم إلى مصر.
فمصر هى التى شكلت وجدان ومشاعر ووعى وإدراك شعوب المنطقة من خلال أدوات القوة الناعمة التى نحتاج دائما إلى دعمها وتنميتها، فهذه القوة هناك دول عظمى لا تمتلكها وهناك دول تنعم بثروات ضخمة ولا تمتلكها، فهى تحتاج لقدرات معينة وإمكانات خاصة حبا الله تعالى مصر بها وأنعم عليها بخيرها.