الإيكونوميست المصرية
المطربة أجفان الأمير التى أفقدها المرض صوتها

المطربة أجفان الأمير التى أفقدها المرض صوتها

تقديم: عمرو المصرى

مطربة وممثلة مصرية وُلدت في بدايات القرن العشرين بمحافظة “الدقهلية” وتُوفيت بتاريخ 18 يونيو 1976، كان لها صولات وجولات طربية وخاصة خلال الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، قدمت الكثير من الأغاني الجميلة خلال مسيرتها الفنية، وغنت في عدد من الأفلام منها فيلم “انتصار الإسلام”.

والدها هو الشيخ المهدي الذي كان منشدا معروفا بالدقهلية، وتعلمت على يد المنشد إبراهيم شفيق، حيث حفظت العديد من الأغاني الدينية والموشحات، وعملت لفترة قصيرة بالغناء حتى أفقدها المرض صوتها.

الشيخ المهدي الأمير، واحد من المنشدين الذين أنجبتهم محافظة “الدقهلية”، وعاش في عوالم الغناء والإنشاد الديني سنوات ليست بالقليلة، في هذه الأجواء وُلدت وتربت إبنته أجفان، وفي قرية “البصراط” التابعة للمحافظة، أجادت عزف العود وكتابة الشعر، وكانت واحدة ممن حظين برعاية واهتمام الموسيقار إبراهيم شفيق الذي تتلمذ على يديه أيضا أسماء كثيرة أصبحوا من مشاهير الغناء في مصر والوطن العربي، من خلال المعهد الذي أسسه في حي “عابدين” بالقاهرة، وما زال يحمل اسمه حتى الآن.

تابعت أجفان الغوص في عالم الموسيقى والنغم ولحن لها موسيقيون كبار من مصر وبعض البلاد العربية، إلا أن صدى أصوات الجمهور في حفلاتها المسجلة وتصفيقهم لها يثير الاستغراب مقارنة بالحال الذي وصلت إليه.

يؤكد ذلك الأديب السوري عادل أبو شنب كشاهد عيان وثق شهادته في مقال صادر له عام 2007، وتطرق لتفاصيل من ذاك اللقاء الذي جمعه بها في “دمشق” قبل ظهور التلفزيون، وهذا يعني أن اللقاء تم في أواخر الخمسينيات أو أوائل السيتينات على أبعد تقدير، وكانت تأمل وقتها أن تسجل بعضا من أغنياتها في إذاعة دمشق نظرا للظروف المادية التي مرت بها بعد انحسار نشاطها كغيرها من مطربات جيلها، وذلك بعد بروز أشكال وأصوات جديدة في الغناء لا تتناسب مع طبيعة مدرسة الطرب الأصيل التي تنتمي إليها أجفان.

ويسرد أبو شنب كيف بدت في سن كبيرة وقتها بالإضافة للتنشيز البادي في صوتها، ومع ذلك حاول بدوره أن يقدمها للإذاعة السورية وهو يعي صعوبة هذه المهمة، رغم أنها فنانة صاحبة تاريخ مشهود له بفترة الأربعينيات وحتى أواسط الخمسينيات تحديدا، وبعد أن استمعت إليها لجنة الإذاعة جاء ردهم باعتذار خجول بأنه لو كانت أصغر بثلاثين سنة لتمت الموافقة!

حضورها في عالم السينما كان خجولا أيضا قياسا بغيرها من المطربات، فكانت أول مشاركة لها – بحسب ما جاء في كتاب محمود قاسم (الموسوعة العربية للأفلام) – بفيلم “أحكام العرب” (1947) للمخرج إبراهيم عمارة وبطولة المطرب محمد الكحلاوي وأمينة رزق، واشتركت بالغناء في هذا العمل مع المطربة شافية أحمد.

كما اشتركت بالغناء بطريقة الدوبلاج – أي بالصوت فقط دون الصورة – من خلال فيلم “إنتصار الإسلام” (1952) مع نجوم السينما وقتها محسن سرحان وماجدة الصباحي، وقدمت في هذا العمل أغنيتين من ألحان حسين جنيد، الأولى “يا رسول الله” بمشاركة المطرب شفيق جلال، والثانية “يا مفارقين الأحباب”، وكانت بنهاية الفيلم.

ظهورها بالصوت والصورة معا جاء حصرا بفيلمها الثالث والأخير “فتوات الحسينية” (1954) للمخرج نيازي مصطفى، وأدت شخصية المغنية “ست بمبة” مع هدى سلطان وفريد شوقي ومحمود المليجي ووداد حمدي.

والملاحظ أنها ظهرت مرتبكة أمام الكاميرا، لدرجة أن الفنانة وداد حمدي، واجتهادا منها نيابة عن المخرج، أشارت لها بيدها لتنبهها للزاوية التي يجب أن تقف بها حسب مقتضيات السيناريو، ومع ذلك لولا هذا العمل لما أمكن الحصول على صورة فوتوغرافية لها ليتعرف عليها الجمهور شكلا على الأقل، وفي الوقت نفسه أمكن تقدير عمرها لعدم وجود مصدر يحدد تاريخ ولادتها، وبالتخمين هي من مواليد بداية العشرينيات من القرن الماضي أو أقل من ذلك بقليل.

في الإذاعة كان حظها أوفر، وشاركت بمجموعة من الصور الغنائية الإذاعية، أو ما يعرف ب “الأوبريتات الإذاعية”، ومع نجوم الغناء والدراما وقتها، ومن هذه الأوبريتات “شارع الغورية” مع مجموعة من المطربين، وهم محمد رشدي وعصمت عبد العليم وفاطمة علي ومحمد العزبي وإبراهيم حمودة، وأيضا “الشاطر حسن”، وهو أوبريت تضمن استعادة لألحان الموسيقار داود حسني، وشاركت أجفان في هذا العمل مع عقيلة راتب وعباس فارس وعصمت عبد العليم، وأيضا “متحف الشمع” مع مجموعة من المطربين، منهم فايدة كامل وكارم محمود وصلاح عبد الحميد، ومن الممثلين سميحة أيوب ومحمد الطوخي، وأيضا “جزيرة السبع بنات” بمشاركة محمد قنديل وسيد إسماعيل وكارم محمود وعصمت عبد العليم، وأوبريت “حورية” مع المطربة أحلام وإبراهيم حمودة وسيد إسماعيل.

ومن تأليف رائد الأدب الشعبي زكريا الحجاوي وإخراج أمين بسيوني، كانت واحدة من أسرة المسلسل الإذاعي “سيد درويش”، وغنت به مع إسماعيل شبانة، والذي يعتبر القاسم المشترك لها في هذه النوعية من الأعمال، بالإضافة لحورية حسن وعبد اللطيف التلباني وهدى سلطان وكارم محمود وشافية أحمد.

تغنت أجفان بأنغام أشهر الملحنين، ومنها على سبيل المثال “تعالى واسيني” من ألحان الموسيقار أحمد صدقي، “آمان آمان” محمود الشريف، “عايشين في دنيا الأمل” عزت الجاهلي، “روض الحبايب” مرسي الحريري، “اوف يابا” حلمي أمين، “ذكريات” رياض البندك، “بلدياتي يا بلدياتي” عبد الحميد توفيق زكي، “أوقاتي حلوة” حسين جنيد، “أنا شمعة” سيد شطا، “إبعت لي جواب أنا قلبي وحيد” للملحن أحمد صبرة.

ومع هذه الأسماء وغيرهم من الملحنين المغمورين قدمت ألوانا من الغناء العربي، فمن من نوعية الأغاني الثنائية قدمت دويتو “يا حلاوة أم إسماعيل” وهي من تراث سيد درويش، وبمشاركة إسماعيل شبانة، ودويتو “دقي الطبلة” مع سيد عبد الله.

جمعت أجفان في أعمالها ما بين اللون الخفيف ومدرسة الطرب، ومنها “مع السلامة يا نور عيني، إعمل معروف أنا مش أدك، الليلة نفرح ونغني، أجمل ليالي العمر، الفرحة تنطق في عينيا، يا بنات النيل، بلدياتي يا بلدياتي، من بكرة راح أغني، على دار الهنا، طريق السلامة، تحت الصفصافة يا جميل، جنة الأحلام، على الكورنيش، قابلته، قلبي شبكني، محتارة (هكة وهكة)، يا أبو البلح، قولوا لبعيد الدار، على نغم العشاق، إذا فايت متسلمشي، الدبلة الحلوة في إيدينا، رقصة البلابل”.

خصت أجفان مدينة الأسكندرية بأغنيتين، هما “يا جمال اسكندرية، يا اسكندرية يا أغلى عندي من نور عينيا”، ولإشراقات الصباح غنت “ساعة الصباح الجميلة، صباح الفل يا ست الكل، الفجر شقشق”.

وكان للموشحات والأدوار القديمة نصيبا في أغاني أجفان الأمير، ومن بينها “يا نديمي، بان الزهر في الروض قد تكلل، شادي الغرام، بات بدري وهو معتنقي، البدر في مطلع السعود، تلفت الظبي، حير الأفكار، بلبل في الروض غنى، في مجلس الندمان، الوجه مثل بدر التمام، أسير العشق (محمد عثمان)، أنا من مصر، إصحي يا ست القوم، الحلو نام (من روائع الموسيقار الكبير داود حسني)”.

ومن أغانيها ذات الطابع الديني “رسول الحق، سبحان الله”، وفي السنوات الأخيرة عاد اسمها يتردد بقوة على الساحة الغنائية، ولكن من خلال حفيدتها التي حملت اسمها (أجفان الأمير)، وتسير على خطى جدتها بتقديم فن الغناء الأصيل، وتستعيد بصوتها روائع من قديم الغناء العربي.

عند التأمل في ما شدت به أجفان الأمير من أغنيات، تستوقف الباحث والمتذوق بعضا من أغنياتها التي تهدف لإحياء القيم الإنسانية والنبيلة، ومنها أغنية قدمتها لشهر رمضان تتحدث عن “محروس” الذي يفكر بغيره: “يا سلام ع الواد محروس .. ده حنين باستمرار .. اشترى شمعة وفانوس .. وإداهم لإبن الجار”، وفي دعوة لتماسك الأسرة غنت من ألحان إبراهيم رأفت “أسرة جميلة”، ومن ألحان أحمد صبرة وكلمات عبد اللطيف بسيوني قدمت أغنية “السعادة” وتحدد من خلالها أن السعاة الحقيقية بأن يكون الإنسان صاحب رسالة في الحياة، حيث تقول:

“عيش وخلي لك رسالة .. كلها حب وعدالة .. كون مثال طيب وأخلاقك نبيلة .. تلقى كل الدنيا جوة عينيك جميلة .. خط سير وابتسام قلبك وسعدك .. لجل غيرك مش لروحك بس وحدك”.

ولتوعية المزارعين ومن خلال برنامج “ركن الريف” بالإذاعة المصرية، شاركت أجفان الأمير في أوبريت “عيد الرز” كلمات طاهر أبو فاشا وألحان سيد مصطفى، وغنى معها شفيق جلال، عصمت عبد العليم، صلاح عبد الحميد، وضمن ركن “القوات المسلحة” أيضا تغنت بثورة يوليو بمشاركتها كمغنية في البرنامج الغنائي “على الميدان” في عام 1956 مع المطرب إسماعيل شبانة من كلمات إمام الصفطاوي وألحان فهمي فرج.

وفي نفس المجال تقاسمت الغناء مع سيد مصطفى بالأغنية الوطنية “على الأرغول”، ومن خلالها راحت تشدو بكلمات بيرم التونسي:

“مين ينصره الله بلا مدفع ولا ديناميت .. يغلب عدوه ولو يطلع بعود كبريت .. وناصر الحق يمشي والملايكة معاه .. واللي معاه الملايكة يغلب العفاريت”.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *