بقلم – غادة طلعت
“أليس الذهب فى بلاد أخى كالتراب” هكذا كتب ملك الميتان فى إحدى البرديات القديمة إلى صهره أمنحتب الثالث يقول له: “أخى.. أرجو أن تهدينى ذهبا كثيرا لا يحصى، وأنى على ثقة من أن أخى سوف يحقق ذلك ويعطينى ذهبا أكثر من الذى حصل عليه والدى، أليس الذهب فى بلاد أخى كالتراب”، فمصر أصبحت قبلة الراغبين فى التنقيب عن المعدن الأصفر بعد نجاح مزايدتها الأخيرة، وعزم وزارة البترول والثروة المعدنية طرح مناطق جديدة للتنقيب عن الذهب بعد انقطاع وصل إلى سنوات.
واستخرج المصرى القديم الذهب من أماكن وجوده على الأخص بالصحراء الشرقية المصرية منذ أقدم العصور. واستكشف الفراعنة الصحراء الشرقية منذ آلاف السنين وسلكوا الطرق الوعرة وتحدوا صخور الجبال وقاموا بالبحث والتنقيب عن الذهب وحققوا نجاحا باهرا واكتشفوا عشرات المواقع التى تحتوى على خامات الذهب، حيث استطاعوا تحديد عروق الكوارتز الحاملة لهذا المعدن واستخلصوه منها، حيث كانوا يزينون به معابدهم وتماثيلهم وربما يأخذون منه حليا لزوجاتهم ومحبوباتهم. والدليل على ذلك تلك الخريطة التى عثر عليها أخيرا بمتحف ترينو بإيطاليا، والتى هى مصنوعة من ورق البردى ومحدد عليها 125 موقعا للذهب غالبيتها فى الصحراء الشرقية وجنوب مصر ومنطقة العلاقى التابعة لنطاق الصحراء الشرقية أيضا بمحافظة أسوان، ومن بين أهم المواقع التى حددتها هذه الخريطة بنطاق الصحراء الشرقية والتى استغلها الفراعنة منجم جبل السكرى، ومنطقة تسمى سكيب ومنطقة الفواخير على بعد 70 كم من طريق القصير، واستمر استخراج الذهب فى مصر. وفى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بدأت الحكومة المصرية تمنح تراخيص للبحث عن الذهب واستخراجه من مناطق الصحراء الشرقية واستمر بعض هذه الشركات يعمل وينتج حتى عام 1954 عندما أغلق آخر منجم منتج للذهب فى مصر وهو منجم الفواخير بوادى الحمامات، حيث قدر ما تم استخراجه طوال هذه الفترة بما لا يزيد على 7 أطنان. وكانت تتم عمليات استخراج الذهب فى أعماق بسيطة نظرا لعدم وجود الإمكانات التكنولوجية التى تتيح الإنتاج من المناطق العميقة. ولكن تفجرت استراتيجية جديدة فى مصر لدعم هذا الاستغلال، حيث صدرت اتفاقيتان للبحث واستغلال الذهب بين هيئة المساحة الجيولوجية والشركة الفرعونية فى منطقة السكرى عام 1994، وأخرى بين الهيئة وشركة كرست لمنطقة حمش فى عام 1999 وظلت الاتفاقيات متوقفة حتى عام 2004 بعد حل كل المشكلات التى تعوق الإنتاج.
فى 2004، تم تغيير اسم هيئة المساحة الجيولوجية إلى هيئة الثروة المعدنية ونقل تبعيتها إلى وزارة البترول المصرية بدلا من وزارة الصناعة. وهناك أكثر من 120 منجم ذهب غير مستغل، منها ما هو مناجم كبيرة ومنها ما هو سطحى، لكنه ملىء بالذهب أيضا. كما أن منجم السكرى الذى يعمل بكامل طاقته والذى تبلغ مساحته نصف كيلو متر مربع يعد من أكبر 10 مناجم فى دول العالم. ومصر إذا استغلت جميع المناجم بها ستصبح من أكبر الدول المنتجة للذهب، فاحتياطى منجم السكرى وحده يبلغ 41 مليون أوقية؛ أى 462 طنا بما يعادل 12 طنا فى السنة؛ أى طن ذهب فى الشهر. والذهب المستخرج من الجبال والمناجم المصرية ليس بحاجة إلى سفره للخارج لتنقيته، لأنه يخرج فى حالته العضوية الأصلية؛ أى أنه يخرج على عيار 24، لكن ما يجعله يسافر إلى الخارج هو ضرورة عرضه على “بنك أوف إنجلند” المسئول عن ختم الذهب. وجبل السكرى هو جبل يقع على بعد حوالى 30 كيلو مترا جنوب غرب مدينة مرسى علم بالصحراء الشرقية بجمهورية مصر العربية. ويحتوى على منجم للذهب. والمنجم يتم استخراج الذهب منه منذ عهد الفراعنة، وقد توقف استغلاله عام 1958 لانعدام الجدوى الاقتصادية لانخفاض تركيز الذهب فى العروق الباقية بالنسبة لسعر الذهب، 20 دولارا للأوقية آنذاك. ومع ارتفاع سعر الذهب فى عقد التسعينيات من القرن الماضى (الأوقية قاربت على 1,000 دولار عام 2008) تقرر إعادة استغلال المنجم فى عام 1994 واستؤنف فى عام 2008.
وفى حديث صحفى لصحيفة تليجراف البريطانية فى 9 يوليو 2017 ، صرح أندرو پاردى رئيس مجلس إدارة شركة سنتامين، بأن حجم الإنتاج السنوى للمنجم بلغ 470,000 أوقية (13.3 طن). ويبقى بالمنجم احتياطى قدره 14 مليون أوقية (حوالى 400 طن). وبلغ سعر الذهب فى يوليو 2017 1,362 دولار للأوقية (48.13 دولار للجرام). أى أن إنتاج منجم السكرى فى السنة المنتهية فى يوليو 2017 كان 640 مليون دولار.
والسكرى هو أكبر منجم ذهب فى العالم خارج سيطرة شركات إنتاج الذهب الكبرى. وهناك أيضا المنجم التابع لشركة حمش لمناجم الذهب، وهى شركة مشتركة بين هيئة الثروة المعدنية وشركة ماتز القبرصية ويملكها مستثمرون سودانيون ولهم شريك سويسرى. ويوجد ممثل عن وزارة البترول والثروة المعدنية، ويتم بيع المنتج من خلال لجنة تضم ممثلى جميع الجهات المعنية. إلا أن الشركة تنتج الذهب بطريقة رش الكومة وهى طريقة بدائية مما يفسر ضعف إنتاجها. وهناك مفاجأة تؤكد أن مصر دولة غنية بالمعدن الأصفر، فقد ذكر أن الحكومة اكتشفت 18 منجما للذهب، السعة الإنتاجية لهذه المناجم أكبر من إنتاج منجم السكرى. ومن المعروف فى اتفاقيات التنقيب عن الذهب أن فترات البحث لا تقل عن 8 سنوات، إلا أن الشركات الفائزة بحق التنقيب فى مزايدة الذهب رقم 1 لسنة 2017 قالت إنها بصدد الإعلان عن كشفها التجارى فى غضون 3 سنوات مثل عرض شركة فيرتياس الإنجليزية، و5 سنوات مثل عروض شركات غسان سبان وريسوليوت وغاز الشرق، وهو ما يعنى أن بداية إنتاج الذهب من هذه المزايدة لن يتأخر عن نهاية عام 2020 ولن يزيد على 2022، ووفقا لبيانات رسمية من وزارة البترول فإن احتياطيات مصر المؤكدة من الذهب تصل إلى 15.5 مليون أوقية تعادل نحو 450 طن ذهب، وهى احتياطيات منجم السكرى فقط، ومن المتوقع أن تزيد تلك الاحتياطيات مع نجاح الشركات الفائزة فى المزايدات من تحقيق اكتشافات تجارية. ومع بدء تشغيل المناجم الجديدة فإن العائد على الموازنة العامة للدولة سيرتفع إلى نحو 3 مليارات جنيه، بدلا من مليار جنيه سنويا تحصل عليه الدولة من السكرى.