بقلم: محمد فاروق
مصر كعادتها تنفرد بسمات لا يشاركها فيها أية دولة أخرى، ومن هذه السمات الخاصة بنا وجود وظائف ومهن لا تنمو وتزدهر سوى فى أرضنا.
فبعد يناير 2011 ، انتشرت مهنة “الناشط الحقوقى” وصارت مهنة من لا مهنة له، والتعريف النظرى لـ “النشاط الحقوقى” ينحصر فى أنه عمل يقوم به فرد لإحداث تغيير سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى ويعمل على إضفاء قيم العدالة والرفاهية على المجتمع.
وهذا هو التعريف النظرى، لكن ما يمارسه ما يطلقون على أنفسهم فى مصر نشطاء حقوقيين ليس ذلك بالمرة، فمعظم هؤلاء يسيرون وراء المصلحة الشخصية والمنفعة الخاصة للحصول على أموال أو مزايا أو لخدمة جهات خارجية. فببساطة شديدة؛ هل ما يقوم به هؤلاء النشطاء الحقوقيون فى مصر يهدف لرفاهية المجتمع؟ بالطبع الإجابة لا تحتاج إلى تفكير وهى أن معظم هؤلاء يعملون لصالح أنفسهم فقط وليس للوطن كما يدّعون.
والدليل على ذلك، إذا تابعتهم فستجد أن غالبيتهم يأكلون على كل الموائد، ويتنقلون بين التيارات السياسية المختلفة والإيديولوجيات المتباينة، فتارة تجد الشخص نفسه يتبنى الفكر الليبرالى وأخرى يرتمى وسط الشيوعيين وفترة تجده يردد شعارات جماعة الإخوان الإرهابية، وهكذا.. فهو يتواجد أينما توجد المصلحة.
ومعظم هؤلاء قلوبهم معلقة بالمنظمات الأجنبية والمؤسسات الممولة من الخارج نظرا لأموالها الغزيرة المتدفقة بغض النظر عما يتسبب ما يثيرونه فى قلق فى الداخل أو تشويه صورة مصر فى الخارج من خلال نقل أخبار مغلوطة أو مبالغ فيها.
وهؤلاء يستغلون الأوضاع الاستثنائية فى مصر، فنظرا للظروف القاسية التى مرت بها مصر منذ 2011 وما تبعها من أحداث مؤلمة من انهيار الاقتصاد وتوغل العصابات الإرهابية واستباحة أراضينا وجعلها مسرحا لعملياتهم القذرة إلى جانب انعدام الأمن فى شوارعنا التى كانت تتسم بالطمأنينة والأمان طوال الليل والنهار، كل هذا أوصلنا لمرحلة لم يكن أمامنا غيرها وهى ضرورة إحكام قبضة الأمن على تلك الدولة التى كانت تنجر إلى الهاوية.
فهؤلاء الذين يلبسون الباطل عباءة الحق ويدسون السم فى العسل، أين كانوا حين كنا نخشى السير فى شوارعنا حتى فى وضح النهار؟ أين كان هؤلاء عندما كان اقتصادنا منهارا؟ أين كانوا عندما كانت السياحة متوقفة تماما؟ أين كانوا عندما كان المصريون فى الخارج يخشون تحويل أموالهم لمصر؟ أين كان هؤلاء عندما كانت خدمات الدولة مدمرة من بنزين شحيح وكهرباء مقطوعة وطرق هالكة؟ أين كان هؤلاء عندما انعدم وزن مصر الدبلوماسى بين الدول؟ أين كانوا عندما كانت تتعرض أقسام الشرطة والمستشفيات لاقتحام البلطجية، وتنهب المحلات والشقق وتتعرض السيارات لقطاع الطرق؟ وغيرها وغيرها.
الحرية أمر مطلوب وترغبها كل الشعوب وتنشدها، لكن لابد أن نعى ونحن ننادى بها “متى وأين”، فانظروا ماذا فعلت أكثر دول العالم حرية عندما تعرضت لبدايات الفوضى ومقدمات الانفلات، أغلقت كل كتب الحرية وأسكتت كافة ألسنة حقوق الإنسان، ولم يعد صوت يعلو فوق صوت الأمن وإعادة النظام للدولة.
نحن لا نتاجر بالأمن ولا نساوم بالانضباط، لكن ما مرت به مصر من أزمات وانفلات أمنى وعدم استقرار خلال السنوات القريبة الماضية يدعونا جميعا لإعلاء صوت العقل والنظر لمصلحة الدولة ومتطلبات المرحلة، فدرء المفسدة خيرٌ من جلب المنفعة، ونحن الآن فى مرحلة درء المفسدة والقضاء على كل ما يهدد سفينة الوطن حتى ترسو فى بر الأمان.
فليهدأ هؤلاء الناشطون، الذين هم بالفعل ناشطون ولكن ينشطون لحقوقهم ومصالحهم فقط.