بقلم: محمد فاروق
الله عز وجل خلق الإنسان ليعبده، حيث قال تعالى: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” صدق الله العظيم. والمقصود بالعبادة من وجهة نظرى ليس فقط أداء الفروض والاجتهاد فى أماكن العبادة بل أيضا الاجتهاد فى العمل، فالعمل فى حد ذاته مادام شريفا حلالا يتقى فيه الإنسان ربه فهو عبادة.
والعمل يرتكز على دعامتين أساسيتين؛ العلم والصحة، وسبق أن تحدثنا عن العلم والتعليم وضرورة أن يتواكب مع سوق العمل لإمدادها بأفراد مؤهلين علميا يسهل بعد ذلك تدريبهم عمليا، أما بالنسبة للصحة فهى الوقود الذى يمد العامل بالطاقة ويساعده على الاستمرار فى الإنتاج والتطوير.
وعندما قاد مهاتير محمد نهضة ماليزيا، أدرك أن التعليم وحده لن يفيد فى بناء التنمية، فالعامل المريض حتى وإن كان متعلما ومدربا فإنه سيكون عبئا على العمل والمجتمع، لذا اهتم بصحة المواطنين واعتبرها الركن الأساسى فى خطته للنهوض بماليزيا والتى أطلق عليها “رؤية 2020”.
وإذا تحدثنا عن الصحة، فسنبدأ بالصحة الجسدية وهى خلو الإنسان من الأمراض والعلل، لذا عندما قاد الرئيس السيسى حملة القضاء على “فيروس سى” فى مصر كان هذا من منطلق أنه يريد مواطنا خاليا من الأمراض قادرا على الإنتاج، وإلا فما فائدة توفير سبل التنمية دون وجود أيدٍ عاملة سليمة قادرة على استغلال تلك السبل؟
فالبداية دائما تكون من تلك النقطة الحيوية وهى القضاء على الأمراض المنتشرة فى المجتمع وتوفير الأدوية وبناء المزيد من المستشفيات ومراكز الصحة فى مختلف أنحاء البلاد وليس فى المدن الكبرى فقط، وكذلك حماية الأصحاء من الإصابة بالأمراض ووقايتهم من خلال حملات التوعية والإرشاد ومنحهم التطعيمات المختلفة والقضاء على كل مسببات الإضرار بصحة المواطن العامة من مبيدات ضارة وتلوث وقمامة ومخلفات مصانع وعوادم وغيرها.
وإذا كانت الصحة الجسدية هى خلو الفرد من الأمراض، فالعافية هى مرحلة أعلى من الصحة حيث إنها ليست مجرد الخلو من الأمراض، لكنها تتمثل فى قوة الفرد وطاقته وقدرته على بذل المجهود والتى تتواجد من خلال التغذية السليمة الصحية، عن طريق البعد عن المأكولات السريعة ذات الأضرار الصحية العديدة، وعدم الرضوخ لرغبات أطفالنا عندما يتمسكون بالحلوى المليئة بمكسبات اللون والطعم والرائحة والمواد الحافظة التى تدمر صحتهم دون أن ندرى، وبعد كل هذه المدمرات نتساءل: لماذا تراجعت صحة المواطن المصرى وزادت الأمراض وقل المجهود وانخفضت الطاقة؟ ولماذا كان أجدادنا أصحاب صحة وعافية أكثر من أحفادهم الحاليين؟ بالطبع الإجابة واضحة لكننا نتجاهلها بسبب الاستسهال واللامبالاة التى أصابتنا فى اختيار مانتناوله وما نعطيه لأطفالنا. كما أن العافية تأتى من خلال ممارسة الرياضة، التى نعتبرها رفاهية، حتى ولو كانت مجرد رياضة المشى، فتلك العافية للأسف غفلناها نحن وأدركها أجدادنا فى ممارساتهم الحياتية حتى فى تحيتهم ذكروها عندما كانوا يقولون: “اقعدوا بالعافية” أو “فتكم بعافية”، فى حين وقف أقصى طموح الأجيال الحالية عند مجرد الصحة والخلو من الأمراض.
وإلى جانب صحتنا الجسدية وعافيتنا، يجب ألا نهمل الصحة النفسية، فالعلم أثبت أن الحالة النفسية للشخص هى التى تحدد مدى مقاومته للأمراض، بالإضافة إلى أن الشخص المحبط والمكتئب يعتبر شخصا بلا رغبة فى التطوير أو هدف فى الحياة نفسها، فكيف سيقود تنمية وينهض بمجتمع وهو نفسه مدبر عن الحياة زاهد فيها؟ والدليل على أهمية الصحة النفسية للمواطن أننا نرى حاليا دولا قد استحدثت وزارات خاصة بالسعادة، لذا علينا ألا نغفل صحة المواطن النفسية وروحه المعنوية من خلال بث الأمل دائما بداخله وترغيبه فى الغد ووضع أهداف أمامه يسعى لتحقيقها وتحفيزه فى مكان عمله ورفع الظلم الوظيفى عنه،… إلخ.
علينا أن نعى أن صحتنا هى رأسمالنا الذى لا يعوض، وهى رأسمال هذا الوطن الذى من خلاله يستطيع أن ينتج وينمو وينهض، فلنحافظ على تلك الوديعة التى أنعم الله تعالى بها علينا.