محمد فاروق
مصر دولة عريقة راسخة ممتدة جذورها فى أعماق التاريخ، ليست فقط صاحبة حضارة، بل حضارة فريدة مازالت تدهش العالم وعلماءه بأسرارها وتقدمها وإبداعتها.
وهذا الميراث الضخم الذى لا يقدر بمال صار كالحصن المنيع لهذا الوطن ولأبنائه على مر العصور وإلى يومنا هذا، وأصبح مثل المصل الحافظ ضد جميع أنواع الفيروسات الخارجية والأمراض العابرة، فكم من معتد غاشم حاول المساس بهذا الوطن على مر التاريخ وفشل وتكسرت أحلامه على أيدى أبناء هذا الشعب الأبى، وكم من جيوش وحملات ضخمة حاولت غزو مصر واحتلالها وتبددت مطامعهم وذهبت أدراج الريح، وكم من ظروف صعبة وقاسية مرت على مصر وتخطتها وتغلبت عليها.
فالمصرى صاحب عقيدة راسخة، وشخصية قوية شكلتها عصور طويلة امتدت لآلاف السنين، شهد خلالها أحداثا ووقائع لا تحصى، لم تقض عليه أو تكسره أو حتى تحبطه، بل زادته صلابة وقوة وتحديا، وجعلته قادرا على مواجهة أى شىء مهما كان صعبا أو قاسيا أو حتى يبدو هذا الشىء أنه أقوى منه.
لذا فالمصرى مهما قست ظروفه واشتدت الصعاب حوله وبدا للأعداء والأصدقاء أنه صار ضعيفا، إذ به يفاجئ الجميع وينتفض ويخرج من كبوته أقوى مما كان، كل هذا بسبب معدنه النفيس الذى لا يصدأ والذى يزداد صلابة كلما تعرض للضغط، فهو غير قابل للكسر.
وما أثار هذه الكلمات بداخلى هو تعليق كتبه صديق عزيز على وسائل التواصل الاجتماعى، فى وقت شعر فيه بالضيق وسط الأحداث التى نمر بها والضغوط التى نواجهها واستغلال البعض لمحنتنا من أجل فرض السيطرة والهيمنة، حيث كتب جملة واحدة وهى: “احنا رخاص أوى”، فشعرت وقتها بأن الضغوط لن تكسرنا، والطامعين لن يهزموننا وإنما الذى سوف يقضى علينا هو حالتنا المعنوية السيئة وإحباطنا، وكتبت الكلمات الآتية وباللهجة العامية: “احنا مش رخاص.. ولا حد حيقدر يرخصنا. احنا ممكن تكون إمكانياتنا قليلة.. ظروفنا صعبة.. أحوالنا متعثرة.. واقتصادنا متعسر.. لكن قيمتنا عالية.. قيمتنا اللى ما بتتقاسش بالفلوس.. قيمتنا اللى مش معروضة للبيع.. قيمتنا دى اللى بسببها بيحاول كل عديم قيمة إنه يذلنا ويقهرنا فى محاولة منه لتعويض نقصه وعمره ما نجح ولا حينجح فى تحقيق مراده الدنىء.. لأن السعر بيتغير والفلوس بتروح وتيجى لكن القيمة ثابتة، مش بس ثابتة .. لا دى بتزداد كل يوم.. واحنا حنفضل مهما حصل أصحاب أصل وتاريخ وحضارة وقيمة رغم حقد الحاقدين ومحاولات الناقصين.
التاريخ المصرى حافل بمحاولات لإذلال مصر وتركيعها.. ولكن ستظل مصر وسيظل المصريون أقوى من كل الخبطات اللى نتيجتها إننا بنزداد صلابة.. احنا حديد مش زجاج.. الخبطة بتقوينا وبنخرج منها أجمد من الأول.. واقرأوا التاريخ وشوفوا عصور الاضمحلال وما تبعها من عصور ازدهار.. وشوفوا كل أعداء مصر كان مصيرهم ايه رغم قوتهم الزائفة. احنا مش رخاص ولا عمرنا كنا ولا حنكون رخاص.. احنا أصحاب قيمة لا تقدر بثمن.. جوهرنا أصيل ومعدنا نفيس”.
وأؤكد ثانية مصر دولة عريقة وشعبها أصيل، وسنظل هكذا وسنورث تلك الصفات لأبنائنا كما ورثناها من أجدادنا.
فكما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: “وبناة الأهرام فى سالف الدهر.. كفونى الكلام عند التحدى”.