كتب: أشرف الليثى
بهجت المداح برغم بساطته فى التعامل الإنسانى، فإن لديه عمق كبير فى التفكير ويحاول دائما البحث عن الكمال فى عمله الذى يعشقه كصانع لعلف “سياج الذرة” التى يستخدم فيها أحدث أنواع التكنولوجيا سواء فى التصنيع أو التغليف لأنه يعتمد اعتمادا كليا على الأسواق الخارجية خاصة للدول التى ليس بها زراعة الأعلاف. واكتسب شهرة كبيرة كونه رائدا ليس على مستوى مصر بل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وكان أول مصنع يستخدم التكنولوجيا الحديثة فى هذا الإنتاج.
فى هذا الحديث الشامل، يوضح الأستاذ بهجت المداح أهم المعوقات التى تواجه مصنعى الأعلاف فى مصر والحلول المقترحة كى تضاعف مصر من صادراتها من الأعلاف، ووصفها بأنها قد تكون مشروعا قوميا لمصر لتلبية احتياجات الأسواق العربية خاصة أن السوق السعودية ستحتاج إلى ما يقرب من 1.5 مليون طن أعلاف كانت توفرها المصانع المحلية التى ستغلق أبوابها اعتبارا من نوفمبر المقبل بقرار من الحكومة السعودية.
وإلى نص الحديث الشامل للأستاذ بهجت المداح رئيس مجلس إدارة شركة سنابل للعلف مع مجلة “الإيكونوميست المصرية”.
نود التعرف على مزيد من المعلومات عن شركة سنابل للعلف.
شركة سنابل تم تأسيسها عام 2002 وبدأت أول إنتاج لها عام 2004 وتعمل فى مجال الأعلاف خاصة “سيلاج الذرة” وهى تعتبر عليقة نصف مهضومة حيث تعتمد تربية وتسمين الأبقار الآن على عملية الهضم فى المعدة والابتعاد تماما عن حقن الهرمونات خاصة بعد انتشار حمى جنون البقر وذلك اعتمادا على التقليل تماما من حركة الحيوان ومنحه عليقة شبه مهضومة، كل ذلك من أجل الحصول على أقصى إنتاج لحوم، ومع التحسين الوراثى وتحسين التغذية أصبحت هناك سلالات تعطى 50 كيلو لبن وأكثر يوميا بالإضافة إلى لحوم ضخمة أيضا.. ومن هنا جاء تفكيرنا فى إنشاء أول مصنع فى مصر وأفريقيا والشرق الأوسط لإنتاج العلف من سيلاج الذرة وتضاف إليه بكتيريا معينة تتلاءم مع البكتيريا الموجودة فى معدة الحيوان مع عزلة عن الهواء حتى لا يتخمر وبذلك تكون سهلة الهضم ويتم أيضا تغليفه بطريقة حديثة حتى يصبح سهل التصدير، وكنا أول شركة على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط تقوم بتصدير هذا المنتج من مصر، لدرجة أن الجمارك لم تكن تعرف المسمى الذى يندرج تحته هذا المنتج.
• شركة سنابل رغم أنه كان لها الريادة فى هذا المجال فإنكم فى فترة من الفترات نقلتم نشاطكم إلى خارج مصر، ما هى الأسباب فى ذلك؟
حقيقة كان هذا بسبب بعض العقبات التى واجهتنا حيث انطلقنا بقوة للتصدير ونجحنا فى فتح أسواق عديدة فى الدول العربية وبعض الدول الأوروبية، ولكن فوجئنا عام 2006 بفرض رسم صادر على كل طن يتم تصديره مما كان له أكبر الأثر فى تراجعنا فى سوق تصنيع وتصدير العلف ولم يكن أمامنا سوى اللجوء إلى فتح شركات لنا فى الخارج وخاصة فى السعودية وتصنيع العلف هناك بنفس التكنولوجيا التى تم استخدامها فى مصر خاصة أن السوق السعودية كانت مستعدة لاستقبال مثل هذه الصناعة لكثرة مزارع تربية وتثمين العجول هناك، وفى نفس الوقت لم نترك مصر وحاولنا إقناع المسئولين بأهمية رفع رسم الصادر عن صادرات العلف وتم بالفعل رفعه إلا أنه للأسف عاد مرة أخرى العام الماضى وأثر أيضا علينا بالسلب.
وعندما فتحنا مصنعنا فى السعودية كان عملنا مركزا على شركات الألبان الكبيرة هناك وبالنسبة لمصر كان نشاطنا مركزا على التصدير.
• مادمت تحدثت عن مجال التصدير فى هذا القطاع المهم، ما هى المعوقات التى تواجهك الآن؟
بالنسبة لهذا النوع من الأعلاف هناك شركات عديدة يكفى إنتاجها السوق المحلية، أما بالنسبة للتصدير فاعتمادنا على الأسواق التى ليس بها عليقة خضراء ممكن تقدمها وهناك منافسة شرسة الآن مع دول أخرى كثيرة تقدم نفس المنتج ولذلك فأية أعباء مادية إضافية على المنتج المصرى هذا معناها تخفيض فرصة فى المنافسة؛ وعلى سبيل المثال رسم الصادر ورسوم الطريق التى يتم تسديدها وهناك بعض المحافظات تفرض ما يسمى برسم زراعى على المنتجات الزراعية المنتجة بها ويصل إلى 30 جنيه على كل طن.
فى المقابل إذا فكرنا نستثمر فى أوروبا فى مجال الأعلاف أيضا ومن أجل التشجيع على التصدير هناك مزايا عديدة نحصل عليها تجعل فى النهاية المنافسة فى الأسواق الخارجية لصالح المنتج الأوروبى وليس فى صالح المنتج المصرى الذى أصبح محملا بأعباء مالية ضخمة.
وفى دول الاتحاد الأوروبى تقدم دعما للمزارعين بصفة عامة ودعما إضافيا على بعض المنتجات التى تريد أن تشجع المزارع على زراعتها ودعما للطاقة المستخدمة فى مراحل الزراعة ودعما يصل إلى ما يقرب من 60% على المعدات الزراعية ويشترط ألا يتم بيعها إلا بعد مرور خمس سنوات. كل هذا يجعل المنتج الأوروبى أقل تكلفة من نظيره فى مصر على سبيل المثال خاصة بعد ارتفاع أسعار الطاقة أيضا.
• ما الوسائل التى يجب أن يتم اتخاذها كى يعود المنتج المصرى منافسا فى الأسواق الخارجية؟
لابد من التفكير بشكل جدى فى الأعباء المالية التى أصبحت تحمل على المنتج؛ على سبيل المثال زيادة أسعار الطاقة أثرت جدا على زيادة التكلفة وهناك رسوم تفرض على أى كونتينر محمل بالبضائع يعبر الطريق الصحراوى لابد من سداد رسوم 600 جنيه عليه وكذلك رسوم الطريق “الكارتا” أصبحت عديدة وقيمتها مرتفعة، ولكى أحرك معدة من مزرعة إلى مزرعة يتم سداد كارتة الطريق أكثر من عشرة آلاف جنيه وأيضا رسم الصادر الذى أصبح يقدر بنحو 18 دولارا على كل طن والذى تقدر قيمة تصديره بنحو 100 دولار هذا بالنسبة للرسوم المحملة على المنتج.
وبالنسبة لمنظومة الزراعة بشكل عام لابد أن يكون هناك نوع من التنظيم ويأتى المزارع فى المقام الأول الذى يتحمل العبء الأكبر ولكن من يحصل على الربح الأكثر هو الوسيط الذى يضغط على المزارع من ناحية وعلى المستهلك من ناحية أخرى وفى النهاية يحقق أرباحا طائلة ولابد من السيطرة والرقابة على طبقة الوسطاء هذه وأيضا القرارات المتضاربة التى تجعل المزارع يتخبط بالإضافة إلى الأيدى العاملة الزراعية حيث أصبحت إنتاجية العامل ضعيفة فى الوقت الذى زادت فيه الأجور التى يحصل عليها إلى أكثر من أربعة أضعاف ما كان يحصل عليها منذ أربع أو خمس سنوات مضت.
• ما أهم الأسواق الخارجية التى تعتمد عليها شركة سنابل فى تسويق منتجاتها؟
نعتمد على أسواق الدول التى ليس لديها قدرة على الزراعة وخاصة زراعة المحاصيل المستخدمة فى تصنيع العلف مثل الأردن ودولة الإمارات العربية ونجحنا فى اقتحام تلك الأسواق جميعا ولكن الآن المنافسة مرتفعة للغاية وكنا نصدر لقبرص ولكن بعد انضمامها للاتحاد الأوروبى توقفت عن استيراد الأعلاف وذلك لأن الاتحاد يمنع دخول أى أعلاف إلى دول الاتحاد من خارجه.
• هل توجد فرصة لفتح أسواق فى مناطق جنوب شرق آسيا مثلا أو أفريقيا؟
بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا، فإسبانيا تغزو تلك الأسواق جميعها تقريبا ومن الصعب منافسة إسبانيا فى هذه الأسواق لأنها تقوم بتصنيع ما يطلق عليه “العلائق المجففة” وحققت فيها نجاحات كبيرة للغاية وهذا التكنيك مكلف للغاية ومن الصعب على شركة مصرية استخدامه، أما بالنسبة لأفريقيا فهى لا تستورد أعلافا من الخارج لأن الدول الأفريقية دول زراعية ولكن ليس لديها التقنيات الحديثة لصناعة الأعلاف ولا التعبئة والتغليف كما أن “سيلاج الذرة” تستخدمه المصانع التى تستخدم أسلوب التربية الحديثة فى مجال إنتاج الألبان وتسمين العجول، وأفريقيا ليست بها هذه المجالات وتعتمد فقط على الرعى لتوافر المراعى الطبيعية بصورة كبيرة.
• كم عدد الشركات المصرية العاملة فى صناعة هذا النوع من الأعلاف؟
لا يتجاوز 5 شركات فقط ولكن هناك شركات تعمل فى أنواع أخرى من الأعلاف غير “سيلاج الذرة”.
• ما حجم صادرات مصر من علف “سيلاج الذرة” سنويا؟
لا يتعدى 100 ألف طن فقط سنويا وذلك لوجود منافسين أقوياء لنا بالخارج ورغم ذلك من الممكن أن نضاعف هذا الحجم من التصدير إذا ما تم الاهتمام به واعتباره هدفا قوميا خاصة أن السوق السعودية تستهلك 1.5 مليون طن سنويا، وقد قررت السلطات السعودية إغلاق جميع مصانع الأعلاف هناك اعتبارا من شهر نوفمبر المقبل والاعتماد على الاستيراد وذلك للنقص الشديد فى المياه الجوفية ومصر مهيأة أن تسد جانبا كبيرا من احتياجات السوق السعودية لو قمنا باستغلال هذه الفرصة واعتبرناه المشروع القومى القادم لمصر وسيترتب عليه تشغيل عدد ضخم من العمالة وافتتاح مصانع جديدة كل هذا سيصب فى صالح الاقتصاد القومى المصرى.
• ما أهم الإجراءات التنفيذية التى يمكن اتخاذها من أجل انطلاق هذا القطاع وتلبية احتياجات الأسواق العربية؟
أولا: لابد من عقد اتفاقيات مشتركة ما بين المصدرين المصريين والمستوردين لهذا النوع من العلف من الدول العربية وبضمان من الحكومة المصرية على أن يكون هناك دعم من الدولة لمساعدة المصدرين على المنافسة وتلبية احتياجات مصانع الألبان واللحوم العربية وبهذا سيتولد إحساس قوى لدى أصحاب الشركات العربية الكبرى بأن الحكومة المصرية تقف وتدعم مصدريها.
ثانيا: لابد من إلغاء الأعباء المادية المفروضة على الصادرات من الأعلاف وخاصة رسم الصادر على منتجات العلف والتى تقدر بنحو 18 % على كل طن خاصة أنه تم فرضه عام 2006 وتم إلغاؤه بعد ذلك إلا أنه تم فرضه مرة أخرى عام 2017 ولابد من إلغائه ثانية، وكذلك الأعباء والرسوم الضخمة التى يتم تحميلها على المنتج المصرى من الأعلاف بصفة خاصة.
ثالثا: ضرورة تطبيق المعايير الدولية وبصرامة على المنتجات الزراعية حتى تستطيع من دخول الأسواق الخارجية دون أية عوائق.
رابعا: لابد أن يكون هناك جهاز رقابى قوى على أى منتج زراعى خارج من مصر ويتم تحليل السلع المصدرة قبل أن يتم تحليلها هناك فى البلد المستورد ويحصل على شهادة صلاحية بذلك.
• هل مجال تصنيع الأعلاف فى مصر جاذب للمستثمر الأجنبى؟ وهل تتوقع أن يأتى مستثمرون سعوديون للاستثمار هنا بعد إغلاق مصانعهم فى السعودية؟
بالتأكيد هذا المجال جاذب جدا للمستثمرين الأجانب، وبالنسبة للسعوديين هناك بالفعل عدد من أصحاب مصانع الأعلاف الذى سيتم إغلاق مصانعهم بدأوا فى التفكير فى نقل نشاطهم إلى مصر.