بقلم: نيفين إبراهيم
بدأ كورونا ينسحب من المشهد فى بعض بلدان العالم ولكنه تصدر وبقوة فى مصر، إذ أن الأعداد بدأت تتزايد بين مستاء من تصرفات من لم يلتزموا بالتباعد الاجتماعى وبين مندهش من أنه لا المستوى الاجتماعى ولا التعليمى قد فرق بين رد فعل الناس تجاه الخطر المحيط بهم، إذ أخذه معظمهم على أنه إجازة مفتوحة عليه أن يستمتع بها بغض النظر عن كل التحذيرات والمخاطر، ولا أعرف أهذا استهتار أم عيب فى الشخصية أم لعلها طبيعة لن يغيرها أى شىء، فنحن شعب يرفض أية إملاءات حتى ولو كانت تهدف للحفاظ على حياته.
لا شك أن الكورونا فيروس عرضنا لتجربة إنسانية مختلفة عن أى تجربة أخرى عشناها ولا أعرف تأثيره عليكم ولكن اسمحوا لى أن أحكى لكم عن تجربتى فى الأيام الأخيرة. بدا كل شىء غامضا بعض الشىء ولأننى على يقين بأن الأمر كله بيد الله وأن علينا فقط أخذ الحذر والحيطة ثم التوكل على الله ومحاولة العيش بشكل طبيعى، عدت مرة أخرى إلى مكتبى بعد غياب ليس بالقليل.. إحساس مخيف أن تشعر أنك تقود سيارة فى طريق مظلم، لاترى فيه إلا لمسافة محدودة، ثم عليك أن تتوقف بعض الشىء حتى لا تتورط، هذا هو حالى وأنا أخطط لاستمرار مشاريع فى الشركة التى أعمل بها، من المفترض أن أغلبها مشاريع سياحية.. قد يبدو من المنطق للبعض أن نتوقف، ولكن أحيانا لا تملك رفاهية هذا القرار لأنه محكوم بمعايير مختلفة ليس هذا مكان مناقشتها… عليك الاستمرار والتكيف مع أوضاع السوق الجديدة والمرونة والخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة والوصول بالمركب إلى بر الأمان، خاصة أن بعض المشاريع قيد التنفيذ.. كنت ومازلت أؤمن بأن الوقوف المفاجئ من الممكن أن يقضى عليك خاصة إن كنت تجرى بسرعة فائقة قبل الحدث مباشرة… شعارى دائما، استمر فى التحرك، ولكن تحكم فى سرعتك، تحسب، خذ حذرك، قيم الموقف ثم تحرك فى الاتجاه الصحيح.. وتذكر أن وكالة ناسا تقول إن نسبة احتمال توقف الأرض عن الدوران هو صفر فى المائة خلال المليارات القليلة من السنوات القادمة، بيد أنه إذا تصورنا نظريا أن الأرض توقفت عن الحركة فجأة، فسيكون التأثير مروعا.. فعقارب الساعة لا تعود أبدا إلا الوراء وإن وقفت فإن هذا مؤشر على خرابها.. وعليه لابد من الاستمرار. هكذا استلهمت قناعاتى.
ورحت أتابع الأخبار بلهفة، لعلى أجد مخرجا ينير الطريق ويبشر بالوصول إلى اللقاح أو العلاج، نظرة على الأخبار كل يوم كفيلة بأن تجعلك حقا، أكثر حيرة من أمرك، فمن خلال متابعتنا جميعا لقرارت وتوصيات منظمة الصحة العالمية، أصبنا بالتخبط وأصبحت الرؤية ضبابية إلى أبعد الحدود، ففى الصباح ينصحوننا بضرورة ارتداء القفازات الطبية عند الخروج، لأن الفيروس يبقى عالقا على الأسطح، وفى المساء يعلنون أن القفازات غير مهمة وأن غسل اليدين بالماء والصابون وتطهيرها بالكحول أكثر فعالية من القفاز. وفى صباح اليوم التالى، يعلنون أن الكمامة مهمة وبعد أسبوع، يذكرون أن لبس الكمامة لا يقى بنسبة 100% من الكوفيد 19.. وتارة نسمع النصائح بألا نخرج من المنازل.. الزم بيتك ولا تخرج، ثم بعد قليل، يهل علينا مسئول فى نيويورك ليقول للناس إن عليهم أن يخرجوا لممارسة الرياضة فى الهواء الطلق وإلا سيصابون بالاكتئاب وأنه لا يشترط لبس الكمامة، إذ أن دكتور فوتشى يمارس الرياضة فى الهواء الطلق.
وفى حديث آخر، يرددون أن التباعد الاجتماعى مطلوب والجلوس فى المنازل أساسى للوقاية من المرض، ثم يخرج علينا مسئول فى أمريكا بتصريح بأن 66% من القابعين فى بيوتهم والذين لم يخرجوا والتزموا بقواعد الحظر قد أصيبوا بالمرض.. ووسط كل هذا التخبط والضبابية، يقرر ترامب قطع العلاقات مع منظمة الصحة العالمية ووقف التمويل الأمريكى لها متهما إياها بخضوعها للسيطرة الفعالة التى تمارسها الصين تجاهها.
وفجأة، تندلع أحداث العنف والمظاهرات والتخريب فى أمريكا بسبب وفاة “جورج فلويد” الأمريكى من أصول أفريقية على يد الشرطى الذى قبض عليه، والذى أثار موته موجة من الغضب والاضطرابات والاستياء بشكل لم نرَ له مثيل فى أمريكا من قبل.. ووسط كل هذه الأحداث التى طغت على الكورونا فيروس نفسه، رأينا التلاسن والتراشق فى الكلمات بين الرئيس ترامب والصين مثل تويتة ترامب الشهيرة “الصين” ورد الصين عليه بثلاث كلمات : “لا أستطيع أن أتنفس” وأخيرا قرار إدارة ترامب وقف الرحلات الجوية من الصين إلى الولايات المتحدة فى نهاية هذا الشهر.
ووسط المظاهرات، خرج علينا ترامب مرة أخرى فى وقت من المفترض فيه أن أمريكا مازالت تعانى وبقوة من الكوفيد -19، دون أن يرتدى الكمامة، لاهو ولا إدارته ولا شرطته ولا أفراد الحرس الوطنى، وهو تصرف لو تعلمون عظيم خاصة أن الشعب الأمريكى يتحسب جدا لكل المخاطر وسيكولوجية توخى الحذر من أجل السلامة عندهم هامة جدا ولا يمكن تجاهلها.. وعليه لماذا يا ترى أصرالرئيس ترامب وإدارته وبعض رموزه فى أمريكا على عدم ارتداء الكمامة خلال كل المؤتمرات الصحافية؟ يقال إن حديثا لترامب كان قد تسرب قبل اندلاع أزمة “جورج فلويد” و قبل بدء ظهوره على الهواء مباشرة فى تسجيل تليفزيونى ولم يكن يعلم أن الميكروفون مفتوح وإنهم سمعوه يقول لأحد معاونيه عن سبب عدم لبسه الكمامة: “لن أعطيهم هذه الفرصة، لن أدعهم يرونى مهتما بشىء آخر إلا اقتصاد أمريكا”. ترى من هم الذين لا يريد ترامب أن يعطيهم هذه الفرصة؟ وما الذى نجهله؟!
لايهم.. نعم لايهم.. عندما لا تعرف الحقيقة وتتشابك الخطوط إلى هذا الحد وتصبح الرؤية بوضوح مستحيلة، من المستحسن ألا تجهد نفسك كثيرا فى التفكير، فالوقت كفيل بإظهار الحقائق، كل ما عليك فعله هو أن تهتم بسلامتك وسلامة أحبابك بالشكل الذى تجده مقنعا بين كل هذه المتناقضات، أفعل كل ما بوسعك لحماية عائلتك ونفسك.. اعتزل الناس إن استطعت، الزم بيتك، اهتم بمناعتك لا داعى للتواجد فى أى تجمع غير مهم، يكفى أن تذهب للعمل إن كان عليك هذا، ففى نهاية الأمر، الحياة لن تتوقف، ولكن لا تضع نفسك فى مأزق أن تتسبب دون أن تقصد فى نقل العدوى لأحد أحبائك، فكما قال أفلاطون: “الرجل الصالح هو الذى يحتمل الأذى ولكن لا يرتكبه”.
وقررت أيضا أن أوثق التجربة، فبدأت أكتب عن كل ما شعرت به وما مررت به خلال الأزمة. أول شىء أحببته هو أننى لم أجزع، ولما الخوف وكله مكتوب، ولكن حتما التزمت وأخذت كل الاحتياطات اللازمة بتعقل بلا هوس ولا مبالغة.. وإن كان للفيروس اللعين أى إيجابيات، فلا شك أنه وحد الأسر وأعطى الجميع درسا هاما ألا وهو “العائلة أولا”.
وبالمناسبة بينما أتابع أحداث العنف فى أمريكا، تذكرت قول رسولنا الكريم: ” يا أيُّها الناسُ إن ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِى على أعجَمى ولا لعجَمِى على عربى ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إن أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ”…يقولون إن الفيروس وحد العالم وإن الجميع اكتشفوا أنهم سواسية أمامه، فهو لم يفرق بين أحد، فلماذا ياترى نسى الشرطى الذى تسبب عنفه فى مقتل الرجل هذا الأمر.
العنصرية أساس الشرور ومرض القلوب، فليعافينا الله وليطهرنا ويزكينا وينقى أنفسنا وقلوبنا.. نتمنى أن تتم معالجة الأمر بحكمة فى أمريكا وأن ينتصر الشعب الأمريكى فى معركته ضد العنصرية حتى تنتصر الإنسانية.