الإيكونوميست المصرية
حديث النفس…… بقلم: محمد فاروق

حديث النفس…… بقلم: محمد فاروق

محمد فاروق

أخطر متحدث للإنسان على الإطلاق والأكثر تأثيراً عليه بلا منافس هو نفسه، فالنفس بأحاديثها لصاحبها إما أن تجعل منه أسعد الناس أو تضعه فى مصاف التعساء.
فالطريقة التى تتحدث بها نفسك إليك هى التى تحدد حالتك النفسية، فالحالة النفسية لمعظم الناس تتحكم فيها أفكارهم، وتلك الأفكار هى التى تناجى بها النفس صاحبها، فإما أن تنعم عليه بأفكار إيجابية تمنحه طاقة وقدرة على مجابهة الحياة وصعابها، وإما أن تصيبه بأفكار سلبية تحيطه بالكآبة والحزن، مع العلم بأن معظم هذه الأفكار السلبية قد لا يكون لها أى أساس من الصحة ولا تمت للحقيقة بصلة، وإنما هى نتاج تفكير داخلى سلبى ووسوسة من النفس لصاحبها.
وحديث النفس هو ما يجول بخاطر الإنسان من التفكير والهواجس، وقد لا يتوقف عند هذا الحد بل من الممكن أن يتحول الخاطر إلى إرادة وعزم وتصميم على الفعل وهو ما يسمى بالركون، وهنا يخضع الإنسان لنفسه وهواها ويصير عبداً لها، ويقول الله تعالى: “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه” فهو لا يهوى شيئا إلا فعله ولا تحضه نفسه على شىء إلا وقام به، وكأنه صار أسيراً لنفسه وعبداً لهواها فلا يصرفها عن السوء ولا يقوِّمها أو يعدِّل من تفكيرها.
فالنفس توسوس لصاحبها، تماماً كما يوسوس له الشيطان، بل قد تفعل به ما لم يستطع الشيطان فعله، وحين صفّد الله الشياطين وسلسلها فى شهر رمضان المعظم، فكان لذلك نعمة جليلة من المولى عز وجل على عباده، فبالإضافة إلى مساعدتهم على حسن العبادة فى هذا الشهر الفضيل، فإن سلسلة الشياطين تجعل كل شخص يقف على حقيقة نفسه تماماً، حيث إن كل وسوسة للشخص فى هذا الشهر الكريم يكون مصدرها الوحيد هو النفس، فحينئذ لا يستطيع الإنسان أن يرتكب أى معصية ثم يتهم الشيطان بأنه كان السبب فيها، لذا فمثلاً الإنسان الذى اعتاد الكذب فى رمضان فهو فى حاجة لتقويم نفسه وتطهيرها من هذه الصفة السيئة، وكذلك الشخص الغضوب سريع الانفعال، والشخص المنافق، والشخص المخادع، والشخص الظالم، والشخص شديد الخصومة،…. وغيرها من الكثير من الصفات المذمومة.
وينصح الأطباء النفسيون مرضاهم الذين يعانون من الهواجس والوساوس بقطع التفكير فيها فورا، فإن أعظم علاج للخواطر هو قطعها والانشغال بغيرها من الأعمال الصالحة والأفكار الإيجابية والتقرب من الله تعالى.
وأنا هنا لا أعتبر أن المشكلة تكمن فى الشخص ونفسه فقط، فقد ينسحب هذا الأمر على ما هو أكبر من ذلك، فمثلا الشعب بالنسبة للدولة من وجهة نظرى هو النفس، فإما أن يصيبها بالإحباط والاكتئاب أو يكون عاملاً إيجابياً وحافزاً لها على التقدم والازدهار، وكذلك العاملون بالنسبة لمؤسستهم هم النفس، فهم الجمهور الداخلى الذى قد يكتب نجاح المؤسسة أو فشلها، وهكذا فى كل مناحى الحياة، حتى فى الرياضة؛ فالجمهور بالنسبة للأندية أو المنتخبات هو النفس الذى قد يحبطها ويهبط من معنوياتها أو يحفزها ويشعل حماسها، كذلك الأب والأم بالنسبة لأبنائهم هم النفس، فإما أن يكونا لهم مصدر السعادة أو الشقاء، مصدر الثقة أو الإحباط، مصدر القوة أو الضعف، وهكذا.
ولأن فاقد الشىء لا يعطيه، فيجب علينا أولاً وقبل كل شىء أن نبدأ بأنفسنا، فلو أحسنا الحديث مع نفسنا وتصالحنا معها لتحولت كل حياتنا إلى الأفضل ولصرنا مصدر قوة وسعادة وطمأنينة ونجاح وإلهام لكل من حولنا.
تصالحوا مع أنفسكم وتبادلوا معها الأفكار الإيجابية وانبذوا تلك الأفكار السلبية الهدامة، لتنعموا وتسعدوا كل من حولكم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *