بقلم: محمد فاروق
قناة “ناشيونال جيوجرافيك” أبوظبى هى قناة مبدعة بمعنى الكلمة، تقدم برامج وثائقية وثقافية وعلمية متنوعة، ولا تشعرك أبدا بالملل أثناء صقلك بالمعرفة الممتعة فى شتى المجالات وإمدادك بالمعلومات الغزيرة فى مختلف العلوم.
وفردت هذه القناة الراقية ضمن برامجها مساحة واسعة للحضارة الفرعونية العريقة، وأبرزت الجهود المضنية التى يبذلها العلماء من أجل فك طلاسم تلك الحضارة وحل الألغاز التى لم يبح بها التاريخ حتى الآن.
والملفت للنظر هو الاهتمام الشديد من جميع جنسيات العالم بتلك الحضارة العظيمة، فهؤلاء العلماء الأجانب أتوا من شتى بقاع الأرض من أجل اكتشاف المزيد من الآثار التى مازالت قابعة تحت رمال أرض الكنانة إلى جانب المكوث بجوار ما خلفه أجدادنا من كنوز وعلوم للتعرف على معلومات جديدة قد تزيل بعض حيرتهم حول عظمة العلوم المصرية القديمة الغامضة.
وما لفت نظرى أيضا هو الفخر الذى يبديه هؤلاء العلماء فى بداية حديثهم بأنهم كرسوا حياتهم لدراسة جزء بسيط من أجزاء هذه الحضارة، فهناك من يقول مثلا: “منذ أكثر من 40 عاما وأنا أدرس هرم خوفو وخباياه”، وهناك من يؤكد: “بقيت أكثر من 30 عاما أتابع تفاصيل وادى الملوك”، وهكذا.
فعلم المصريات Egyptology هو أحد علوم الآثار الذى يلقى اهتماما كبيرا فى الخارج ويتم تدريسه فى الجامعات والمعاهد الخاصة فى أوروبا؛ فألمانيا على سبيل المثال تقوم بتدريس هذا العلم فى 14 معهدا داخل أراضيها.
وقام مؤرخون أجانب كثيرون بتدوين جزء كبير من المعلومات عن تاريخ مصر مثل هيرودوت وغيره، وكان شامبليون الذى أتى مع الحملة الفرنسية على مصر وفك شفرة اللغة الهيروغليفية بعد اكتشاف حجر رشيد من أبرز علماء علم المصريات بل إنه رائد علم المصريات فى حقبته الحديثة، فهل يعقل أن تقدم الحملة الفرنسية للحضارة الفرعونية فى 3 سنوات ما لم يقدمه المصريون لحضارتهم على مر هذا التاريخ الطويل!!
فاهتمام الأجانب بحضارتنا بقدر ما أسعدنى وجعلنى أشعر بالفخر، أحزننى فى الوقت نفسه، وجعلنى أتساءل: ألسنا نحن المصريين أولى بهذا العلم من غيرنا؟
ولماذا لا يتم تدريس علم المصريات للأجانب داخل مصر ووقتها ستكون دراسة عملية وعلى الطبيعة وليست مجرد مواد نظرية، مما يدر على مصر دخلا وعائدا إلى جانب الترويج والدعاية لنا؟
ولماذا لا نهتم بدراسة حضارتنا لأبنائنا ونكتفى بمجرد 4 سنوات من الدراسة فى كلية الآثار أو أقسام التاريخ فى بعض الكليات؟ ولماذا لا يتخصص أبناؤنا فى علوم التحنيط والتنقيب والترميم وغيرها منذ الصغر، لنصنع علماء يضاهون هؤلاء العلماء الذين يقطعون آلالف الأميال لاكتشاف أسرار حضارتانا؟ ولماذا لا ننشئ مدارس متخصصة فى علوم الحضارة الفرعونية؟
فنحن أولى بكل هذا، ويفترض أن نكون أكثر شغفا بمعرفة خبايا حضارتنا ودراسة علومها المختلفة.
فمصر وطن عظيم يعيش فيه الماضى العتيق الممتد من آلاف السنين مع الحاضر جنبا إلى جنب فى تناغم فريد صنع هذا الوطن وشكل وجدان أبنائه وسماتهم، لذا يجب أن نعى وندرس ما نستمد منه معظم سماتنا صفاتنا وما أثر علينا وحفر فى شخصيتنا نقوشا وعلامات بارزة، فعظمة أجدادنا الفراعنة كفيلة بأن نقتاد بهم ونأخذ منهم أجمل سماتهم كالحرص على العمل والنظام والانضباط والرؤية المستقبلية والتخطيط والطموح وغيرها.
فينبغى أن نظل دائما مدركين لمجد حضارتنا الفريدة فهى المصدر الأساسى لطاقتنا الذاتية والمهد الحقيقى للشخصية المصرية، فتلك الحضارة ليست مجرد تاريخ أو آثار، إنما هى إرث تتوارثه الأجيال يدب فيهم العزة والشعور بالشموخ والثقة مهما ضاقت بهم الحياة أو قست عليهم الظروف، فالمصرى ثابت الأساس راسخ البنيان مثله مثل حضارته الصلبة التى أضفت على سماته وصفاته الرفعة والقوة وتحمل الصعاب، فهى على مر العصور وحتى يومنا هذا تقف صامدة أمام الظروف الصعبة شامخة قوية أمام كل من حاول طمسها أو هدمها.