الإيكونوميست المصرية
رقائق لم تعد رقيقة…. بقلم: محمد فاروق

رقائق لم تعد رقيقة…. بقلم: محمد فاروق

 

محمد فاروق

 

العالم صار قرية صغيرة جدا أكثر مما نتخيل، وأى حدث يقع فى أى بقعة قد تفصلك عنها قارات وآلاف الأميال من الممكن أن يؤثر عليك وأنت تجلس داخل منزلك.

فارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية والسيارات الذى أصاب السوق المصرية، لم يكن السبب الأساسى فيه التجار وجشعهم فقط كما يعتقد البعض، بل أن هناك عاملا رئيسيا آخر قد لا يأتى على بالك وهو تراجع إنتاج الرقائق الإلكترونية فى العالم وكذلك زيادة الطلب عليها فى الوقت نفسه.. نعم هذا هو السبب، إنها الرقائق الإلكترونية أو ما يسمى بالشرائح الإلكترونية أو أشباه الموصلات أو “تشيبس”.

لا تستخف بهذه الرقائق، إنها تسببت فى حرب اقتصادية بين أمريكا والصين، ودفعت الرئيس الأمريكى بايدن لمطالبة الكونجرس بتخصيص مبالغ ضخمة تفى بتأسيس مصانع  لإنتاجها فى أمريكا، وعدم الوقوع تحت رحمة الدول الأجنبية وخاصة الصين للحصول على تلك الرقائق أو استخدامها كوسيلة ضغط على أمريكا، كما أن الرئيس السابق ترامب سبق أن منع بيع الرقائق الإلكترونية المنتجة فى أمريكا للصين.

فما هى إذن هذه الرقائق الإلكترونية؟ هى ببساطة  عبارة عن ترانزستورات صغيرة مصنوعة من مادة السيليكون وتمثل المكون الأساسى لكل الأجهزة الإلكترونية والكهربائية وتدخل فى صناعة السيارات والاتصالات والأسلحة وتكنولوجيا المصانع، وغيرها، بمعنى أشمل تدخل فى صناعة كل شىء الآن.

القصة بدأت فى عام 2020 مع انتشار فيروس كورونا، حيث مكث معظم سكان العالم فى منازلهم مما أدى لانتعاش فكرة العمل عن بُعد والدراسة من المنزل مما تسبب فى زيادة الطلب على الأجهزة الإلكترونية إلى جانب الأجهزة الترفيهية كل ذلك أدى بالتالى إلى زيادة الطلب على الرقائق الإلكترونية.

فى الوقت نفسه، ولأن المصائب لا تأتى فرادى، فقد اندلع حريق ضخم فى أحد أكبر مصانع إنتاج الرقائق الإلكترونية فى العالم وهو مصنع “رينيساس إلكترونيكس” باليابان، إلى جانب العواصف التى اجتاحت ولاية تكساس مقر إنتاج الرقائق بأمريكا، والجفاف الذى أصاب تايوان أكبر دولة مصنعة للرقائق فى العالم، كل ذلك أدى لتراجع إنتاج الرقائق على مستوى العالم.

وصار العالم حاليا يلهث وراء إنتاج تلك الرقائق، لكن رغم تخصيص الدول لمليارات الدولارات لتأسيس مصانع الرقائق الإلكترونية، فإن بناء مصنع جديد لإنتاج تلك “الصغيرة المحيرة” يحتاج لنحو عامين وفقا لبعض التقديرات، إلى جانب أن إنتاج الرقائق نفسها يحتاج لعدة شهور أخرى، وتوقعت بعض التقارير استمرار أزمة الرقائق حتى نهاية 2022.

وجاء تصريح رئيس شركة “ستيلانتس” متعددة الجنسيات لتصنيع السيارات ليلخص الوضع الصعب الذى تعيشه صناعة السيارات حاليا حيث قال: “نشعر بالحزن الشديد عندما نرى الطلبيات لدينا بوضع ممتاز، لكننا لا نستطيع تسليم السيارات”.

فالعديد من مصانع السيارات الكبرى ألغت طلبياتها من الرقائق الإلكترونية فى بداية انتشار فيروس كورونا اعتقادا منها بأن الأزمة ستستمر لسنوات وبالتالى سينخفض الطلب على شراء السيارات، وعند عودة الطلب مرة أخرى لم تجد تلك المصانع احتياجاتها من الرقائق الإلكترونية فتوقفت عن إنتاج بعض الموديلات وخفضت إنتاج البعض الآخر. الشىء نفسه ينطبق على الأجهزة الإلكترونية والكهربائية بكافة أنواعها، وغيرها من معظم المنتجات.

هذه الأزمات التى صارت تتكرر بأشكال مختلفة وعلى فترات متقاربة، تثير العديد من التساؤلات: هل وصلنا لمرحلة أن العقل البشرى الذى أبدع وابتكر وأنتج فى الآونة الأخيرة منتجات فاقت التوقعات، هو نفسه الذى يتسبب حاليا فى إيقاع الضرر ببنى جنسه ويحرمهم مما منحهم إياه وجعلهم يعتادون عليه؟ وهل بعد أن حول الرفاهيات لضرورات لا غنى عنها يسلبها الآن من الشعوب بمنتهى هذه البساطة؟ وهل كل دولة متقدمة تسعى الآن بشتى الطرق لتؤكد للآخرين أن مفتاح السعادة بل الحياة لديها وحدها؟ أعتقد أن الحل حاليا بالنسبة للدول النامية وشعوبها هو الاستغناء ولو بصفة مؤقتة عن الرفاهيات أما بالنسبة للضرورات فلنا الله.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *