الإيكونوميست المصرية
زيادة أسعار البترول العالمية تؤرق الموازنة العامة

زيادة أسعار البترول العالمية تؤرق الموازنة العامة


تسببت الإجراءات الأمريكية ضد إيران فى رفع أسعار البترول إلى 80 دولار للبرميل لأول مرة منذ عام 2014، فى حين أن الحكومة قدرت سعر البرميل فى الموازنة الجديدة بـ 67 دولار، فماذا سيكون تأثير ذلك على الاقتصاد المصرى، وكيف يمكن للحكومة أن تواجه هذا الأمر؟
الخبراء أكدوا لـ”الإيكونوميست المصرية” أن ارتفاع أسعار البترول يشكل أعباء جديدة على الموازنة المصرية لأننا نستورد البترول من الخارج، غير أن هذا الوضع سيستمر فقط حتى ديسمبر 2018، ولكن بعد ذلك يبدأ إنتاج حقول الغاز والبترول الجديدة فى ضخ الإنتاج، ويتحقق الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى ونبدأ أيضا فى التصدير.
وأشاروا إلى أن وزارة المالية تسعى لفتح اعتماد إضافى فى الموازنة لاحتواء آثار ارتفاع أسعار البترول، بعدما قفز خام القياس العالمى فوق 80 دولارا للبرميل، مشددين على ضرورة زيادة إيرادات الحكومة من الضرائب، والعمل على مكافحة الفساد.
ويشكل الارتفاع المستمر فى أسعار البترول العالمية تحديا كبيرا أمام وزارة المالية لتحقيق مستهدفاتها لعجز الموازنة فى العام المالى المقبل 2018-2019.
وقدرت الحكومة سعر برميل البترول فى مشروع الموازنة الجديدة التى يتم مناقشتها أمام البرلمان حاليا عند 67 دولاراً للبرميل.
وتوقع بنك الاستثمار “مورجان ستانلى” الأمريكى وصول سعر خام برنت إلى 85 دولارا للبرميل بنهاية 2019، و90 دولارا للبرميل بنهاية 2020.
فيما توقع بنك أوف أمريكا ميريل لينش وصول أسعار البترول إلى 100 دولار للبرميل أوائل العام المقبل.
وقالت وزارة المالية فى مشروع الموازنة إنه رغم أن تقديراتها لأسعار البترول تم إعدادها على أساس البيانات المتاحة فى الوقت الحالى فإن التغيرات الفعلية فى الأسعار أثناء العام المالى الحالى قد يكون لها تأثير مباشر فى أداء الموازنة العامة خاصة فيما يتعلق بفاتورتى دعم المواد البترولية والسلع الغذائية.
وبحسب بيانات الموازنة، فإن ارتفاع متوسط سعر خام البرنت خلال العام بقيمة دولار واحد يضيف على فاتورة الدعم 4 مليارات جنيه سنويا.
وبحسبة بسيطة فإنه فى حال وصول أسعار البترول إلى 85 دولارا للبرميل خلال العام المالى الجديد الذى سيبدأ مطلع يوليو المقبل سيؤدى ذلك إلى زيادة دعم المواد البترولية بنحو 72 مليار جنيه.
من جانبه قال ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب إن اللجنة قد تطالب بزيادة نسبة الاحتياطى بالموازنة العامة لمواجهة تلك الزيادات لتصل إلى 6%، مقارنة بنسب تتراوح من 3 إلى 5% من إجمالى النفقات.
وأكد أن ارتفاع سعر برميل البترول فى البورصات العالمية إلى 78.13 دولار للبرميل سيؤثر سلبا على مستهدفات العجز فى مشروع موازنة العام المالى المقبل.
وتستهدف مصر الوصول بنمو الناتج المحلى الإجمالى إلى 5.5% فى السنة المالية المقبلة، وخفض العجز إلى ما بين 8.5 و8.8% من الناتج المحلى الإجمالى.
فيما ذكر محمد معيط نائب وزير المالية أن كل دولار زيادة فى سعر برميل البترول يؤدى إلى زيادة فى عجز الموازنة بما يتراوح بين 3 و4 مليارات جنيه.
واضاف معيط أنه لم يتم حتى الآن تعديل توقعات العجز فى الموازنة التى كان آخر تقدير لها يتراوح بين 9.6% و9.8%، وسيتم الإعلان عن التوقعات الجديدة بمجرد الانتهاء من دراسة الوضع الحالى.
وتجنب وزارة المالية مبلغا من المال من موازنتها السنوية لمواجهة أى مصروفات طارئة لم تكن مدرجة بالموازنة العامة، وهى الأموال التى يطلق عليها “احتياطيات عامة”.
ويكون لوزير المالية الحق فى تخصيص جزء من هذه الاحتياطات لمواجهة الظروف الطارئة بحسب الحاجة، وهو ما تحدده تأشيرات الموازنة العامة وهى عبارة عن مجموعة من القواعد التى تحكم موازنة كل سنة على حدة.
ولا يتم إدراج أو تحديد هذه المخصصات الاحتياطية بصورة مطلقة سنويا، ولكن يجب ألا يتخطى حجمها 5% من إجمالى نفقات الموازنة خلال السنة المالية، طبقا لما ينص عليه قانون الموازنة العامة الصادر برقم 53 لسنة 1973.
والحالات الطارئة تشمل الكوارث الطبيعية كالزلازل أو السيول الشديدة مثلا وغيرها من الكوارث الطبيعية، وأى مصروفات يجب على الحكومة الالتزام بها.
من جهتها أوضحت الدكتورة يمن الحماقى رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس أن ارتفاع أسعار البترول المستمر يضيف أعباء جديدة على الموازنة المصرية، مشيرة إلى أنه وفقا لتقديرات وزارة المالية فإن زيادة سعر برميل البترول بمقدار 1 دولار يضيف عبئا بقيمة 4 مليارات جنيه فى الموزانة، ومن ثم فإن الدولة يجب أن تسعى جاهدة لمواجهة هذا الأمر.
وأضافت الحماقى أن الموزانة العامة للدولة مليئة بالتحديات رغم مايبذل من جهود لتحسين الإيرادات من حيث فرض ضريبة القيمة المضافة، وغيرها من الإجراءات الحكومية، إلا أنه يوجد بعض الملفات لم يتم التعامل معها بما هو مطلوب؛ بينها مسألة ضم القطاع غير الرسمى إلى القطاع الرسمى، على الرغم من أن العديد من الدراسات تؤكد استعداد جزء كبير من أصحاب هذه المشروعات للانضمام إلى الاقتصاد الرسمى، فإنه إلى الآن لم يتم تحديد مشاكل القطاع.
وشددت يمن الحماقى على ضرورة تفعيل العمل المؤسسى لاستهداف مشاكل المستثمرين خاصة صغار المستثمرين، مضيفة أنها لا تقلل من الجهود المبذولة فى هذه الملفات والمبادرات التى طرحت، غير أنه إذا تمت مراعاة الكفاءة فى الأداء والتوقيت ستكون النتائج أفضل لاسيما أن الحكومة تسابق الزمن لتحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادى.
وعن الحلول المقترحة لمواجهة زيادة العجز فى الموازنة العامة، قالت رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس إنه يجب العمل على زيادة إيرادات الدولة من بعض الضرائب مثل “الضريبة على المهن الحرة ” والتى تعانى فى مصر من تهرب وتجنب ضريبى.
والضريبة على المهن الحرة تفرض على جميع المهن غير التجارية مثل (المحاماة والطب والهندسة بما فى ذلك الهندسة الزراعية والصحافة وتأليف المصنفات العلمية والأدبية والمحاسبة والمراجعة والخبرة بما فى ذلك مهنة الخبير المثمن والترجمة والقراءة والتلاوات الدينية والرسم والنحت والغناء والعزف والتمثيل والإخراج وعروض الأزياء والتخليص الجمركى، والإعلام وغيرها)، ورغم اتساع هذه المجموعة فإن حصيلتها ضيئلة للغاية حيث بلغت 731 مليون جنيه فقط فى العام المالى 2015/2016، وهو مبلغ ضئيل لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع ما تقوم به هذه الفئات من نشاط داخل الاقتصاد القومى الأمر الذى يشير إلى ارتفاع التهرب من هذه الضريبة.
وتابعت يمن الحماقى أن تكلفة الفساد مرتفعة جدا فى مصر، ورغم الجهود التى تقوم بها هيئة الرقابة الإدارية فإنه يجب أن يتم بشكل مؤسسى وتشارك به كل الأجهزة، فهيئة مكافحة الفساد لم يكن لها دور ملموس، والاستفادة من تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، والجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
من جانبه أفاد الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادى بأن وزارة المالية تعتزم فتح اعتماد إضافى فى الموازنة لاحتواء آثار ارتفاع أسعار البترول، بعدما قفز خام القياس العالمى فوق 80 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ نوفمبر 2014، فيما قدرت الحكومة سعر البرميل بـ 67 دولار فى الموازنة الجديدة وهذا سيترتب عليه زيادة عجز الموازنة بصفة خاصة حتى ديسمبر 2018.
وأضاف الشريف أن الميزان التجارى لقطاع الطاقة كان يحقق توازن قبل ثورة 2011 بالفعل وكانت واردات القطاع وصادراته متساوية تقريبا، ولكن بعد عام 2011 تغيرت مجريات الأمور حيث انخفض إنتاج البترول بشكل كبير وكنا نسد العجز من خلال واردات السعودية والكويت والإمارات، وسيستمر هذا العجز حتى نهاية ديسمبر القادم وبعدها يمكن أن نحقق الاكتفاء الذاتى من الإنتاج المحلى ونبدأ ونصدر.
وقلل الخبير الاقتصادى فى الوقت نفسه من التأثيرات السلبية على الموازنة العامة للدولة، خلال النصف الثانى من العام المالى 2018، 2019 حيث ستبدأ حقول غاز ظُهر، والبترول فى ضخ الإنتاج الجديد ويتحقق اكتفاء ذاتيا من الإنتاج، بل وتبدأ مصر فى التصدير إلى الخارج ويتحقق توازن فى الميزان التجارى للطاقة.
ولفت الشريف إلى أن فى بداية يوليو المقبل سيتم خفض الدعم الموجه لقطاع الطاقة بما يتناسب مع السوق العالمية، ومن ثم فإن العجز فى الموازنة لن يكون كبيرا والحكومة ستتعامل مع هذا الملف جيدا.

Related Articles