الإيكونوميست المصرية
زيادة الاستثمارات الخليجية المصرية تعزز تحقيق التكامل العربى

زيادة الاستثمارات الخليجية المصرية تعزز تحقيق التكامل العربى

فاطمة إبراهيم
تعتزم دول خليجية من بينها السعودية وقطر والكويت ضخ استثمارات فى الاقتصاد المصرى، فما تأثير ذلك على الاقتصاد؟ وما القطاعات الإنتاجية التى تجتذب الخليجيين؟ وهل هذه خطوة لتحقيق التكامل العربى؟
ونمت التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة فى مصر بنحو 22.4 مليار دولار خلال الربع الرابع من العام المالى الماضى، ليقفز صافى تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 46.1 مليار دولار خلال العام المالى المنتهى فى يونيه 2024.
وأكد خبراء الاقتصاد أن القيادة السياسية بذلت جهودا حثيثة خلال الفترة الحالية لتعزيز العلاقات المصرية الخليجية، أثمرت عن جذب استثمارات خليجية من قطر، والكويت حولت وديعة لدى البنك المركزى المصرى إلى استثمار مباشر، بالإضافة إلى استثمارات سعودية.
وبلغت الاستثمارات القطرية فى مصر 618.5 مليون دولار خلال السنة المالية 2023-2024 مقابل 548.2 مليون دولار قبل عام، بحسب بيانات البنك المركزى، فيما تقدر الاستثمارات القطرية المباشرة فى مصر خلال السنوات الثلاث الماضية بحوالى 1.3 مليار دولار، وسجلت الاستثمارات المصرية فى قطر 171.5 مليون دولار خلال 2023-2024 مقابل 86.8 مليون دولار قبل عام.
وأشار الخبراء لـ”الإيكونوميست المصرية” إلى أن دعم وتبادل الاستثمارات المصرية الخليجية يعزز التكامل الاقتصادى العربى، فى ظل التحديات الراهنة التى يواجهها الاقتصاد العالمى من الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتوترات فى أوروبا والشرق الأوسط.
وسجل إجمالى الاستثمارات السعودية فى مصر نحو 2.4 مليار دولار فى العام المالى الماضى، ارتفاعا من 491.6 مليون دولار خلال فترة المقارنة، بزيادة بلغت نحو 1.9 مليار دولار، بنسبة زيادة بلغت نحو 474%.
من جانبها ذكرت الدكتورة يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن الزيارات التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للكويت، ودعم العلاقات المصرية السعودية، والإماراتية، فى غاية الأهمية فى ظل التحديات التى تواجهنا، وتدعم من أهمية التكامل العربى، وتجعل التكامل العربى صمام أمان لمواجهة هذه التحديات.
وأشارت إلى أن تعاون مصر ودول الخليج يرتكز على أكثر من محور لأن مصر لديها الصناعات الغذائية، والصناعات الكيماوية بالاعتماد على الطاقة الموجودة بدول الخليج، بالإضافة إلى الشراكة الصناعية التكاملية بين مصر والإمارات والأردن وسلطنة عمان، معبرة عن أملها فى انضمام السعودية إلى هذه الشراكة، لأن هذه الشراكة تبحث فى تعميق سلاسل الإمداد بقطاع الصناعة فى دول الخليج ومصر، وتفتح فرص الاستثمارات.
وأضافت د. يمن الحماقى أن جمعية رجال الأعمال المصرية السعودية أشارت إلى العديد من الفرص الاستثمارية المربحة فى مصر، مؤكدة ضرورة التركيز على كيفية ترويج هذه الاستثمارات للسعوديين، ومعالجة المشكلات التى واجهت رجال الأعمال السعوديين من قبل، والتعامل بنفس المبدأ مع الإماراتيين والكويتيين.
ونوهت إلى أن الفرص الاستثمارية واعدة فى مجالات السياحة، والنقل، وتكنولوجيا المعومات، والصناعات الكيماويات، وأضافت أن الدراسات أثبتت أن دول الخليج من أقل الدول تكلفة فى مجال البترو كيماويات، وصناعات الدواء، والسعودية بدأت تدخل فى هذا المجال بقوة، ولكن تظل الصناعة والزراعة الذراعين الأكثر أهمية، ونحتاج لبذل المزيد من الجهود فى هذين القطاعين، وأن تسير الدراسات مع التطبيق الفعلى مع المعلومات، والتنسيق مع المؤسسات البحثية.
وقالت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس: إن مصر تحاول خلال هذه الفترة تحقيق التوازن فى تدفقات العملة الداخلة والخارجة، والعمل على زيادة تحويلات المصريين فى الخارج، والتركيز على الصناعات التكاملية التنافسية، مشيرة إلى أنه بدون مصر وعلماء مصر ومراكز بحوث مصر لن نستطيع تحقيق التكامل المطلوب.
من جهته، أشار الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادى إلى أن الاقتصاد العالمى يعانى حالة عدم يقين ناتجة عن اضطرابات أمنية وسياسية وعسكرية، وتغيرات مناخية، ومن ثم فإن المستثمر الأجنبى يبحث عن بدائل لاستثمار أمواله، ومصر جهة آمنة بعيدة عن كل هذه التغيرات المناخية والاضطرابات الأمنية والحروب التجارية فى ظل احتفاظ مصر بعلاقات متوازنة سواء مع المعسكر الشرقى بقيادة الصين، أو المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وأضاف د. شعيب أن مصر أصبحت بديلا جيدا لعدد من الوجهات الاقتصادية مثل الصين، لتسويق استثماراتها أو توزيع منتجاتها، لاسيما أن مصر كثيفة السكان، وبها قوة شرائية، بالإضافة إلى قوة إنتاجية كبيرة، وكذا قرب مصر من أسواق أفريقيا، والموقع الجغرافى الذى يربط بين ثلاث قارات، وأيضا دعم الحكومة المصرية للعديد من القطاعات الزراعية والصناعية، بالإضافة إلى اقتصاد متعدد الموارد، يعتمد على السياحة والزراعة والصناعة والقطاع الخدمى وتكنولوجيا المعلومات، فأصبحت الدولة المصرية مؤهلة تماما فى ظل مستهدفات وضعتها الحكومة لزيادة الاستثمار السياحى، والوصول لمستهدف 50 مليار دولار من الإيرادات السياحية مقابل 14.4 مليار دولار، وزيادة الاستثمار الصناعى للقضاء على أهم تحدٍ يواجه الشعب المصرى وهو وجود خلل هيكلى فى الميزان التجارى، حيث تقدر الصادرات بـ 40 مليار دولار، فى حين نستورد بقيمة 87 مليار دولار.
ولفت إلى أن مصر أصبحت محط أنظار عدد كبير من المستثمرين لاسيما فى ظل خفض سعر الفائدة وعدم خروج الأموال الساخنة كما حدث مع الحرب الأوكرانية الروسية، وهذا انعكس على تدعيم الاقتصاد المصرى فى مواجهة الأزمات، مشيرا إلى أن تدفق الاستثمارات الخليجية إلى السوق المصرية يرجع إلى انخفاض درجة المخاطر وزيادة الربحية، فى ظل تذبذب الأسهم الأمريكية، وتراجع أسعار الذهب بعد أن بلغ مستويات تاريخية، بسبب حالة اللايقين، ومن ثم فإن الاستثمار المباشر أفضل بكثير من أدوات التحوط كالذهب، أو الاستثمار فى أدوات الدين كأذون الخزانة والسندات الأمريكية.
وتستهدف الحكومة المصرية جذب استثمارات أجنبية مباشرة قدرها 30 مليار دولار فى السنة المالية 2024-2025 التى بدأت فى يوليو الماضى، بحسب التقرير العام للجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب.
وذكر د. شعيب أن الخليج يبحث عن وجهة آمنة للاستثمار، والأقرب له حاليا هو الاستثمار العربى العربى، فى مصر وأفريقيا، ووجدنا الصين رفعت استثماراتها فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من مليار دولار إلى 5.5 مليار دولار وهذا انعكاس لحالة الأمان فى العمق المصرى والعمق الأفريقى، خاصة أن الاستثمار العربى يكون له صدى فى تدعيم السوق العربية المشتركة.
وعن تأثير تدفق الاستثمارات الخليجية على الاقتصاد المصرى، قال إنه تدفق دولارى على مصر يدعم الاحتياطى النقدى الأجنبى، فنجد ارتفاع الاحتياطى الأجنبى لمصر بعد صفقة رأس الحكمة وصل إلى 47.7 مليار دولار، ورفع معدلات التوظيف والتشغيل، وهذا ينعكس على خفض معدلات البطالة ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، ويقضى على الخلل فى عجز الموازنة العامة للدولة، فى ظل تنوع موارد الاقتصاد المصرى وخفض الدين العام.
فى الشأن ذاته، قالت الدكتورة حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية: إن مصر تسعى لزيادة الحصيلة الدولارية، من الاستثمارات المباشرة حتى لا تتعرض مصر لأزمات كما حدث من قبل عند خروج الأموال الساخنة، وكذلك تراجع ايرادات قناة السويس مما أثر على سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وأضافت أن الدولة تسعى لتقليل الاقتراض لأنه يمثل عبئا على الأجيال القادمة ويؤثر بالسلب على اقتصاد الدولة، ويؤثر على العديد من الجهود التنموية التى تبذلها الدولة، فالمحصلة النهائية للاقتراض تحميل الدولة بأقساط وأسعار فائدة، تلتهم أكثر من 60% من موازنة الدولة، ولذا لجأت مصر إلى الترويج للاستثمارات المصرية فى الأسواق الخليجية ونجحت فعلا فى عقد عدد من الصفقات مع دول كالإمارات والسعودية، سواء استثمار مباشر، أو الحصول على حصص فى شركات مقيدة فى البورصة.
ولفتت د. حنان رمسيس إلى أن الدولة كثفت جهودها لتنشيط الاستثمارات الكويتية داخل مصر نجم عنها تحويل وديعة بالبنك المركزى إلى استثمارات مباشرة، والدخول فى العديد من المجالات السياحية والغذائية والتشييد والبناء، واستصلاح الأراضى، مشيرة إلى أن العلاقات المصرية الخليجية علاقات متينة، تقوم على التفاهم وتبادل الخبرات، وتبادل الاستثمارات وهذا يفتح المجال لمزيد من الاستثمارات الخليجية خلال الفترة المقبلة.
ونوهت إلى أنه فى ظل اتجاه الدولة لتبسيط إجراءات الاستثمارات، وتنفيذ سياسة الشباك الواحد وخفض تكلفة وزمن الاستثمار مما يؤدى إلى جذب مزيد من الاستثمارات من دول الخليج، وتذليل أسباب تباطؤ الاستثمارات، ولن يقتصر الأمر على جذب استثمارات من دول الخليج، ولكن يمتد إلى جذب استثمارات من دول الاتحاد الأوروبى والصين وروسيا وأمريكا، وهذا نابع من أن مصر متعددة الحلفاء.
وعن تركيزها على منطقة الخليج خلال هذه الفترة، قالت: إن هذا يرجع إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية خلقت مشاكل اقتصادية للعديد من دول الاتحاد الأوروبى، وتباطؤ النمو، ومن ثم فإن البديل هو دول الخليج، مشيرة على أن زيادة الاستثمارات الخليجية يسهم فى خفض معدلات البطالة، وتساعد على استقرار سعر الصرف.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *