الإيكونوميست المصرية
شاهيناز فودة امرأة قهرت الظروف الصعبة وانتصرت

شاهيناز فودة امرأة قهرت الظروف الصعبة وانتصرت

أشرف الليثى
شاهيناز فودة .. امرأة مصرية جميلة وذكية، ورغم أنها قد تبدو من شكلها رقيقة فإنها امرأة قوية للغاية، استطاعت أن تواجه ظروفا قاسية وتتغلب عليها، وهاجرت وتركت مصر لمدة عام واحد فقط ولم تتحمل الغربة وعادت لتواجه مصيرها بكل شجاعة وتغير من نشاطها الأساسى كواحدة من القيادات المصرفية المعروفة والتى حازت على جوائز عالمية ومحلية وإقليمية، إلى مؤسسة ورئيسة شركة One Advice for Financial Advisory ،والتى تتبع هيئة الرقابة المالية، وتفضل الآن أن تعرف نفسها كمستشار مالى وعضو مجلس إدارة لعدد من الشركات مقيدة فى البورصة المصرية وخارجها.
بدأت شاهيناز فودة نشاطها المهنى عام 1991 فى مجال البنوك التجارية وتحديدا فى البنك المصرى الأمريكى، وعُيِّنت كمسئول ائتمان قبل أن تطلب نقلها إلى غرفة المعاملات الدولية؛ القسم الصعب الذى يعتبر تقريبا حكرا على الرجال، لصعوبة مواعيده وطبيعة عمله وهو Dealing Room وكانت تقريبا أول سيدة تعمل فيه، ونظرا لحماسها الشديد لإثبات وجودها فى هذا القطاع وجدت تشجيعا من مديرها محمد طه، الذى أعطاها كافة الصلاحيات وشجعها على تحمل مسئوليات ضخمة رغم صغر سنها وبداية خبرتها فى هذا المجال.

ثم تركت البنك عام 1994 لظروف الزواج، وعادت مرة أخرى لنفس البنك عام 1996 وفى نفس المكان ولكن بوظيفة نائب مدير عام ونائب رئيس قطاع الخزانة فى البنك المصرى الأمريكى، واستمرت حتى عام 2004، واكتسبت طوال تلك الفترة خبرات كثيرة وأضافت أنشطة متنوعة للبنك، حتى لقبها رئيس البنك الهولندى “بالسلاح السرى”. وفى عام 2004، انتقلت إلى بنك BNP Paribas الفرنسى وكان بنكا صغيرا وغير معروف فى مصر رغم أنه كان بنكا عالميا فى السوق الخارجية، وتولت فيه منصب نائب رئيس البنك، وتضاعف حجم أعماله أكثر من عشرة أضعاف منذ توليها هذا المنصب حتى عُيِّنت عضو مجلس إدارة به، لأول مرة كمسئول تنفيذى مصرى وأول سيدة فى المجلس فى تاريخ البنك.
وفى عام 2012 وفى أعقاب ثورة يناير، قرر الفرنسيون بيع البنوك الخاصة بهم فى مصر سواء بنك سوسيتيه جنرال أو BNP Paribas ولم يتبق لهم فى مصر سوى كريدى أجريكول فقط، وقام بنك الإمارات دبى الوطنى بالاستحواذ على البنك فى 2013 بعد تقديم أكثر من عرض من مؤسسات مالية عالمية، وساهمت شاهيناز كركن أساسى فى تلك الصفقة، حيث كان من شروط الصفقة استمرارها للعمل فى البنك لمدة عامين بعد الاستحواذ.
وحصلت شاهيناز فودة على جوائز مميزة؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر: فى مايو 2014 حصلت على جائزة الخريجين المتميزين للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفى أكتوبر 2014 أيضا حصلت على جائزة مجلة فوربس لأفضل 200 سيدة وكان ترتيبها الـ 24 من بين كل هؤلاء على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وعلى المستوى الشخصى، بدأت حياتها تتغير بعد قيام ثورة يناير، فقد رزقت بمولود فى نهاية عام 2011، وظهرت قضية البنك الوطنى والتى عرفت باسم قضية البورصة بعد الثورة، وتعرض أحمد نعيم زوجها مؤسس شركة نعيم – والذى كان فى ذلك الوقت مقيما فى كندا- لاتهامات وورد اسمه فى قضية البنك الوطنى وظلت تلك القضية مرفوعة منذ عام 2011 حتى عام 2020 مع التأجيل المستمر دون الحكم أو البت فيها.

 

وقد تعايشت بسلام فى تلك الظروف والسفر المستمر خاصة مع تفهم البنك وتقديره لها، إلى أن حدث ما لم يكن أحد يتصوره.
ففى فبراير 2015، انقلبت حياتها رأسا على عقب؛ حيث كانت تشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة بنك الإمارات دبى الوطنى ونائب العضو المنتدب، وتقرر تجميد حساباتها لكونها زوجة أحمد نعيم والذى تم التحفظ على أمواله لكونه الرئيس السابق لشركة نعيم القابضة فى 2007 والمتهم فى قضية البورصة، مع جميع أعضاء مجلس إدارة شركة نعيم وأزواجهم وأولادهم القُصَّر، رغم أن حساباتها الشخصية كان يتم تغذيتها من مرتبها فى البنك ومن نشاطها الشخصى، وليس لتلك الحسابات أى علاقة بشركة زوجها، وفى يوم وليلة أصبحت لا تستطيع حتى صرف مرتبها من البنك.
وتقول شاهيناز: “إن كل الظروف كانت تجبرنى على الاستقالة من البنك فى ذلك الوقت، ورغم أن هذه القضية كانت موجودة منذ عام 2012 فإننى لم يخطر على بالى السفر ومغادرة مصر، ولكن بعد قرار تجميد حساباتى رغم أن لى ذمة مالية منفصلة وحساباتى كانت ناتج عملى وميراثى من والدى ولذلك قدمت استقالتى وسافرت لزوجى وابنتى فى مارس عام 2015”.
وقالت: “للأسف عند إعلان التجميد فوجئت بحملة تشهير وشائعات ضدى من صحافة صفراء وأعداء معروفين بحقدهم وغيرتهم الشديدة. وعلى الرغم من رحلتى الطويلة والنجاحات التى حققتها فى القطاع المصرفى، فجأة شعرت أن كل ما أنجزته تم تدميره، والطعنة الكبرى جاءتنى من أناس وثقت فيهم وساعدتهم، وكان هذا من أكثر الصعوبات التى تعرضت لها، وانتهت رحلتى مع الجهاز المصرفى والبنوك اعتبارا من عام 2015. ومن المفارقات الغريبة أننى نجحت فى أخذ موعد مع النائب العام المستشار/ هشام بركات – رحمه الله – يوم الاثنين الموافق 29 يونيه 2015، فى تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا للتظلم وطلب الإفراج عن مرتبى ومكافأة نهاية الخدمة. وعند الوصول فوجئت برفض دخولى بالرغم من تأكيد الموعد! وعندما سألت عن السبب، قيل لى إن الموكب قد تم تفجيره.
وسافرت خارج مصر إلى كندا لأقيم مع زوجى وعائلتى”.
وبعد فترة الغربة فى كندا، كانت هناك محطة مهمة فى حياة شاهيناز فودة بدأت مع قرار عودتها مرة أخرى إلى مصر ومزاولتها النشاط ولكن فى مجال آخر مختلف عن القطاع المصرفى. وتقول: “لم أستطع البعد عن مصر طويلا وفضلت أن يبدأ ابنى سنوات تعليمه الأساسية هنا فى بلدى، وعدت مرة أخرى فى أغسطس 2016 بعدما طلب منى المهندس أحمد السويدى تأسيس شركة تأجير تمويلى “ايزيليس”، وكان من الممكن أن ترى النور عام 2016 إلا أن التعويم ورفع أسعار الفائدة أجبرنا على تأجيلها إلى 2020”.
وأضافت: “بمجرد عودتى، عرض علىّ الأستاذ حسن طه رئيس شركة “ First Capital” – والذى كان من عملائى فى البنك – مشاركته عودة نشاط شركته التى أوقف نشاطها بعد ثورة يناير وسفره لدولة الإمارات المتحدة، وقد عاد فى 2016 لاستعادة النشاط، ووافقت فورا أن أكون شريكة معه فى شركته التى تعمل فى مجال البنوك الاستثمارية والاستشارات المالية.
واستعدت النشاط مرة أخرى فى 2016 وحققنا نجاحا كبيرا واستمر تعاوننا معا حتى جاءت سنوات كورونا وقررت تأسيس شركة خاصة بى One Advice فى عام 2021 وشجعنى حسن طه وأصبح عضو مجلس الإدارة فى شركتى وأنا عضو مجلس الإدارة فى شركته، بعد أن أنجزنا عددا من الصفقات الناجحة.
وفى 2022، قمت بتأسيس شركة Just Finance للتمويل الاستهلاكى Consumer Finance للمهندس أحمد السويدى وتوليت رئاسة مجلس إدارتها.
والآن أشغل منصب عضو مجلس إدارة فى العديد من الشركات المدرجة وغير المدرجة فى البورصة المصرية؛ مثل شركة السويدى إليكتريك، وشركة القاهرة للزيوت والصابون، وشركة جيتكس، وشركة MCSوهى شركة متخصصة فى الأمن السيبرانى Cybersecurity، وشركة Korra للطاقة والاستثمار.
وبما أن رغبتى منذ التخرج كانت الالتحاق بكلية الهندسة، وقد التحقت بالفعل بهندسة عين شمس لمدة ستة أشهر قبل الالتحاق بالجامعة الأمريكية، فكان أملى دائما أن أستثمر فى مصنع وهذا ما حدث. ففى نوفمبر 2022، قمت بشراء حصة حاكمة ورئاسة مصنع إنتاج كبسولات القهوة لإعادة هيكلته وإضافة خطوط إنتاج ومنتجات جديدة، وبالفعل تحولت الخسائر إلى أرباح فى أقل من 15 شهرا.
الجدير بالذكر أن صاحب فكرة المصنع والمؤسس له سيد يوسف كان زميلا لى ببنك BNP Paribas”.

وتابعت: “وبفضل الله، تمكنت من استكمال رحلة الكفاح والعمل والنجاح فى مجال آخر غير المجال المصرفى، ولكن الشىء المهم أن طوال سنوات المحنة كان لدىّ رضا كامل بقضاء الله وتمسكت بالصبر والقناعة ولم أعترض يوما على قضاء الله بل كنت أردد بأنه ربما يكون هذا اختبارا حقيقيا من الله ليرى رضائى بمصيرى فى السراء والضراء، ولكن ما كان يعتصر له قلبى هو حجم الظلم الذى تعرضت له دون أى ذنب لى، والغدر والخيانة من أناس كانوا قريبين منى”.
وقالت شاهيناز: “من ستر ربنا بى أننى لم يكن لدىّ أى حسابات على السوشيال ميديا وحتى وقتنا هذا ولم أطلع على ما يُكتب عبر منصاتها جميعا، وحقيقة البعد عن السوشيال ميديا أكبر نعمة فى الحياة، وفعلا هى الفتنة الحقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهى أشد من القتل”.
وأضافت: “حاولت بعد العودة إلى مصر أن أهتم بعملى وأن أبعد تماما عن الأضواء وأكتفى بالمخلصين من الأصدقاء وأحيط نفسى بالعملاء فقط، وانغمست فى العمل، كل هذا منحنى القوة والطاقة الإيجابية كى أستطيع أن أواصل، وتعلمت أننى مهما بلغت من درجة الاحترافية فى المناصب العليا فى أى مؤسسة أتولى رئاستها فإننى سأظل محتاجة لأن أتعلم الكثير ممن حولى والأقل منى وظيفيا ولكن ضرورى أن أحسن الاختيار”.
وفى نهاية حوارى الممتع مع شاهيناز فودة، سألتها عن أهم النصائح التى خرجت بها من مشوارها الطويل الشاق والتى يمكن أن توجهها لأى إنسان كى يواجه أى تحديات أو صعوبات يتعرض لها فى مشوار حياته، فقالت: “أولا: لابد أن يكون لديه قناعة أن النعم لا تدوم ومن الممكن أن تزول فى أى وقت، ولابد أن يكون مستعدا لمواجهة هذا، ولا يفرط فى الاحتفال بأى نجاح يحققه، ويفكر دائما إذا زالت تلك النعم ماذا سيفعل لأن دوام الحال من المحال.
ثانيا: الرضا بالمقسوم والحمد والشكر، لأن أى خسارة يتعرض لها الإنسان مهما عظمت كان من الممكن أن تكون أصعب لولا لطف ربنا، ثالثا: الخير موجود ودائما يظهر من رحم المعاناة، رابعا: الإنسان يجب أن يراعى ضميره دائما ويخلص فى عمله مهما كان حجم هذا العمل صغيرا أو كبيرا”.
وعن أهم الشخصيات التى أثرت فى حياة شاهيناز فودة، قالت: “على المستوى المهنى والشخصى، والدى اللواء نبيل فودة علمنى كل شىء وأثر فى شخصيتى بشكل كبير وكان المثل الأعلى بالنسبة لى.
وعلى المستوى الشخصى، زوجى أحمد نعيم الذى لولاه ما كنت وصلت لأى منصب، لتفهمه وتشجيعه لى بالإضافة لعدم ممانعته لسفرى أو انشغالى فى العمل.
أما على المستوى المهنى، فيأتى محمد طه أول مدير لى فى البنك المصرى الأمريكى، وهو الآن عضو مجلس إدارة فى البنك المصرى لتنمية الصادرات EBank، وهو الذى أعطانى كل الصلاحيات وكان له تأثير كبير فى مشوارى المهنى وتعلمت منه الكثير.
وهناك مدير فرنسى “جون مارك تور Jean Marc Torre “ العضو المنتدب لبنك BNP Paribas، كان مؤمنا جدا بقدراتى وأعطانى فرصا كثيرة فى البنك، وتوليت فى هذا البنك منصب نائب العضو المنتدب له.
الأستاذ حسن طه رئيس مجلس إدارة شركة First Capital لأنه ساعدنى أن أغير حياتى المهنية تماما وساعدنى أن أنشئ شركتى هذه One Advice for Financial Advisory “.
فى النهاية.. سألنا شاهيناز فودة: ما هى مقولتك المفضلة؟ قالت: “إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا”.
وانتهى حديثى مع شاهيناز فودة التى أكن لها كل احترام وتحية.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *