بقلم: محمد فاروق
الشخصية المصرية شخصية مميزة جدا، فقد تبدو بسيطة، لكنها فى واقع الأمر شخصية عميقة جدا تم تكوينها على مدار تاريخ طويل لتتحمل الصعاب وتقاوم الهزات العنيفة التى قد لا يتحملها غيرها، فهذه الشخصية عبارة عن مجموعة تراكمات لأحداث لا تعد ووقائع لا تحصى وعصور عديدة شهدت قمة التضاد ما بين نجاحات وإخفاقات، انتصارات وهزائم، فترات حضارة وازدهار وفترات اضمحلال وفقر، هيمنة وسيادة على المنطقة واحتلال من القاصى والدانى، علم وجهل، قوة وضعف، فراعنة وحرافيش، علماء وعوالم، ثورات وهدوء، حروب وسلم، كوارث وأمان، فيضانات وجفاف.
شخصية شهدت كل أعراق الأرض هكسوس وآشوريين وفرس ويونانيين ورومان وفرنسيين وإنجليز وأتراك، سكنها اليهود والمسيحيون والمسلمون، احتلها طولونى وإخشيدى وأموى وعباسى وفاطمى وأيوبى كردى ومملوكى وعثمانى.
وبحلاف كل ذلك هى شخصية فرعونية صلبة ذات حضارة عريقة فريدة مازالت إلى يومنا هذا تدهش العالم كله ولم تكشف عن أسرارها بعد.
فبالله عليكم هل توجد شخصية فى العالم كله صقلتها التجارب والخبرات والأحداث مثلما صقلت الشخصية المصرية؟ هل توجد شخصية شهدت ربع ما شهدته الشخصية المصرية من أحداث؟ هل توجد شخصية تعاملت مع هذا الكم من الحضارات والأعراق المختلفة لآلاف السنين مثلما تعاملت الشخصية المصرية؟
لك أن تتخيل أن شخصية تشكلت عبر هذا التاريخ الطويل ومر عليها كل هذه الأحداث والتجارب وشهدت كل هذه الأعراق والجنسيات، كيف تصبح الآن. بالتأكيد هى شخصية ذات تركيبة خاصة جدا ممزوجة ومخلوطة بكل هذا الكم من الخبرات، شخصية شديدة الصلابة.. مقاومة لكل أنواع الضغوط والأزمات.. حمولة حتى فى أحلك الظروف وأصعبها.. لا تعرف الاستسلام أو الرضوخ وقد يكون ليس لديها من الرفاهية ما يسمح لها بالوقوع أو الانهيار.
وهذا هو السر أو اللغز الذى لم يفهمه الأغراب والمحتلون، فكانوا عندما يعتقدون أنهم أخيرا قد كسروا المصريين وهزموهم، يفاجأون بمقاومة أشد ضراوة وأكثر قوة من ذى قبل، إلى أن ييأسوا تماما فى هزيمة هؤلاء الأشداء المصريين.
والآن ونحن نعيش فترة ليست سهلة نتيجة أحوال اقتصادية صعبة أصابت العالم كله وأثرت فى الاقتصاد المصرى بقوة أكثر نتيجة عدم استقراره منذ 2011، هل تعتقدون أن هذه الشخصية سترضخ وتستسلم لتلك الأزمة وتصاب بالإحباط واليأس؟ بالتأكيد لا، فالذى مر علينا من قبل أصقلنا وجعل معدنا نفيسا لا يصدأ، صلبا يتحمل الضغوط، فكم من صعاب تجاوزناها ولم ننهزم، وكم من أزمات مررنا فوقها ولم نتراجع، وكم من محتل قاومناه وهزمناه ولم نستسلم!
كلما ضاقت أحوالنا واشتدت الأزمات، أتذكر الصعوبات التى مرت على تاريخنا العريق طوال آلاف السنين، فهل صارت مصر دولة فى طى النسيان أو اندثر شعبها وهلك أبناؤها!؟ ها نحن مستمرون فى الحياة، باقون وسنبقى بإذن الله تعالى، فمصر التى ذُكرت فى الكتاب العزيز: “ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين”، ستظل آمنة بإذن الله وفضله وبقوة شخصية أبنائها وعزيمتهم الصلبة التى تشبه الصخور.
فإذا كان أجدادنا الفراعنة قد نحتوا الصخور وتركوها للعالم لتكون شاهدة على حضارتهم، فهم أيضا نقشوا الشخصية المصرية لتقف جنبا إلى جنب بجوار تلك الحضارة العريقة صامدة أبية لتبقى دليلا على أصالة أبناء هذه الأرض وعراقتهم.