الإيكونوميست المصرية
صوامع القمح الحديثة تحمى أمن مصر الغذائى

صوامع القمح الحديثة تحمى أمن مصر الغذائى

وفاء على
اعتمدت مصر بناء صوامع القمح الحديثة لتكون حجر الزاوية فى استراتيجية الحكومة لتقليل الاعتماد على الخارج وضمان تحقيق الاكتفاء الذاتى فى خطوة تعكس رؤية اقتصادية بعيدة المدى تتجاوز حدود التخزين فى زمن تتقلب فيه أسواق الغذاء العالمية.
فخلال السنوات الأخيرة، لم تكتفِ الدولة بتشييد صوامع جديدة فحسب؛ بل وضعت خطة شاملة لتحويل منظومة تخزين القمح من مخزون معرض للهدر إلى احتياطى استراتيجى، وهو ما انعكس بوضوح على أرقام واردات القمح فى عام 2025، حيث تراجعت بنسبة 31% خلال الأشهر السبعة الأولى فقط من العام، لأدنى مستوى منذ ثلاث سنوات.
ويكشف هذا التراجع التاريخى أن الدولة باتت تمتلك ما يمكن وصفه بـ “المخلب الاقتصادى الذهبى” الذى يمكنها من إدارة أحد أهم الملفات الحساسة فى الاقتصاد الوطنى؛ فبفضل الصوامع الجديدة ارتفعت السعة التخزينية من 1.2 مليون طن فى عام 2014 إلى 3.4 مليون طن فى 2025، بما وفر للدولة قدرة غير مسبوقة على التحكم فى الإمدادات، وتخزين احتياطى يكفى استهلاك البلاد لستة أشهر كاملة.
من جانبهم، أكد خبراء الاقتصاد أن العائد الحقيقى من مشروع الصوامع لا يقاس فقط بحجم التخزين، بل بقدرته على تحييد التقلبات الدولية التى قد ترفع الأسعار أو تعطل الإمدادات فى الأسواق العالمية، مشيرين إلى أن مصر أصبحت اليوم أقل حساسية تجاه الصدمات الخارجية بفضل امتلاكها مخزونا آمنا يمكنها من امتصاص أى أزمة مؤقتة.
ورأى الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى أن صوامع القمح تمثل أحد أعمدة الأمن القومى الغذائى، لأنها حولت مصر من دولة تعتمد على الشراء الفورى من الأسواق العالمية إلى دولة تمتلك مرونة استراتيجية وقدرة على التخطيط متوسط وطويل الأجل، مضيفا أن العائد الاقتصادى يمتد ليشمل خفض فاتورة الدعم وتراجع الضغط على ميزان المدفوعات.
وأضاف فى تصريحات لـ “الإيكونوميست المصرية” أنه بينما يواصل الاقتصاد العالمى مواجهة موجات من الاضطرابات الغذائية وارتفاع تكاليف النقل، تسير مصر بثبات نحو تحقيق الاكتفاء الآمن، مستندة إلى منظومة تخزين ذكية، وإدارة رشيدة للموارد الزراعية، واستراتيجية إنتاجية ترى فى القمح ليس مجرد سلعة غذائية؛ بل قضية أمن قومى اقتصادى.
فى السياق ذاته، أكد الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى أن مصر كانت تهدر ما يقارب من 10 مليارات جنيه سنويا بسبب الفاقد فى الشون الترابية القديمة، مشيرا إلى أن المنظومة الجديدة لصوامع القمح خفضت هذا الفاقد إلى أقل من 2% فقط بفضل تقنيات العزل والتحكم الحرارى، وهو ما انعكس على استقرار الأسعار المحلية وتراجع فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة.
ولفت الخبير الاقتصادى إلى أن هذه القفزة فى البنية التحتية تعد طفرة فى الإنتاج المحلى للقمح، إذ ارتفع المحصول الوطنى بنسبة 7.5% خلال موسم 2024/2025 ليقترب من حاجز 10 ملايين طن، مدعوما بمشروعات استصلاح ضخمة فى “الدلتا الجديدة” و”مستقبل مصر” و”توشكى، والتى أعادت رسم الخريطة الزراعية وفتحت آفاقا جديدة للزراعة التكاملية المعتمدة على المياه الجوفية والطاقة الشمسية.
وأكد أن هذا التحول البنيوى لم يكن وليد الصدفة، بل جاء مدفوعا بإرادة سياسية واضحة؛ حيث تبنت القيادة المصرية مشروع الصوامع القومية كركيزة للأمن القومى الاقتصادى، مستندة إلى تجارب قاسية عاشها العالم أثناء الأزمات الغذائية التى فجرتها الحرب الروسية الأوكرانية.
فى الشأن نفسه، أكدت مصادر بوزارة التموين والتجارة الداخلية أن الدولة تخطط لزيادة الطاقة الاستيعابية خلال الأربع سنوات المقبلة إلى ما بين 6.5 و7 ملايين طن عبر مشروعات جديدة فى كفر الشيخ والدقهلية والمنيا وأسيوط، مما سيجعل مصر واحدة من أكبر الدول الأفريقية فى قدرات تخزين الحبوب.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *