بقلم: محمد فاروق
مصر مكانة عالية وقيمة غالية، يبقى معدنها النفيس لامعاً براقاً مهما مر عليه الزمان أو طاله الغبار، فلا تمضى فترة إلا وتخرج مصر على العالم لتبهره بحضارتها التى لا تنضب وتاريخها العريق الذى لم يفصح حتى الآن سوى عن القليل مما يخفيه، فبعد أقل من 8 أشهر من الموكب الخلاب لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى فى التحرير إلى المتحف الكبير فى الفسطاط فى أبريل الماضى، تدهشنا مصر بحفل رائع آخر وهو افتتاح طريق الكباش الذى تم هذه المرة على بعد مئات الكيلومترات من القاهرة بمدينة الأقصر بالجنوب.
الحدث عظيم، والتعامل معه كان على مستواه، ليخرج الاحتفال مبهرا يليق بمصر وحضارتها، ولكى نعرف لماذا يكتسب الحدث هذه الأهمية، فلابد أولا من معرفة ما هو طريق الكباش ومكانته التاريخية، فهذا الطريق تم بناؤه قبل أكثر من 3000 عام بطول 2700 متر ليربط بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، الذى هو فى حد ذاته مجموعة كبيرة من المعابد. وطريق الكباش هو طريق مواكب الآلهة أو طريق المواكب الملكية فى مصر القديمة حيث كان الكهنة يخرجون بتماثيل الآلهة من معبد الكرنك إلى أن يصلوا إلى معبد الأقصر فى مناسبات محددة مثل عيد الحصاد أو عيد جلوس الملك أو موسم الفيضان، وتتراوح فترة الاحتفالات ما بين 11 يوما و27 يوما وتتضمن مراسم رسمية وشعبية.
ويتكون طريق الكباش من رصيف من الحجر الرملى فى المنتصف، يوجد على جانبيه صفان طويلان من نحو 1300 تمثال تتخذ أشكالا مختلفة مثل كبش كامل، ورأس كبش على جسم أسد، ورأس إنسان على جسم أسد. ويرمز الكبش للإله آمون إله معبد الكرنك، أما التماثيل التى تتخذ شكل إنسان بجسم أسد فهى على هيئة “أبو الهول”.
وبذلك يكون هذا الطريق العظيم هو أقدم طريق احتفالى دينى فى التاريخ، لكن عوامل الزمن أصابته والرمال وارته تحتها لمئات السنين، إلى أن جاء عام 1949 ليتم اكتشاف هذا الطريق وإزالة أطنان من الرمال من عليه وترميمه على مدار عشرات السنين إلى أن وصلنا للألفية الجديدة وعندها تم تحديد مسار الطريق بالكامل، ثم بدأ مشروع تطوير الطريق فى عام 2007 لكنه توقف فى 2011، وتم استئناف العمل به فى 2017 حتى تم إنجازه فى 2021.
لذا فهذا الطريق ليس مجرد ممر أو ممشى، بل هو طريق عريق عظيم شهد أعظم احتفالات الفراعنة ويربط بين اثنين من أجمل وأكبر معابد مصر بل والعالم، فهو يجعل من مدينة الأقصر متحفا مفتوحا لتكون أكبر متحف فى العالم، فيستطيع الزائر خلاله أن يسير بين المعابد فى هذا المتحف المفتوح الرائع الذى لا يضاهيه مكان فى العالم كله، وذلك فى جولة “تمشية” بالمكان لأوقات أكبر بعد إنارة الطريق والمعابد والمدينة كلها، يصاحبه خلالها النيل وأضواء المراكب فى رحلة لن ينساها.
ومادمنا تحدثنا عن طريق الكباش، فلابد أن نتحدث عن مدينة الأقصر أو “طيبة”، التى قال عنها العالم الفرنسى الشهير شامبليون: “طيبة هى أعظم كلمة بين كل اللغات، جمال آثارها وسموها مدهش”.
ويصفها المؤرخون بأنها “المدينة ذات المائة باب” لتعدد أبواب معابدها، كما تسمى بـ “مدينة الشمس”، ويرجع بعض العلماء تسمية العرب لطيبة باسم “الأقصر” إلى كثرة معابدها التى اعتبروها قصورا فأطلقوا عليها اسم الأقصر.
وظلت “طيبة” عاصمة مصر حتى نهاية عصر الفراعنة، وتضم ثلث آثار العالم وبها أكبر كمية من الآثار الفرعونية، ويقسمها النيل إلى شطرين؛ البر الشرقى والبر الغربى، ويضم البر الشرقى معبدى الأقصر والكرنك وطريق الكباش الرابط بينهما إلى جانب متحف الأقصر، أما البر الغربى فيضم وادى الملوك ووادى الملكات ومعبد الدير البحرى المعروف باسم معبد حتشبسوت ومعبد الرامسيوم وتمثالى ممنون ودير المدينة.
لذا فتطوير طريق الكباش وما يصاحبه من إعلان عن مشاريع لترميم معبدى الأقصر والكرنك وما يتبعه من تطوير لمدينة الأقصر بالكامل لتعود ثانية إلى سابق عهدها قبلة السائحين من كافة أنحاء العالم، كل هذا يمهد الطريق وبقوة للجذب السياحى ويحدث نقلة فى قطاع السياحة خلال الفترة القادمة، فهو بحق الطريق السريع لعودة السياحة لمصر.