الإيكونوميست المصرية
طلعت حرب.. الاقتصادى الذى عاندته الحرب…بقلم: محمد فاروق

طلعت حرب.. الاقتصادى الذى عاندته الحرب…بقلم: محمد فاروق

محمد فاروق

محمد طلعت حرب باشا.. واحد من أهم العلامات البارزة المضيئة فى تاريخ الاقتصاد المصرى، ونال عن جدارة واستحقاق لقب “أبو الاقتصاد المصرى”، ووصفه المؤرخ الفرنسى جاك بيرك بأن ميزته الأولى كانت فى إدراكه للقوة الكامنة والإمكانات الهائلة التى لم تستغل بعد عند المواطنين المصريين.
نجح طلعت حرب فى أن يجد الخلطة الناجحة بين الصناعة والبنوك، وفى الوقت نفسه لم ينس الفن والأدب، فهو مفكر وأديب ومترجم قبل أن يكون رجل اقتصاد، واتسم “أبو الاقتصاد المصرى” بوطنيته الشديدة التى كانت له بمثابة البوصلة التى تقوده فى كل خطواته واختياراته.
ولد طلعت حرب بحى الجمالية بالقاهرة عام 1867، وتخرج فى “مدرسة” الحقوق، وأجاد اللغة الفرنسية، وكان على اطلاع واسع بعلوم الاقتصاد.
وعمل بـ “الدائرة السنية” التى كانت تدير أملاك الأسرة الحاكمة، وأظهر تفوقا وظيفيا واضحا وتدرج فى الوظائف وذاع صيته فى قدرته على إدارة المشروعات واكتسب خبرات اقتصادية واسعة.
وتم تعيينه مديرا لشركة “كوم إمبو” فى عام 1905، ثم انتقل للشركة العقارية ونجح فى أن يصبح معظم أسهمها للمصريين.
وسعى طلعت حرب لإنشاء نظام مالى مصرى وطنى لخدمة المصريين والتخلص من السيطرة الأجنبية على الاقتصاد المصرى، وأسس فى عام 1908 شركة التعاون المالى والتجارى لتقديم قروض مالية لأصحاب الأعمال الصغيرة المتعثرة.
وبدأ بنشر فكرته بإنشاء بنك لخدمة المشروعات الاقتصادية فى مصر، وطرح الفكرة فى كتابه “علاج مصر الاقتصادى”، لكن جهوده اصطدمت باندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، وبعد انتهاء الحرب عاود بذل مساعيه لإحياء الفكرة وتنفيذها على أرض الواقع، وبالفعل نجح فى إقناع 126 مصريا بالاكتتاب فى 20 ألف سهم بمبلغ 80 ألف جنيه، وفى عام 1920 تم تأسيس شركة مساهمة مصرية تحت اسم “بنك مصر”.
لم يتوقف طلعت حرب عند هذا الحد بل ازداد حماسا، وارتفع سقف طموحاته ليصل إلى عنان السماء، واستمر فى تأسيس الشركات الوطنية الواحدة تلو الأخرى حيث تم إنشاء المطبعة المصرية، وشركة مصر للنقل البرى، وشركة مصر للنقل النهرى، وشركات مصر للنقل والملاحة البحرية، ومصر للطيران كأول شركة طيران فى الشرق الأوسط، وشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى “التى منحه الملك فؤاد الأول لقب باشا عقب افتتاحها عام 1931″، بالإضافة إلى مصنع حلج القطن فى بنى سويف، ومخازن لجمع القطن بكل المحافظات، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للكيمياويات، ومصر لأعمال الأسمنت المسلح، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، والمصنوعات المصرية، ومصر للتأمين، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للفنادق، ومصر للتمثيل والسينما “ستديو مصر”.
نجاحات وإنجازات متتالية، وتكريم داخل مصر وخارجها فى معظم الدول العربية وجولات لا تتوقف، إلا أن طلعت “حرب” وكأنه قد نال قسطا وفيرا من حظ اسمه، فللمرة الثانية تعانده الحرب وتقف عائقا أمام تحقيق أحلامه الاقتصادية الوطنية، حيث تسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 فى حالة من الكساد الاقتصادى، ونتيجة المخاوف قام العديد من المودعين بسحب ودائعهم الموجودة فى بنك مصر مما تسبب فى أزمة طاحنة فى السيولة.
وحاول طلعت حرب بشتى الطرق حل تلك الأزمة مع الحكومة التى اشترطت فى النهاية تقديم طلعت حرب لاستقالته مقابل الحل، وبالفعل قبل وبدون تفكير هذا الشرط لإنقاذ البنك، وقال الكلمة الشهيرة: “مادام فى تَركى حياة للبنك، فلأذهب أنا ويعيش البنك”.
ثم انتقل طلعت حرب بعد ذلك للعيش فى قرية بفارسكور بدمياط، لتشهد نهاية رحلة الفارس العظيم فى 13 أغسطس عام 1941.. رحل “أبو الاقتصاد المصرى” ولكن ستبقى إنجازاته خالدة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *