فاطمة إبراهيم
أرجأ صندوق النقد الدولى فى يوليو الماضى الموافقة على المراجعة الخامسة مع السادسة، حيث يشترط الصندوق على مصر تنفيذ إصلاحات أعمق، لاستكمال صرف دفعات قرض ممتد بقيمة 8 مليارات دولار، وأنجزت مصر 4 مراجعات بالبرنامج، تلقت خلالها نحو 3.3 مليار دولار.
وفى حال اعتماد الصندوق المراجعة الخامسة والسادسة سيتيح لمصر تسلم دفعتين جديدتين بإجمالى 2.4 مليار دولار من القرض، وفق المتفق عليه فى البرنامج.
وفى ظل ربط الصندوق صرف دفعات جديدة من القرض بتنفيذ هذه الإصلاحات، بدأت أصوات داخلية تطالب بإعادة النظر فى العلاقة مع صندوق النقد، بل والتخلى عن البرنامج بالكامل، وإيجاد بدائل له.
والأسئلة التى تطرح نفسها حاليا: ما بدائل الاقتراض من صندوق النقد الدولى؟ وهل يوجد برنامج اقتصادى تتبناه الحكومة لتحقيق معدلات نمو وتنمية شاملة تعود على المواطن المصرى؟
أكد خبراء الاقتصاد لـ”الإيكونوميست المصرية” أن الاعتماد المفرط على القروض الخارجية لن يحل أزمات البلاد، مشيرين إلى أن الاهتمام بالتصنيع والزراعة، واستثمار الموارد البشرية، والثروة التعدينية، يقلل العجز فى الميزان التجارى، ويعمل على استقرار سعر الصرف، ويوفر فرص عمل، وزيادة مستوى الدخول بما ينعكس بالإيجاب على مستوى معيشة الأفراد.
وكانت مصر طلبت فى 2022 من الصندوق قرضا للمرة الثالثة، بقيمة 3 مليارات دولار؛ للخروج من الأزمة الاقتصادية، وأقر الصندوق الموافقة بشرط تنفيذ حزمة من الإصلاحات.
وفى مارس 2024، وافق صندوق النقد على رفع قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار؛ بهدف تدعيم الإصلاحات الاقتصادية.
الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أشارت إلى أن وزارة التخطيط تقدم حاليا ما يطلق عليه بالسردية التى تحدد بناءً على تجارب مصر فى المرحلة السابقة فرص النمو وأولوياته، ووضع قواعد أساسية مرتبطة باستقرار الاقتصاد الكلى، الذى يمثل ركيزة أساسية لتحقيق أى تقدم، بما يعنى عدم وجود تضخم أو بطالة، مشيرة إلى أن العنصر الثانى هو رفع تنافسية الاقتصاد، وزيادة المرونة فى سوق العمل، والإصلاح الهيكلى، وتفعيل القطاعات الانتاجية التى تتمثل فى ثلاثة قطاعات: الزراعة، والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات.
وأضافت د. يمن الحماقى أن السردية تحدد أولويات التحرك فى كل قطاع، والخطوات المطلوبة للإصلاح، ومتطلبات إصلاح التعليم، والخدمات الصحية، وبناء الموارد البشرية، والسياحة، وكيفية مواجهة الظروف الدولية، وتأثيرات الحرب التجارية على الوضع الاقتصادى فى مصر، وكيف يمكن مواجهتها، مشيرة إلى أن هذه السردية مطروحة للحوار المجتمعى من قِبَل الاقتصاديين المتخصصين، لمناقشة ومعالجة كل هذه الأمور.
وقالت: إن الناتج القومى لمصر سجل نحو 380 مليار دولار وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولى، و400 مليار دولار بحسب بيانات البنك الدولى، لافتة إلى أن مصر لديها موارد هائلة، غير الموارد البشرية، الموارد التعدينية غير مستغلة بالكامل، والتخطيط الإقليمى والموارد الموجودة على مستوى محافظات مصر، حيث مازال الصعيد طاردا للسكان لعدم توافر استثمارات أو فرص عمل.
وأشارت إلى أن الإنتاج الكلى لمصر يأتى من مناطق محددة مثل القاهرة، الجيزة، بينما باقى المحافظات تقل مساهمتها فى الناتج القومى، لافتة إلى أن كل ذلك يمثل تحديات تحتاج مواجهتها، مشيرة إلى أننا لسنا بحاجة إلى الصندوق، لاسيما أن مصر بدأت تتوازن من ناحية العملة الأجنبية، وتدفقات تحويلات المصريين فى الخارج سجلت نحو 36 مليار دولار- من أعلى الأرقام التى تم تحقيقها- إلى جانب ارتفاع إيرادات السياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة مثل صفقة رأس الحكمة، وكذلك مشروعات موازية فى البحر الأحمر.
من جهتها، أكدت الدكتورة حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية سعى الحكومة للانفكاك من الاقتراض من صندوق النقد الدولى لعدة أسباب من بينها الرفض الشعبى التام للاقتراض من الصندوق لأنه أثر بالسلب على حياة المواطن، وأدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع، وانسحاب الحكومة من برامج الدعم التى تقدمها للمواطن، وتحرير أسعارالطاقة من غاز وكهرباء وما إلى ذلك، فضلا عن عودة برنامج الطروحات الحكومية وسرعة تنفيذها، والعديد من الإجراءات التى يطلبها الصندوق، والتى نفذت الحكومة الكثير منها إلا أن صندوق النقد أرجأ المراجعة الخامسة مع المراجعة السادسة، مشيرة إلى أن الدفعة التى سيتم صرفها لمصر صغيرة جدا.
وأضافت د. حنان رمسيس أن مصر وجدت فى الاستثمارات العربية بديلا جيدا للانفكاك من صندوق النقد الدولى، وتدفق الاستثمارات من الإمارات ممثلة فى صفقة رأس الحكمة، والتعاون مع السعودية وقطر للاستثمار فى البحر الأحمر، والتعاون مع الكثير من الدول فى المحاور الاقتصادية مثل محور قناة السويس، مثل تركيا وسنغافورة والهند، كل ذلك له أثر إيجابى فى استقرار سعر الصرف، وتوافر العملة الأجنبية.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أن مصر تسعى فى الفترة الأخيرة إلى تنويع مصادر النقد الأجنبى، حتى لا يكون لصندوق النقد الدولى اليد العليا عليها، رغم التزامها بما طلبه الصندوق.
ولفتت إلى أن المواطنين يرون أن متطلبات الصندوق لا تتناسب والحالة الاجتماعية لهم، فى ظل ظروف صعبة داخلية وخارجية، وفى ظل أزمات جيو سياسية تؤدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية، على الرغم من إعلان الدولة خفض معدلات التضخم، وخفض أسعار الفائدة لتنشيط الاستثمار، منوهة إلى أن الدولة خلال الفترة المقبلة تتجه إلى بديل آخر غير صندوق النقد واللجوء إلى تكتلات اقتصادية أخرى، فضلا عن العمل على التخفيف من بند الاقتراض لأنه يرفع من حجم الاستدانة الخارجية والداخلية، ويؤثر على الموازنة العامة للدولة بالسلب.
وتابعت أن الدولة تسعى إلى الموازنة بين بنود المصروفات والإيرادات، لتحقيق ما وعدت به المواطن المصرى، منذ بداية برنامج الإصلاح الاقتصادى والتعاون مع صندوق النقد الدولى، مشيرة إلى أن مصر لديها بدائل تغنيها عن الاقتراض من هذه الجهات الخارجية وتحقق تنمية مستدامة يشعر بها المواطن المصرى من بينها التوسع فى استصلاح الأراضى والزراعة لزيادة إنتاجنا من الحاصلات الزراعية وتصديرها للخارج، والدخول فى شراكات اقتصادية لاستغلال المناطق الاقتصادية وعودة الاستثمارات فى محور قناة السويس، والمناطق اللوجيستية، والعمل على تشغيل المصانع المغلقة، والاقتصاد الإنتاجى، وتوطين الصناعة المصرية، مثل قطع غيار السيارات، بالتعاون مع شركات يابانية وصينية وهندية، وتحقيق هذه الاتفاقيات ودخولها حيز التنفيذ يحول الدولة للتصنيع، ومن ثم الصادرات وزيادة الاستثمارات، وزيادة فى احتياطى النقد الأجنبى، واستقرار سعر العملة، وخفض التضخم.
من جهته، قال الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادى: إن مصر ليست بحاجة إلى قرض صندوق النقد الدولى فى الفترة الحالية، حيث إن الظروف الاقتصادية فى وقت سابق عام (2013) أجبرت مصر على الاقتراض من الصندوق بسبب عدم الاستقرار السياسى، وعدم الاستقرار الأمنى وتباطؤ فى النمو الاقتصادى، وانخفاض كافة المؤشرات الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة.
وأضاف أن الدولة كانت بحاجة إلى تحقيق تنمية مثل إنشاء طرق، وكبارى، ومحطات كهرباء، ومناطق صناعية، ومدن سكنية، وكان يتم تمويل هذه التنمية بالدين، أما المرحلة الراهنة نحن بحاجة إلى تشغيل هذه التنمية، وتمويل التنمية بالاستثمارات، فيمكن جذب استثمارات أجنبية لتنفيذ المشروعات التنموية كبديل للصندوق.
ولفت د. شعيب إلى أنه لتحقيق تنمية، ومعدلات نمو يشعر بها المواطن يجب التركيز على الصناعة لمعالجة الخلل فى الميزان التجارى فالصادرات تصل إلى 45 مليار دولار، والواردات 90 مليار دولار، ومن ثم يجب الاهتمام بالصناعة، كما يجب الاهتمام بالزراعة، حيث ظلت الرقعة الزراعية ثابتة عند 9.5 مليون فدان آخر ثلاثين عاما، وفى آخر عامين أضفنا 3 ملايين فدان، وتستهدف مصر الوصول إلى17 مليون فدان.
ونوه الخبير الاقتصادى إلى أن التركيز على الصناعة والزراعة يحقق الاكتفاء الذاتى للدولة، كما يجب الاهتمام بالسياحة لأنها أحد موارد النقد الأجنبى، ومن ثم سداد الالتزامات الخارجية.
