محمد فاروق
عندما أمر الله تعالى الإنسان بالسعى فى الأرض لكسب رزقه بالطرق المشروعة، لم يكن الغرض من الأمر الإلهى إرهاق الإنسان وإجهاده بل كان الهدف السامى هو التعمير فى الأرض وإحساس الإنسان بذاته من خلال كونه مخلوقا منتجا فعالا يفيد كل من حوله بما فى ذلك المخلوقات الأخرى.
لذا كان العمل عبادة، ولكن للأسف الشديد يلجأ الكثيرون للكسب السريع السهل، ولن أتطرق هنا لقضية الحلال والحرام، بل سأقول الكسب السريع الذى لا يقابله المجهود المطلوب والذى تكون نتيجته فى البداية الأرباح الطائلة، وغالبا ما ينتهى بالخسائر الفادحة.
والأمثلة على ذلك كثيرة، وكان أحدثها الاحتيال الإلكترونى الذى تعرض له بعض أبناء مصر من خلال منصة تدعى FBC لجمع الأموال من المواطنين بزعم استثمارها فى مجال البرمجيات والتسويق الإلكترونى وتوفير الأرباح لهم.
القائمون على المنصة كانوا يعتمدون على المظهر الملتزم واستخدام شعارات خادعة ربطوها بالدين لإضفاء الشرعية على أنشطتهم المضللة، وذلك خلال مقاطع الفيديو الترويجية التى كانوا يطلقونها لإقناع المواطنين بالاستثمار فى المنصة.
وهذا الادعاء بالالتزام تسبب فى خديعة بعض المواطنين وجعلهم يثقون فى هؤلاء الأشخاص والمغامرة بأموالهم، إلى جانب الرغبة فى الكسب السريع السهل، مما جعلهم بيئة خصبة للاحتيال وأرض ممهدة للنصب عليهم.
وكان الشخص المحتال عليه يتعرف على المنصة من خلال أحد معارفه أو أصدقائه، ويقوم باستثمار مبلغ بسيط فى البداية فى المنصة، فيربح سريعا مبلغا بنسبة من الأموال التى وضعها من قبل، مما يدفعه لزيادة استثماراته وضخ المزيد من الأموال فى المنصة من أجل زيادة أرباحه، ليس ذلك فحسب بل تطالبه المنصة بإقناع كل من حوله للاستثمار فى المنصة بحيث يكون هو رئيسهم، وهو ما يعرف بالتسويق الشبكى.
ولمواصلة خداع الضحايا، كانت المنصة تطالبهم بتنفيذ مهام معينة لربح المال مثل تحميل تطبيقات ومشاهدة مقاطع فيديو وغير ذلك، وهذا بهدف إيهام المحتال عليهم بأن أرباحهم تأتى نتيجة هذه المهام.
وقبل أيام من إغلاق المنصة والاستيلاء على أموال الضحايا، نظم القائمون على المنصة احتفالية لبعض المحتال عليهم، حيث طالبوهم بجلب المزيد من الأفراد للمنصة وأقاربهم وأصدقائهم وتوسعة النشاط لزيادة أرباحهم.
وبعد ذلك، تم جمع كل أموال المواطنين المحتال عليهم والاستيلاء عليها وإغلاق المنصة.
وبالفعل تمكنت وزارة الداخلية من إلقاء القبض على القائمين على المنصة.
وتبين أن التشكيل العصابى كان يتزعمه ثلاثة أشخاص يحملون جنسيات أجنبية يتواجدون داخل مصر ويرتبطون بشبكة إجرامية بالخارج متخصصة فى مجال النصب والاحتيال الإلكترونى والاستيلاء على أموال المواطنين، وهؤلاء الأشخاص اتفقوا مع مجموعة أخرى لتأسيس شركتهم بمصر لممارسة نشاطهم والترويج للمنصة عبر وسائل التواصل الاجتماعى مقابل عمولات مالية، وتوفير خطوط هواتف محمولة لتفعيل محافظ إلكترونية محملة ببيانات وهمية لاستخدامها فى تلقى وتحويل الأموال المستولى عليها.
دعنا نقر بأن هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التى يقع فيها بعض المواطنين فى فخ النصب والاحتيال المغطى بورود الكسب الضخم السريع السهل.
فسبق أن حذرت أجهزة الأمن المصرية من التعامل مع التطبيقات مجهولة المصدر، خشية التعرض لعمليات النصب والاحتيال. وكلنا نتذكر “المستريح” وما تبعه من شبكات كثيرة مضللة احتالت على أموال المواطنين الراغبين فى الكسب السريع.
فكل استثمار يجب أن يكون ضمن الأطر الشرعية والقانونية المنظمة له، وأى استثمار خارج ذلك يعرض أموال المواطنين للخطر.
لذا يجب عدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة والوعود الزائفة للكسب الضخم السريع.
فالوعود الخيالية بالأرباح الطائلة فى وقت قصير، ما هى إلا وهم وتضليل وفخ للمواطنين.