وفاء عثمان
فى ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التى يشهدها العالم، أصبحت الصناعة أحد المحاور الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تبنت مصر استراتيجية طموحة لإنشاء مدن صناعية متخصصة بهدف تعزيز الإنتاج المحلى، وزيادة معدلات التصدير، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
هذه الخطوة لا تعكس فقط توجه الدولة نحو التصنيع، بل تسهم أيضا فى جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، وتطوير البنية التحتية الداعمة للصناعة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن إنشاء المدن الصناعية المتخصصة هو أحد أهم الأدوات التى تعتمدها الدول لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهذا ما أكده الدكتور على الإدريسى الخبير الاقتصادى، أن هذه المدن ليست مجرد تجمعات صناعية، بل منظومات متكاملة توفر للمستثمرين بيئة مهيأة للإنتاج، مع دعم لوجستى يتيح لهم سهولة الوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية.
وأضاف الإدريسى أن مصر قطعت شوطا كبيرا فى هذا المجال من خلال تطوير مناطق صناعية متخصصة مثل مدينة الروبيكى للجلود التى تمثل نقلة نوعية فى صناعة الجلود، ومدينة دمياط للأثاث التى تعد قاعدة صناعية وتجارية متكاملة لتصنيع الأثاث عالى الجودة، مشيرا إلى أن هذا التوجه ذكى من الدولة للاستفادة من الموارد المحلية ودعم الاقتصاد الوطنى، وأيضا يستهدف المساعدة فى تقليل معدلات البطالة.
وأوضح أنه عندما قررت الدولة إنشاء مدن صناعية متخصصة، كانت الفكرة الرئيسية هى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى بعض الصناعات الحيوية مثل الدواء والصناعات الغذائية، إلى جانب زيادة حجم التصدير، على سبيل المثال، مدينة الدواء بالخانكة لم تنشأ فقط لدعم السوق المحلية، ولكن أيضا لجعل مصر مركزا إقليميا لصناعة وتصدير الأدوية إلى أفريقيا وأوروبا، وهو ما يعكس رؤية طموحة لمستقبل القطاع.
وأشار إلى أن هذه المدن الصناعية تعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق الخارجية، حيث توفر بنية تحتية متكاملة تشمل شبكات الطرق، والموانئ، والخدمات اللوجستية، مما يجعلها عامل جذب للمستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن مواقع توفر تكاليف إنتاج منخفضة مع سهولة التصدير.
وأضاف قائلا: “عندما ننظر إلى التجارب الناجحة عالميا، نجد أن الدول الكبرى مثل الصين وألمانيا قامت بتخصيص مناطق صناعية متخصصة فى مجالات بعينها، مما ساعدها على زيادة إنتاجيتها وتعزيز صادراتها”.
وأشار إلى أن مصر تمتلك موقعا جغرافيا استراتيجيا يجعلها مركزا محوريا للصناعات المختلفة، خاصة مع تطوير شبكة الموانئ الحديثة التى تسهل عمليات التصدير للأسواق العالمية، مما يمنح المنتجات المصرية ميزة تنافسية.
واتخذت الحكومة المصرية قرار التوسع فى المدن الصناعية كجزء من رؤية مصر 2030، التى تهدف إلى تحويل مصر إلى مركز صناعى إقليمى وعالمى، وهذا التوجه جاء استجابة لتحديات عديدة أبرزها الحاجة إلى تقليل الفجوة بين الاستيراد والتصدير، وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات الصناعية، خاصة فى القطاعات التى تعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
وبالفعل نجحت الحكومة المصرية فى استثمار ما يقرب من10 مليارات جنيه خلال السنوات الماضية لإنشاء17 مجمعا صناعيا فى 15 محافظة، وهو ما يعد إنجازا كبيرا فى إطار دعم التصنيع المحلى.
ورغم الإنجازات الكبيرة التى تحققت فى ملف المدن الصناعية، يرى الخبراء أن هناك بعض التحديات التى تحتاج إلى حلول مبتكرة لضمان نجاح هذه المشروعات، وفى هذا السياق، يؤكد الدكتور عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أن أبرز هذه التحديات هو ضرورة تطوير سياسات تسويقية أكثر فاعلية لجذب المستثمرين الأجانب، مع تقديم حوافز استثمارية تنافسية.
وأشار الدكتور عبد المنعم السيد إلى أن إجراءات التراخيص والاستيراد والتصدير تحتاج إلى مزيد من التسهيلات، فالمستثمر الأجنبى يبحث دائما عن بيئة استثمارية مستقرة وسهلة الإجراءات، كما يجب تعزيز منظومة الحوافز الاستثمارية، مثل تخفيض الضرائب على الصناعات الاستراتيجية، وتقديم تسهيلات فى الحصول على الأراضى الصناعية.
وأكد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أن توفير مصادر طاقة مستدامة وتسهيل الإجراءات الإدارية للمستثمرين من العوامل الأساسية لنجاح المدن الصناعية، خاصة أن تطوير منظومة البحث العلمى والتدريب المهنى داخل هذه المدن سيسهم فى خلق كوادر مؤهلة لدعم المشروعات الصناعية الجديدة.