ولاء جمال
تشهد منطقة أهرامات الجيزة تحولا كبيرا مع انطلاق التشغيل التجريبى لمشروع تطويرها، فى خطوة تهدف لإعادة تقديم هذا الموقع الأثرى العالمى بصورة حضارية تليق به وبعظمة مصر وتاريخها، وتوفر تجربة سياحية أكثر تنظيما وحداثة للزوار، مع الحفاظ على روح المكان وطابعه التاريخى الفريد.
وقال الخبير السياحى محمد ثروت، رئيس لجنة السياحة العربية السابق بغرفة شركات السياحة: إن مشروع تطوير منطقة أهرامات الجيزة الذى بدأ تشغيله التجريبى مؤخرا لم يكن أمامه خيار آخر، فالوضع كان يستدعى بالفعل التدخل والتجديد والتطوير، مؤكدا أن هذا المشروع يعد خطوة ضرورية نحو إعادة تقديم واحدة من أهم المناطق الأثرية فى العالم بشكل حضارى يليق بمكانة مصر وتاريخها.
وأضاف أن الأمل فى النجاح كبير، فمصر دولة عظيمة وبإمكانها أن تحقق المستحيل بسواعد أبنائها المخلصين الذين يعملون من أجل رفعة الوطن.
وأكد أن المشروع يتضمن خطة شاملة لتحديث المنطقة الأثرية بالكامل، وتم بالفعل غلق المدخل القديم الذى اعتاد السياح دخوله على مدى سنوات طويلة، وتم استبداله بمدخل جديد أكثر تنظيما على طريق الفيوم، مع تخصيص مناطق لركوب الجمال والخيول بعيدا عن المسارات الأساسية للزيارة، ما يساهم فى تقليل التكدس والفوضى، ويوفر للزوار تجربة أكثر راحة وسلاسة، كما جرى تنظيم مسارات الزيارة داخل المنطقة بشكل يضمن استيعاب أكبر عدد من الزوار دون التأثير على جودة الزيارة أو سلامة الأثر.
ومن أهم ملامح المشروع أيضا أنه يهدف إلى تحويل زيارة الأهرامات إلى تجربة صديقة للبيئة، من خلال تقليل الاعتماد على وسائل النقل التقليدية داخل المنطقة، وتوفير وسائل نقل كهربائية حديثة تقل السياح فى جولاتهم، فضلا عن الاهتمام بالنظافة العامة وتوفير خدمات متكاملة مثل دورات المياه الحديثة، والتى كانت من أكبر الشكاوى التى يعانى منها السياح فى السابق، ومن المنتظر أن يتم الافتتاح الرسمى لهذا المشروع الضخم فى شهر يوليو المقبل، تزامنا مع الافتتاح المرتقب للمتحف المصرى الكبير، مما يعزز من قيمة الحدث ويضع مصر فى صدارة المشهد السياحى العالمى من جديد.
وخلال التشغيل التجريبى للمشروع، ظهرت بالفعل مؤشرات إيجابية كثيرة، أبرزها وجود مدخل حضارى مجهز بشكل جيد، ودورات مياه نظيفة، ووسائل نقل داخلية تليق بمستوى الموقع الأثرى، إلى جانب اختفاء البائعين الجائلين الذين كانوا يتسببون فى كثير من الإزعاج للزوار، وخاصة عند الهرم الأكبر، هذا الأمر ساهم بشكل مباشر فى تسهيل مهمة المرشدين السياحيين الذين أصبح لديهم الآن فرصة أفضل لشرح تاريخ الأثر ومكانته للسياح دون تشويش أو فوضى.
وأكد ثروت أن مشروع التطوير فى حد ذاته يمثل مشروعا قوميا من الطراز الأول، يتطلب تعاون كل الجهات المعنية، والاستماع إلى جميع الآراء، لاسيما من العاملين فى القطاع السياحى الذين يعرفون احتياجات السياح ومتطلباتهم عن قرب.
وأضاف أن السياحة صناعة دقيقة ولها طبيعة خاصة، وكانت هناك تجاوزات كثيرة فى الماضى داخل منطقة الأهرامات، مثل المضايقات من البائعين وسوء التنظيم، وكان لابد من وضع حد لهذه الظواهر التى كانت تسىء لصورة مصر.
وأشار رئيس لجنة السياحة العربية السابق بغرفة شركات السياحة إلى أن الشركة المسئولة عن التنفيذ رغم سنوات التحضير الطويلة، بدأت التشغيل التجريبى دون استعداد كامل، وهو ما يدعو إلى ضرورة مراجعة بعض الجوانب قبل الافتتاح الرسمى، حتى تكون الصورة النهائية على مستوى التطلعات.
وأوضح أن المشروع نفذ أيضا بناء على توصيات من منظمة اليونسكو، التى طالبت بتطوير المنطقة بما يراعى الحفاظ على الأثر وتحقيق تجربة سياحية بيئية ومستدامة.
من جانبه، أبدى الدكتور عبد النبى عبد المطلب، الخبير الاقتصادى بعض التحفظات على شكل المشروع، مؤكدا أن التطوير يجب ألا يخل بجوهر التجربة التاريخية.
وقال إن السائح الأجنبى عادة ما يبحث عن الشعور بالأصالة، وأن يعيش الأجواء التاريخية كما هى، ولذلك فإن أى تعديل أو تطوير يجب أن يتم بحرص شديد حتى لا يتحول الأمر إلى ما يشبه المجمعات التجارية أو السياحية التى تفتقد روح المكان.
وعلى الرغم من اعترافه بأهمية المشروع وهدفه فى الترويج للسياحة، فإنه تمنى ألا يعوق هذا التطوير استمتاع السائح بجو الأهرامات وطبيعتها الفريدة، مشيرا إلى تجارب سابقة مثل محاولة تطوير المنطقة من خلال عروض الصوت والضوء فى السبعينيات والثمانينيات والتى لم تنجح كما كان متوقعا، وعادت المنطقة بعدها إلى طبيعتها المفتوحة، متمنيا ألا يكرر المشروع الحالى نفس الأخطاء، وأن يحقق التوازن بين الحداثة والحفاظ على الروح التاريخية للمكان.