الإيكونوميست المصرية
كيف يمكن جذب استثمارات أجنبية لتوطين صناعة الدواء؟

كيف يمكن جذب استثمارات أجنبية لتوطين صناعة الدواء؟

فاطمة إبراهيم
تستهدف مصر توطين وتعميق صناعة الدواء فى مصر، فما هى الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فى هذا المجال؟ وكيف يمكن زيادة الاستثمارات الأجنبية ومن ثم زيادة صادراتنا من الدواء؟
توقعت وكالة “فيتش سوليوشنز” زيادة صادرات الأدوية بنسبة 39% خلال 4 سنوات لتصل إلى 466.5 مليون دولار عام 2029، مقارنة بـ 335.5 مليون دولار عام 2025، لافتة إلى أن إنشاء المركز الإقليمى لرفع القدرات التصنيعية الحيوية فى مصر يعزز قوة السوق المحلية ويجذب الاستثمار.
وأكد الخبراء أن الدولة تسعى جاهدة لتوطين صناعة الدواء، غير أنه يجب تقديم تسهيلات أكثر لتسريع عملية توطين وتعميق صناعة الدواء، مثل تقديم تسهيلات فى تراخيص الأراضى، ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية، مشيرين إلى أن صناعة الدواء يمكنها أن تكون ذراعا قوية لزيادة الدخل القومى وزيادة التصدير لاسيما للسوق الأفريقية التى قوامها 1.4 مليار نسمة تمثل 18% من سكان العالم.
وفى إطار تعزيز الإنتاج المحلى، شهدت مؤشرات الإنتاج والتصدير توسعا ملحوظا، فعلى صعيد الإنتاج، بلغ إجمالى عدد مصانع المستحضرات الصيدلية البشرية والعشبية والحيوية والبيطرية والمواد الخام 179 مصنعا، كما بلغت نسبة الاكتفاء الذاتى من الأدوية 91.3%، منها 93% إنتاج قطاع خاص.
وتوفر الدولة مخزونا استراتيجيا من المواد الخام للأدوية الأكثر طلبا يكفى لنحو 3 أشهر، فيما نجحت الدولة فى التغلب على مشكلة نواقص المستحضرات بنسبة تتراوح بين 97% و98%.
وأشار الخبراء لـ”الإيكونوميست المصرية” إلى أنه لتوطين صناعة الدواء فى مصر، قامت الحكومة بتنفيذ العديد من المشروعات، على رأسها تأسيس “هيئة الدواء المصرية” عام 2019، لتكون الجهة المسئولة عن تنظيم ومراقبة جودة وفاعلية المستحضرات والمستلزمات الطبية والمواد الخام، ومنحت الهيئة تراخيص لـ 31 مصنعا جديدا حتى الآن، إلى جانب توطين 180 مستحضرا مضادا حيويا بتركيزات وأشكال صيدلية متنوعة، فى خطوة تعكس الجدية فى تقليل الفجوة الدوائية.
وأشادت منظمة الصحة العالمية بتحقيق مصر مستوى النضج الثالث لتنظيم الأدوية واللقاحات متصدرة بذلك القارة الأفريقية.
فيما أكدت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أن صناعة الأدوية فى مصر تعد نموذجا متميزا يعكس محورية دور الإنتاج المحلى فى تحقيق الاكتفاء الذاتى.
من جهته، أكد الدكتور جمال الليثى رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية أن توطين صناعة الأدوية هو استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى وتوطين إنتاج الدواء محليا، بدلا من الاعتماد على الاستيراد، من خلال تطوير البنية التحتية، وبناء مصانع متقدمة مثل مدينة الدواء المصرية، وتوطين تصنيع المواد الخام والمستحضرات الحيوية والأدوية الأساسية مثل الإنسولين.
وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تقليل فاتورة الاستيراد، وتوفير أدوية بجودة عالية وبأسعار مناسبة، وتعزيز الأمن القومى، ورفع القدرة التصديرية.
وأشار الدكتور جمال الليثى إلى أن توطين صناعة الدواء يتطلب مجموعة من الحوافز تمنحها الدولة، مثل منح أراضٍ بأسعار مخفضة، وإعفاءات ضريبية، وإعفاءات جمركية، وعقد اتفاقيات مع الدولة لشراء الأدوية المصنعة محليا، وعدم استيراد أدوية لها بدائل محلية، وتسهيل فى تسجيل الأدوية الجديدة.
وأضاف أن هذه الحوافز مطلوبة لجذب استثمارات أجنبية لقطاع الأدوية، واصفا إياه بأنه قطاع واعد، ويمكن له أن يكون ذراعا قوية لزيادة الدخل القومى فى مصر، وكذلك التصدير، منتقدا إلغاء الإعفاءات الضريبية لمدة عشر سنوات.
من جانبه، قال الدكتور محيى حافظ عضو غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية: إن تعميق صناعة الدواء يعنى زيادة المكون المحلى فى المنتج المصرى، فتصنيع خامات الأدوية بدلا من استيرادها يمثل تعميقا للصناعة، أما التوطين فهو نقل تكنولوجيا لم تكن موجودة قبل ذلك، مثل الأدوية البيولوجية، وأدوية الأورام، ومشتقات الدم، مشيرا إلى أن الدولة تسير فى الاتجاهين بقوة سواء التعميق أو التوطين.
ولفت حافظ إلى أنه فى مجال توطين الأدوية يتم حاليا تجهيز العديد من المصانع لإنتاج الأدوية البيولوجية، ومصانع للقاحات، وتحقيق طفرة كبيرة فى تقليل فجوة استيراد المستحضرات المعقدة التى يتم استيرادها بتكلفة مرتفعة، مضيفا أنه جار العمل فى مجال تعميق صناعة الأدوية فى خامات الأدوية وبعض مستلزمات صناعة الدواء.
وأضاف أن الدولة تحقق كذلك نجاحات مستمرة فى توطين صناعات العقاقير واللقاحات والمواد الفعالة وغير الفعالة، شملت صناعة الإنسولين، حيث تم إطلاق أول دفعة من عقار الإنسولين “جلارجين” المصنع محليا فى ديسمبر 2024، فضلا عن توطين مستحضرات علاج فيروس كورونا (باستثناء مستحضر واحد)، وتم كذلك توطين 50 مثيلا محليا لمستحضرات دوائية، ليوفر فاتورة استيرادية بقيمة 182 مليون دولار سنويا.
وفيما يتعلق بالمواد الفعالة وغير الفعالة، تم توطين 129 مادة فعالة، كانت تكلفة استيرادها 633.7 مليون دولار، كما تم البدء فى التفاوض على توطين 30 مادة غير فعالة من إجمالى 280 مادة، تمثل أكثر من 60% من الاستيراد.
ونوه عضو غرفة صناعة الدواء إلى أن أى توطين أو تعميق للصناعة يعد استثمارات جديدة سواء جذب تكنولوجيا لتصنيع أدوية غير متوفرة.
ووقعت الدولة عدة اتفاقيات مع كبرى شركات الأدوية العالمية، مثل “أبوت” و”سانوفى”؛ لتوطين صناعة الدواء ونقل التكنولوجيا إلى السوق الداخلية، كما تم تعزيز استثمارات شركات كبرى مثل “إيبيكو”، التى تمثل صادراتها 25% من إجمالى صادرات مصر الدوائية، وتسعى عبر مصنعها الجديد “إيبيكو 3” إلى إنتاج البدائل الحيوية باستثمارات تتجاوز 100 مليون دولار.
وتتفق هذه الشراكات مع توجه الدولة لبناء صناعة دوائية قائمة على المعرفة والتكنولوجيا، وهو ما يظهر أيضا فى دعم مجمع “فاكسيرا” لإنتاج اللقاحات البيطرية والبشرية بطاقة تبلغ 700 مليون جرعة سنويا؛ مما يوفر قاعدة تصنيعية ضخمة قابلة للتوسع التصديرى.
وبناءً على هذه الشراكات والاستثمارات، شهدت مؤشرات الإنتاج تطورا ملحوظا، حيث بلغ عدد مصانع المستحضرات الصيدلية والمواد الخام فى مصر 179 مصنعا، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتى من الأدوية نحو 91.3%، منها 93% تنتجه شركات القطاع الخاص، ويُعد ذلك دليلا عمليا على نجاح جهود الدولة فى تمكين القطاع المحلى وتحقيق الأمن الدوائى.
وقال الدكتور بلال شعيب الخبير الاقتصادى: إن توطين صناعة الدواء مهم جدا خاصة أن الحكومة كانت تستورد نحو 70% من احتياجاتنا من الدواء من الخارج، غير أن الوضع تغير خلال الخمس سنوات الأخيرة نتيجة اتجاه الدولة لتوطين هذه الصناعة والقضاء على مشكلة نقص الدولار، وانخفض هذا الرقم إلى أقل من 30% .
وأضاف أن مدينة الدواء التى تم إنشاؤها مؤخرا، تساهم بشكل فعال فى سد فجوة الدواء، وتوطين صناعة الدواء، فضلا عن أن الدولة تعمل حاليا على جذب رؤوس أموال أجنبية لصناعة الدواء بما ينعكس بالإيجاب على تنمية هذه الصناعة التى تعتمد فى جزء كبير منها على البحث العلمى، وهذا يتطلب موازنات خاصة .
وتم افتتاح مدينة الدواء “جيبتوفارما” عام 2021، وتعد أكبر المدن الدوائية على مستوى الشرق الأوسط، حيث يبلغ حجم إنتاجها الفعلى 100 مليون عبوة سنويا، مع استهداف الوصول إلى 150 – 200 مليون عبوة عام 2025.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن الدولة تقدم اليوم تيسيرات فى تخصيص الأراضى أوالحصول على التراخيص، لجذب استثمارات أجنبية، ومن ثم تدوير صناعة الدواء، لاسيما أن مصر لا تسعى فقط لسد فجوة الدواء داخل السوق المصرية، وإنما تهدف إلى تصدر الدواء إلى السوق الأفريقية التى تكاد تنعدم بها صناعة الدواء.
وتابع شعيب أن السوق الأفريقية قوامها السكانى يصل إلى 1.4 مليار نسمة بنسبة 18% من حجم سكان العالم، ومن ثم فإن نمو صناعة الدواء، يزيد من حجم الصادرات، التى من المستهدف الوصول بها إلى 100 مليار دولار، بالإضافة إلى استفادة مصر من بعض الاتفاقيات مثل اتفاقية التريبس التى تحمى حقوق الملكية الفكرية فى مجال الدواء.
وأضاف أن بعض القوانين الدولية تسقط حقوق الملكية الفكرية عن صناعة الدواء بعد 15 عاما ويمكن إنتاج الدواء، وتسعى مصر لإنتاج الأدوية التى ليس عليها حقوق ملكية فكرية، وتصنيعها داخل مصر بالإضافة إلى مجال البحث العلمى فالأدوية المحتاجة تأخذ براءة اختراع، وتسجل باسم شركات مصرية، ويمكن لنا تصنيعها، حيث بدأنا ندخل فى مجال البلازما، ومجال المعدات الطبية التى ترتبط بشكل أو بآخر بصناعة الدواء.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *