بقلم: نيفين إبراهيم
فارقنا الكثيرون فى عام 2020، فراح البعض يسب العام ويدعو من قلبه أن يرحل ويصب جام غضبه على السنة المميزة جدا 2020..
كان كل ما حدث فى هذا العام يدعو إلى التأمل والتفكر.. هذا الحدث غير السعيد الذى وحد العالم كله، جعلنى أنا شخصيا أدرك أن كل البشر سواسية فى كل شىء، فلا وجودك فى أمريكا أو إنجلترا كان سيحميك من الموت لو كان جهازك المناعى ضعيفا أو ظروفك الصحية متدهورة ولا أموال الكون تستطيع أن توقف قدر الله..
أكثر شىء لافت للنظر هو أن الكثيرين راحوا يسبون العام وما فيه وكأن الوقت دخيل علينا، وكأن هناك ضمانا أن العام التالى أجمل أو أروع، فى حين أنه فى واقع الأمر، لا توجد ضمانات فى الحياة لأى شىء، كل شىء قابل للتغير وللزوال..
كل شىء بقدر، وجزء كبير من سعادة الشخص وإحساسه بالرضا يكمن فى أن يفهم ويعى أن الوقت هو عامل أساسى فى وجودنا على الأرض، فهو يمر بنا سواء أحببنا أم لم نحب ومع دوران عجلة الزمن، نمر باختبارات وابتلاءات ومنح ومحن لا نختارها بل هى تختارنا، لأن الله هكذا أراد..
أرى المحن بمثابة سؤال فى امتحان مرحلة من مراحل عمرنا، يريد الله أن يرى كيف سنتعامل معها، ماذا سيكون رد فعلنا تجاهها، ماذا سنتعلم منها؟ هذه المحن والمنح حدثت وستحدث لكل منا بطرق مختلفة، قدرها الله، تفاعلنا وطريقة تعاملنا معها، يعقبه دائما تغير ملحوظ فى شخصياتنا وفى نمط وأسلوب حياتنا.. الله أرحم من أن يبتلينا لمجرد الابتلاء، نحن فقط لا نريد أن نفهم.. لا نستطيع أن نستوعب أننا هنا على كوكب الأرض فى رحلة طالت أم قصرت، فحتما لها نهاية وإننا جئنا لنتعلم لا لنتشاحن ونفضح ونكيد ونقتل ونفسق.
إذا استطاع الإنسان أن يفهم قواعد اللعبة، سيعيش بلا جزع، سيتعلم كيف يتغلب على أحزانه، سيفهم أنه سيلتقى يوما ما مع أحبائه، سيعرف أنهم سبقوه إلى مكان آخر، وأنهم حتما بخير وفى مكان أفضل، مثل من أنهى دوره فى مسرحية، فلم يعد يظهر على خشبة المسرح ولكنه جالس فى الكواليس يرى زملاءه وهم يؤدون أدوارهم..
فى عام 2020، أصبحت فيلسوفة، رحت أفكر كثيرا فى فلسفة الزمن والمكان.. وقرأت كثيرا عن الأمر، وعرفت أنه تم تسجيل أول شرح لفلسفة الزمن والمكان من قِبل المفكر المصرى بتاح حتب فهو الذى قال: لا تقلل من وقت الرغبة التالية، فإن إضاعة الوقت عمل بغيض للروح، فى إشارة إلى أهمية الوقت.. وأن أفلاطون فى تيماوس، عرّف الوقت على أنه الفترة اللازمة لحركة الأجرام السماوية.. أما أرسطو، فقد عرّف الوقت بأنه عدد من التغيرات مع الأخذ فى الاعتبار الحالة قبل وبعد تلك التغييرات.
وفى اعترافات القديس أوغسطين، فقد تأمل فى طبيعة الزمن وقال: ما هو الزمن إذن؟ إذا لم يسألنى أحد فأنا أعلم، وإذا رغبت فى أن أشرحه لسائل ما، فأنا لا أعلم.
وإذا أبحرت فى الفلسفة، ستجد أن الكثيرين فكروا وتأملوا واتفقوا أحيانا واختلفوا أحيانا أخرى، ولكن من المؤكد أنه سواء اتفق أم اختلف الفلاسفة، فإن الزمان والمكان عاملان أساسيان فى رحلتنا على الأرض، وأنه علينا دائما أن نفهم أهمية عامل الوقت، فى كل قرار، فى كل علاقة، فى كل مشروع وفى كل ظرف، حتى فى اللغة العربية، لابد وأن تتعلم فى قواعد النحو “ظرف الزمان وظرف المكان”.. وفى الحياة، إذا أردت النجاح، فعليك قبل أن تتفوه بكلمة، أن تعى وتفكر فى صداها فى الآخرين وعلى الموقف، وتعرف أن نفس الكلمة لنفس الشخص قد تكون مقبولة فى وقت ما ومرفوضة تماما فى وقت آخر..
أنحنى احتراما لسنة 2020 لأنه على المستوى الشخصى، مررت خلالها بالكثير من التجارب التى غيرتنى للأفضل، أعادت إلىّ سلامى النفسى وعززت ثقتى بنفسى وبالله، وأيقنت أن مقولة “الوقت عدو مجتهد، لا يقتله إلا مجتهد” هى مقولة صحيحة 100%.. فكل من يعيش بلا تقدير لقيمة ما يمكن أن يفعله بالوقت (هذا الكنز الذى أعطاه الله لجميع خلقه بلا تمييز) هو فى حقيقة الأمر إنسان يضيع أهم عامل من عوامل السعادة والنجاح، من هذا المنظور، كانت سنة 2020 من أجمل سنوات عمرى على المستوى الشخصى على الإطلاق، فقد استعدت فيها توازنى، عرفت كيف أغربل المحيطين حولى، فأبقى على من يستحق البقاء فى عالمى ومحيطى وأبعد من لا يستحق أن يُوجد فى عالمى وأضع كل إنسان فى حجمه الطبيعى، وهو إنجاز بكل المقاييس، فأحيانا الطاقة السلبية التى يبثها الآخرون من حولك، تؤثر عليك وتُرهق روحك وتسنتزف طاقتك فى هراءات لا تستحق أن تضييع وقتك فيها.
أما أهم إنجاز بالفعل فهو أننى أثبت للجميع أن النجاح ليس ضربة حظ، بل هو نتاج لمجهود شاق ومضنٍ وعمل دءوب واستثمار للوقت فى أفعال يفخر بها الشخص ويفيد نفسه ومحيطه ومن حوله. الوقت والوقت ولا شىء غير الوقت..
فى محيط العمل، أعيش مع فريقى الجسور، لحظة سعادة استثنائية بعد أن كلل الله جهودنا بالنجاح وافتتحنا أول مشروع لنا وسط تحديات الكورونا فيروس والمخاوف التى قتلت ووأدت العديد من مشاريع الآخرين.
وطبعا لا للغرور، فنحن فى اختبار مستمر، والغرور عدو النجاح على كل المستويات، والتوفيق دائما من الله تعالى.. وفى لحظة قد ينتهى كل شىء، فلنردد دائما ونذكر أنفسنا بإننا عابرون والدنيا ليست لنا، فلنترك خلفنا عملا صالحا وإنجازات تربط أسماءنا بالفرح والفخر والسعادة والنجاح.
لا تتركوا خلفكم ميراث غضب أو حقد أو حزن، احرصوا على ترك ميراث يفخر به أولادكم، فالإنسان سيرة والحياة أجمل بالعمل المثمر على كل المستويات. “كل سنة وأنتم طيبين ومبسوطين” ودائما مؤثرون بالفرح والإيجاب فيمن حولكم.