الإيكونوميست المصرية
لحظة ليست مثل أى لحظة…… بقلم: نيفين إبراهيم

لحظة ليست مثل أى لحظة…… بقلم: نيفين إبراهيم

بقلم: نيفين إبراهيم

فى فيلم “حكاية ورا كل باب” المأخوذ عن القصة القصيرة “أريد أن أقتل” لتوفيق الحكيم، تدورالأحداث عن زوجين محبين يتبادلان كلمات الحب والغرام ويؤكدان لبعضهما دوما ودائما أن كل منهما يتمنى أن يكون يومه قبل يوم الآخر، ثم يشاء القدر أن تفاجئهما شابة مجنونة وتدخل إلى البيت حيث تركوا الباب مفتوحا للحظات، فتهددهم بالقتل ثم تترك لهما اختيار أحد منهما كى تقتله، وهنا تنقلب الأحداث بالنسبة للزوجين ويسعى كل منهما للحفاظ على حياته على حساب الآخر ونكتشف بعد أن تغادر الفتاة المريضة نفسيا المنزل، أنهما ربما نجيا من الموت ولكن هذه الواقعة المفاجئة، حطمت أسطورة حبهما وأنه لم يعد من الممكن تصديق أن أيا منهما يحب الآخر أكثر من نفسه.
تذكرت هذه القصة عندما أخبرتنى صديقة عاشت ثلاثين سنة مع زوجها متصورة أنه الزوج المثالى العاشق المتفانى – وكانت قصة حبهما وزواجهما الناجح مضرب الأمثال- أنها استلمت رسالة على “الواتس آب” منه بالغلط، فعرفت منها أنه متزوج بأخرى وأنها آخر من يعلم!
فى واقعة أخرى، تأتى نتيجة تحليل عارض طلبه الطبيب لتقلب المنزل رأسا على عقب إذ يكتشف أحدهم فجأة إصابته بمرض خطير وأنه لم يعد يتبقى له إلا أياما أو شهورا معدودة فى الحياة، فتتغير حياته وحياة كل من حوله وتأخذ الحياة منعطفا جديدا ويبدأ الجميع فى رؤية كل شىء فى الدنيا بمنظور مختلف.
وفى سيناريو آخر، يحدث شىء يجعلك تكتشف أن هذا الصديق الذى طالما ظننته توأم روحك وقضيت معه عقودا من العمر وأنت تتصور أنه لن يتوانى عن أن يفديك بروحه لو حدث وأن تعرضتم لأى موقف يستدعى ذلك، فجأة يمن الله عليك بعطية لم تكن فى الحسبان، فيفرح لك القريب والبعيد، ثم تتفاجأ أن هذا الصديق بالذات لم يفرح لك، بل غار من عطية الله لك وراح يقارن بين حالك وحاله وتؤكد تصرفاته أنه يشعر أنه الأولى وأنك لا تستحق بل وأنه مغموم لأن الله خصك بهذه العطية!
كم مرة تعرضنا لصدمات مثل تلك؟ كم مرة خابت ظنوننا فيمن حولنا؟ كم مرة اكتشفنا أننا نعيش فى كذبة؟
لا شىء يقتل الروح ويمرضها أكثر من تعرضها للخيانة من أقرب الناس لها..
يقول الطب النفسى إن على الإنسان أن يعترف بما حدث وألا يحاول أن يجد تفسيرات أو تبريرات بلا جدوى، عليه فقط أن يعترف بأن العلاقة سواء كانت زمالة، صداقة، حب.. زواج أو حتى قرابة، لم تكن علاقة صادقة، بل كانت مثل أداء لاعب الكرة الذى ينزل للملعب وتنتهى المباراة بينما هو لم يلمس الكرة ولم يقم بأى تمريرة ولم شارك فى المباراة، فقال المحللون إنه لم يُختبر.
وهكذا الحياة، يوجد علاقات لم تُختبر.
لا يوجد ثوابت ولا يوجد شخص يستحق أن تقف حياتنا عليه، علينا دائما أن نفترض حسن النية فى علاقاتنا وأن نتحسب فى ذات الوقت للصدمات… لا أحد سيحبك أكثر من نفسه إلا أمك، لا أحد سيفرح لك من قلبك إلا دمك، لا أحد سيحب أن يراك ناجحا متألقا وسعيدا إلا الأصفياء الأوفياء وهم قلة.
أحيانا أغمض عيناى وأتأمل شريطا طويلا من الذكريات، ألمح شخصيات دخلت حياتى وحياة أسرتى وكانوا أكثر من أهل وفجأة سقط القناع فى مواقف ومع أحداث لم تكن أبدا متوقعة، ورأينا الوجه الحقيقى والقلوب المُعتمة والنفوس المريضة…
حزنّا ؟ نعم ! صُدِمنا ؟ أجل ! ولكن بعد أن واجهنا أنفسنا، سجدنا للرحمن وشكرنا، فمن يحبه الله، يكشف له حقيقة من حوله.
نحن نتعلم وننضج بمرور الآخرين فى حياتنا، لا أحد يوجد فى حياتنا صدفة … علينا أن نتقبل أننا فى اختبار دائم، المنح والمحن، كلاهما ابتلاءات واختبارات، ننضج من خلالهما ونتعلم.
ليس من المفترض أن يكون كل من مر فى حياتنا ملائكة، فالملائكة لا تمشى على الأرض، والبشر خطاء ويجمع بين الخير والشر وعلينا أن نعى ونفهم، أن الجميع ليسوا أنقياء وأتقياء وأن نضع كل إنسان فى حياتنا فى حجمه الطبيعى ولا نعطيه أكثر من حجمه.
علمتنى الحياة أن الغضب الشديد والحزن المستمر والرغبة فى الانتقام ممن آذونا ما هى إلا طاقة سلبية تحرقنا نحن أولا وتعوق تقدمنا فى الحياة وخسارة فى هؤلاء أن نجعلهم يشغلون حيزًا فى حياتنا ويستهلكوا طاقتنا حتى فى الغضب منهم.
قمة الإيمان أن نشكر الله وأن نتجاهلهم وننساهم تماما ولا نفكر حتى فى الانتقام ممن أساؤا إلينا. توجد حكمة صينية تقول: لا تنتقم..اجلس على حافة النهر وانتظر.. وذات يوم سوف يجىء التيار حاملاً معه جثة عدوك.
بعد أن تعرف حقيقة الأشخاص من حولك وبعد أن تتلقى أى صدمة فى الحياة، خذ وقتك واحزن ثم لملم أشتات نفسك وروحك المتعبة وتعلم الدرس وانساهم، بمعنى آخر اقلب الصفحة وابنى نفسك من جديد، أمضى فى طريقك وانسى الألم وتذكر الدرس، وكما قال ألبير كامو: “هناك أشخاص يجب ألا نمنحهم أكبر من حجمهم كى لا نخسر الكثير من حجمنا”.. وكلما نضجنا، سنتعلم أنه يجب ألا نتعلق بشىء ولا بأحد، علينا أن نتذكر دائما أننا فى رحلة مؤقتة على الأرض وأن كل من التقينا بهم أو سنلتقى ما هم إلا أشخاص عابرون فى حياتنا وأنه يجب ألا نميل ميلا كبيرا فى أى علاقة من علاقاتنا حتى لا ننكسر بشدة..
ثم علينا أن نتذكر من بقوا معنا وعضدونا وساندونا، ونتمسك بهم بكل قوة ونعطيهم من وقتنا واهتمامنا لأنهم ثروتنا الحقيقية فمن يحبنا حقا، يظل معنا حتى آخر العمر، حتى وإن تقطعت كل الحبال، فأنهم يعيدون نسجها ويصلونا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا… أحيانا أشعر بأننى أغنى امرأة فى الكون بحب أصدقاء حقيقيين مروا فى حياتى وبقوا، هؤلاء يستحقون اهتمامنا، طاقتنا الإيجابية، وقتنا ودعاءنا فى صلواتنا.
الغنى الحقيقى فى الحياة هو غنى النفس بالحب والصدق والرضا ويأتى بالإيمان وبالتجارب التى صهرتنا وأخرجت أحسن ما فينا وبالأصدقاء المخلصين والأحباء والذكريات الحلوة والإحساس بأنك لست وحدك فى هذا الكون وأن الله معك يًنير طريقك ويزيح منه من لا يستحق شرف مصاحبتك فى هذا الكون.

Related Articles