فاطمة إبراهيم
تستهدف الحكومة توطين عددٍ من الصناعات فى مصر، من بينها المحركات الكهربائية والمولدات والصمامات والمضخات وأجهزة تنقية المياه والأدوات الكهربائية والخلايا الشمسية ولوحات التحكم الكهربائية وتوزيع الطاقة.
فهل حان الوقت لتشجيع المُصنِّعين على إنتاج احتياجاتنا بدلا من استيرادها، وخفض فاتورة الواردات؟ وما الشروط التى يجب توافرها فى الصناعات التى يمكن توطينها للنجاح فى ذلك؟
أكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء أن مصر تسعى لخفض فاتورة الاستيراد السنوية، من خلال حصر الفرص الاستثمارية فى قطاع الصناعة، وتوطين هذه الفرص، موضحا أنه تم حصر 152 فرصة استثمارية فى قطاع الصناعة، ولو تَمكنَّا من توطين هذه الفرص وبدأ الإنتاج، بما يُلبِّى احتياجات السوق المحلية، فإن ذلك سيوفر على الدولة مبلغ 25 مليار دولار من فاتورة الاستيراد السنوية.
ونجحت الإجراءات التى أعلنتها الحكومة المصرية فى إطار تقنين الواردات، فى خفض إجمالى قيمة الواردات المصرية بنسبة 13.5% لتنخفض القيمة الإجمالية للواردات إلى نحو 83.2 مليار دولار، مقابل نحو 96.2 مليار دولار خلال العام 2022، بانخفاضٍ بلغت قيمته 13 مليار دولار.
وجاءت الصين فى صدارة القائمة التى استوردت منها مصر خلال العام الماضى بقيمة واردات بلغت نحو 12.9 مليار دولار، وفى المركز الثانى حَلَّت الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 5.4 مليار دولار، ثم السعودية بقيمة 5.2 مليار دولار.
من جانبهم، أكد الخبراء أن خطة توطين الصناعة يجب أن تعتمد على توافر عدة عناصر من بينها: توافر المادة الخام محليا، ولا تحتاج إلى تكنولوجيا معقدة، وتتمتع مصر فيها بمزايا تنافسية، والتركيز على زيادة المُجمَّعات الصناعية ومنح حوافز ضريبية وتشريعية لإنجاح هذه الخطة، مشيرين إلى أن الهدف الأهم فى الفترة الحالية هو كيفية الحفاظ على استقرار سعر الصرف، لأن المواطن لا يمكنه تحمل عبء خفض الجنيه وتعويمه مرة أخرى.
وتتبنى الحكومة برنامجا يهدف لبناء اقتصاد تنافسى جاذب للاستثمارات، بالإضافة إلى كونه اقتصادا مرنا قادرا على مواجهة التقلُّبات والتغيُّرات العالمية المُتسارعة، ولديه مقومات الانطلاق والنمو المُستدام، ولتحقيق ذلك تولى الحكومة اهتماما كبيرا لتطوير الصناعة الوطنية كإحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المُستدامة.
وتسعى الحكومة لزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية، وتستهدف زيادة معدل نمو الصادرات بما يتجاوز 15% سنويا، من خلال تحفيز الصادرات السلعية والبترولية وتعزيز الصادرات الخدمية.
ويساهم ارتفاع الصادرات المصرية بصورة مباشرة فى ضبط الميزان التجارى الخارجى للبلاد، حيث تراجع عجز الميزان التجارى بنحو 11 مليارا و158 مليون دولار، وسجل 36 مليارا و908 ملايين دولار مقابل 48 مليارا و66 مليون دولار خلال عام 2022.
الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أشارت إلى وجود فرصة هائلة لتوطين الصناعة وزيادة الصادرات وخفض فاتورة الواردات، من خلال إعطاء الأولوية للصناعات البسيطة، بحيث تستوعب التكنولوجيا التى تعمل بها بشكل سريع، فالهدف الأهم الآن هو الحفاظ على قيمة الجنيه، لاسيما أن سعره حاليا لا يعبر عن قيمته الحقيقية، وحجم الموارد التى يتمتع بها الاقتصاد المصرى، والأصح البعد عن أى تعويم جديد.
وأضافت أنه يجب العمل على زيادة الطاقة الإنتاجية، وتوطين الصناعات ذات المكون المحلى المرتفع، والتى نتمتع فيها أيضا بميزة نسبية، فمثلا صناعة مثل الزبيب يمكن توطينها لاسيما أن المنتج متوفر وعلى درجة عالية من الجودة، لكن يجب العمل على زيادة الإنتاج، وكذلك تحلية المياه ويمكن إنتاج المواد الكيماوية المساهمة فى هذه الصناعة وليس الاقتصار على الأدوات أو الماكينات المستخدمة فيها.
ولفتت د. يمن الحماقى إلى أن هناك شروطا يجب توافرها فى الصناعة التى تستهدف الدولة توطينها من بينها الاعتماد على مواد خام محلية، نتمتع فيها بمزايا تنافسية، لا تحتاج لتكنولوجيا معقدة؛ فعلى سبيل المثال صناعة الخلايا الشمسية تحتاج لتكنولوجيا معقدة، لكن من الممكن منح حوافز ومزايا لشركات أجنبية لإنتاج هذه الصناعة بكفاءة أعلى، والاستفادة من تدريب العمالة، ولدينا المادة الخام، ويمكن ربطها بالبحث العلمى والاستفادة من التجارب العالمية فى ذلك، دون اللجوء إلى الاقتراض، فالهدف الأساسى هو استقرار سعر الصرف.
وتستهدف الحكومة زيادة مساهمة الاقتصاد الأخضر فى الناتج المحلى الإجمالى، من خلال مضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء إلى إجمالى الاستثمارات العامة إلى نحو 55% عام 2026، وأن تصبح مصر مركزا عالميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، كما ستعمل الحكومة على حفز الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وتتبنى الحكومة إستراتيجية قومية للاستثمار (2024 – 2030) تهدف إلى تشجيع الاستثمار فى عددٍ من القطاعات التى تستهدف الدولة زيادة مساهماتها فى الناتج القومى، مع زيادة الاستثمارات الخاصة إلى مستويات تتراوح ما بين 60% و65% من إجمالى الاستثمارات، ورفع معدل النمو السنوى للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى نحو 14%، فضلا عن ربط الحوافز والإعفاءات الضريبية للاستثمار المحلى والأجنبى المباشر بالأنشطة والصناعات المستهدفة وكذلك بنسبة صادراته للخارج.
من جهته، قال الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادى إن توطين الصناعة أمر فى غاية الأهمية فى ظل وجود فجوة كبيرة فى التمويل؛ فالمشكلة ليست فى الاستيراد وإنما فى تدبير العملة الأجنبية، مشيرا إلى أن الحكومة تركز حاليا على الصناعة وزيادة الإنتاج المحلى.
وأضاف خضر أنه لتوطين صناعة مثل المحولات الكهربائية نحتاج لحوافز تشريعية وضريبية للقطاع الخاص، والمستثمرين للإقبال على هذه الصناعة، لخفض فاتورة الاستيراد، ومن ثم توفير كم كبير من العملة الأجنبية، فضلا عن ضرورة خفض أسعار الفائدة، والعمل على زيادة المُجمَّعات الصناعية.
ولفت إلى أن دولة مثل المغرب كان لديها مشكلة فى تصنيع السيارات، وضعت خطة لدعم صناعة السيارات، واستطاعت النهوض بالصناعة لديها وزيادة الإنتاج من 100 ألف سيارة إلى نحو 500 ألف سيارة فى العام بما يحقق التوازن فى الأسعار فى السوق الداخلية.
ونوه خضر إلى أنه يمكن عمل جدول للصناعات التى تستهدف الدولة توطينها، وكل عام تمنح حوافز لصناعةٍ بعينها؛ فمثلا لو بدأنا بصناعة المحولات الكهربائية، وبعدها الصناعات الغذائية، وزيادة الإنتاج، وزيادة التنافسية لتحقيق التوازن فى الأسعار، وبذلك نستطيع خلال خمس أو ست سنوات توطين العديد من الصناعات، وزيادة الصادرات المصرية.
وبلغت صادرات مصر السلعية خلال العام الماضى نحو 35.631 مليار دولار، وفق ما أعلنته وزارة التجارة والصناعة.
فى السياق ذاته، أكد الدكتور محمد الكيلانى، الخبير الاقتصادى أن الحكومة تستهدف تعزيز الإنتاج والتصنيع المحلى، واستهداف التحول إلى اقتصاد تنافسى من خلال تعميق الصناعات المحلية، وتوطين الصناعات المتقدمة، والاستفادة من المزايا التى تتمتع بها مصر فى عددٍ من القطاعات التى يأتى على رأسها قطاعات الزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مضيفا أن الحكومة تتبنى سياسات تستهدف زيادة نصيب قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى 38% فى عام 2026/ 2027.
ولفت الكيلانى إلى أن توطين الصناعة يجب أن يكون فى الصناعات التى تعتمد على المكون المحلى بنسبة تتراوح ما بين 80% و100%؛ فمثلا الصناعة التى تعتمد على مكون استيرادى بنسبة 50% لا نقوم بتوطينها لأن ذلك يتسبب فى فجوة دولارية، وأزمة كبيرة نحن فى غنى عنها الآن، لافتا إلى أن الحكومة تمكنت من توفير نحو 2000 سلعة مكتملة الصنع تعتمد على منتجات محلية.
وتعمل الحكومة على تطوير هيكل النشاط الاقتصادى، لنتحول إلى اقتصاد تنافسى من خلال تعميق الصناعات المحلية، وتوطين الصناعات المتقدمة، والاستفادة من المزايا التى تتمتع بها مصر فى عددٍ من القطاعات التى يأتى على رأسها قطاعات الزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفى سبيل تحقيق ذلك تتبنى الحكومة سياسات تستهدف زيادة نصيب قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى 38% فى عام 2026/2027.
وتولى الحكومة اهتماما كبيرا لقطاع الزراعة من خلال التوسع الأفقى وتوسيع مساحة الأراضى الجديدة المستصلحة فى المناطق الصحراوية باستخدام الموارد المائية الجوفية وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعى، كما تتبنى تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية للمحاصيل الزراعية، وتعمل على تحسين إنتاجية المحاصيل الإستراتيجية من خلال استنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية وقليلة الاحتياج المائى ومتحملة للتغيرات المناخية.