فاطمة إبراهيم
يعانى الاقتصاد المصرى من أزمة حادة إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة وأسعار المواد الغذائية مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى معدلات غير مسبوقة على مستوى العالم، إلى جانب قيام الفيدرالى الأمريكى برفع الفائدة على الدولار، مما تسبب فى هروب استثمارات غير مباشرة من سوق أدوات الدين المحلية بنحو 22 مليار دولار نجم عنه نقص فى الموارد الدولارية. فمتى تنتهى هذه الأزمة؟ وما الإجراءات التى يجب القيام بها لاحتواء تلك الأزمة وعبورها بسلام؟
أكد المصرفيون أن انتهاء الأزمة الاقتصادية يتوقف على مجموعة من العوامل بعضها محلى والآخر خارجى؛ فالنسبة للعوامل المحلية يجب استقرار سوق الصرف، والقضاء على الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية لتدفق الموارد الأجنبية عبر قنواتها الرسمية، والتركيز على التصدير وزيادة الإنتاج، وتنفيذ برنامج الطروحات وتخارج الدولة من بعض الاستثمارات المملوكة لها لإتاحة مجال أكبر لمشاركة القطاع الخاص فى النمو الاقتصادى.
وكثفت الحكومة المصرية من محاولاتها لحل الأزمة الاقتصادية عبر إجراءات متنوعة تستهدف اجتذاب عملات أجنبية وموارد مالية لدعم الموازنة تضمنت تعديلات لآليات تنظيم الاستيراد، ومحفزات للمصريين بالخارج تسمح باستيرادهم لسيارات مقابل ودائع مالية بالعملات الأجنبية، فضلاً عن إعلان موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسى على وثيقة “ملكية الدولة” والتى تمهد لتخارج نسبى للمؤسسات المملوكة للدولة من الأسواق لإتاحة “مجال أكبر لمشاركة القطاع الخاص فى النمو الاقتصادى”.
وأعلن البنك المركزى المصرى وقف آلية العمل بـ”الاعتمادات المستندية” لدى تنفيذ العمليات الاستيرادية، والعودة إلى صيغة “مستندات التحصيل” إلى جانب “الاعتمادات المستندية”، والتى من شأنها تسهيل عمليات الاستيراد.
وأعلنه الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء أن “وثيقة سياسة ملكية الدولة” دخلت حيز التنفيذ بعد موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسى عليها.
وتوقع صندوق النقد الدولى، تزايد معدل نمو الاقتصاد المصرى إلى 4% خلال العام المالى الجارى 2022 / 2023، ثم 5.3% فى العام المقبل، وصولا إلى 5.7% فى العام المالى التالى له، و5.9% فى 2025 / 2026.
وتوقعات الصندوق لإيرادات موازنة مصر 1.6 تريليون جنيه فى 2022 – 2023، ثم 1.9 تريليون جنيه فى 2023 -2024، وصولا إلى 2.2 تريليون جنيه فى 2024 – 2025 .
ورجح تراجع التضخم الأساسى إلى 7% بحلول السنة المالية 2024/ 2025، وتوقع أن تسجل موازنة الدولة فائضا بنسبة 2.1% من إجمالى الناتج المحلى.
أما بالنسبة للعوامل الخارجية، فتتمثل فى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وخفض الفيدرالى الأمريكى لسعر الفائدة على الدولار.
وتحتاج مصر إلى استثمارات بقيمة 100 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة؛ لسد الفجوة الدولارية البالغة 30 مليار دولار.
والمقصود بالفجوة الدولارية، هو الفارق بين الموارد الدولارية التى تحصل عليها الدولة من المصادر المختلفة كل عام مثل التصدير أو السياحة أو الاستثمارات الأجنبية أو التحويلات الخارجية، والمبالغ الدولارية المطلوبة منها لسداد التزاماتها مثل الديون الخارجية أو الاستيراد.
وفى ظل المدفوعات الدولارية الكبيرة التى تحتاجها مصر سنويا، خاصة أنها تستورد أغلب احتياجاتها من السلع الأساسية مثل القمح والذرة والأعلاف والمواد البترولية، إلى جانب أقساط وفوائد الديون الخارجية المرتفعة، فإن نقص العملة الصعبة يمثل أزمة كبيرة للاقتصاد.
واتفقت مصر على قرض جديد مع صندوق النقد الدولى بقيمة 3 مليارات دولار، للمساهمة فى سد الفجوة التمويلية، التى قدرها الصندوق بنحو 16 مليار دولار خلال 4 سنوات، هى مدة البرنامج المتفق عليه.
وتعرض الاقتصاد المصرى لصدمات قوية نتيجة ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية عقب الحرب الروسية الأوكرانية، كما عانت مصر من سحب المستثمرين الأجانب نحو 22 مليار دولار من استثماراتهم فى أدوات الدين الحكومية بعد رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الأجنبية الكبرى.
وأدى شح العملة الصعبة إلى صعوبات فى استيراد المواد الخام اللازمة للمصانع، وارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة منذ 5 سنوات، خاصة بعد خفض سعر العملة بنسبة كبيرة ثلاث مرات فى أقل من عام.
وتعمل الحكومة المصرية على أكثر من اتجاه لسد الفجوة الدولارية التى يعانى منها الاقتصاد، من بين تلك الاتجاهات برنامج الطروحات الحكومية بالبورصة الذى أعلنت عنها الحكومة ويتضمن بيع حصص فى 32 شركة لمستثمرين استراتيجيين أو فى البورصة خلال عام.
ذلك بالإضافة لعدد من المبادرات الهادفة إلى تشجيع توطين الصناعات والحد من الاستيراد، وكذلك التسهيلات المقدمة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزى المصرى إلى تضاعف صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر خلال الربع الأول من العام المالى الجارى 2022-2023 ليسجل 3.3 مليار دولار، مقارنة بـ 1.7 مليار دولار بنفس الفترة من العام الماضى.
ورأى أيمن حجازى رئيس قطاع تمويل الشركات بالبنك الأهلى المصرى أنه لانتهاء الأزمة الاقتصادية الراهنة فهناك عدة عوامل داخلية وخارجية يجب العمل عليها من بينها تركيز المصانع على الإنتاج من أجل التصدير، ورفع كفاءة المنتج حتى يكون قادرا على المنافسة فى الأسواق الخارجية، مشيرا إلى أن خفض قيمة الجنيه يعزز تنافسية المنتج المصرى.
وأضاف حجازى أن ثانى هذه العوامل هو العمل على استقرار سوق الصرف لعودة التدفقات النقدية سواء تحويلات المصريين فى الخارج، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وضخ أموال فى شرايين الاقتصاد المصرى، مشيرا إلى أن العوامل الخارجية تتمثل فى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، واتجاه الفيدرالى الأمريكى إلى خفض الفائدة على الدولار بما يقلل عبء المديونية الخارجية، ويساعد على جاذبية الجنيه للاستثمارات الغير المباشرة فى أدوات الدين .
من جهته، رأى محمد بدرة الخبير المصرفى أن تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى الأخيرة بأن مصر لم ولن تتخلف يوما عن سداد أى أقساط أو مديونيات خارجية، تشير إلى نوع من الطمأنينة.
وأضاف بدرة أن تأكيد رئيس الوزارء أن الدولة تسير بقوة فى برنامج الطروحات، ولن تتراجع عنه، معلنا عن طرح 10 شركات جديدة تابعة للقوات المسلحة، وإعداد مسودة لعقد تعيين استشارى دولى لمساعدة الحكومة المصرية فى برنامج الطروحات مع بنوك الاستثمار العالمية وهناك خطة واضحة وكاملة يتم التحرك من خلالها.
وذكر بدرة أن الحكومة تستهدف تحقيق 2 مليار دولار قبل نهاية يونيو المقبل من خطة الطروحات، وتحقيق 4 مليار دولار قبل نهاية العام، لافتا إلى أنه بتحقيق هذه الأمور فإنها بداية انتهاء الأزمة لاسيما أن الحكومة تسعى لتحقيق شروط صندوق النقد الدولى وتوفير 14 مليار دولار حجم الفجوة التمويلية من المصادر المتفق عليها مع صندوق النقد.
ولفت بدرة إلى أن استقرار سعر صرف الدولار يساعد على تعزيز مواردنا من النقد الأجنبى، منوها إلى أنه كلما اتسع الفارق بين السوقين الرسمية والموازية للعملة فلن نشهد تدفقات نقدية بالدولار من تحويلات المصريين فى الخارج، مشيرا إلى أن البنك المركزى يسعى لتقليص الفجوة بين السوقين .
من جانبه، قال تامر صادق الخبير المصرفى إن زيادة معدلات التصدير من أهم أسباب الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، لأن ذلك يساهم فى زيادة مواردنا من النقد الأجنبى، مشيرا إلى أن المنتجين يجب عليهم زيارة الأسواق المختلفة، واختيار الأسواق التى يستطيعون المنافسة فيها.
ولفت إلى أن الحكومة تركز حاليا على زيادة معدلات التصدير والعمل على حل المشكلات التى تعرقل التصدير، فوفقا لتصريحات رئيس الوزراء فإنه تم إقرار مرحلة سادسة من رد أعباء الصادرات والأرقام المتأخرة لأعباء الصادرات بقيمة 10 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة لتغطية دعم قيم الصادرات لشحنات المصنعين والمصدرين.
وكشف مدبولى عن برنامج حكومى جديد بقيمة 30 مليار جنيه لدعم الصادرات، يستمر 3 سنوات قادمة اعتبار من العام المالى القادم بالتوافق مع مجالس التصدير والغرف التجارية بضوابط محددة وثابتة، معلقا: “نركز على ترشيد الإنفاق وانضباط الموازنة لكن قضية دعم الصادرات أمن قومى واستمرار للدولة المصرية، لذلك رفعنا قيمة دعم الصادرات من العام المقبل.
وأعلن رئيس الحكومة، أنه اعتبارا من بداية يوليو المقبل ستكون منظومة دعم الصادرات مميكنة بالكامل وبحد أقصى 3 أشهر تكون الأموال مسددة بالكامل للمُصدر والمُصنع.