الإيكونوميست المصرية
مصر تسعى لتكون منصة رئيسية لتصدير الغاز المسال لأوروبا

مصر تسعى لتكون منصة رئيسية لتصدير الغاز المسال لأوروبا

• كون مصر منصة رئيسية لتصدير الغاز المسال لأوروبا يجعل الدول تحافظ على أمان مصر كجزءٍ من استراتيجيتها لتأمين احتياجاتها من الطاقة
• مصر تحصل على مبالغ نقدية بالدولار مقابل تسييل الغاز المصدر من قطر والعراق وليبيا لأوروبا
• مصر فى طريقها لتصبح مركزا دوليا إقليميا للصناعات المبنية على الغاز

فاطمة إبراهيم

ما الفوائد التى تعود على مصر من كونها منصة رئيسية لتصدير الغاز المُسال لأوروبا؟ وهل لديها الإمكانات التى تؤهلها لذلك؟
تطمح مصر إلى التحول لمركز طاقة يجمع تجارة وتداول النفط والغاز المُسال، خاصة فى ظل تزايد الدور الذى يؤديه قطاع الغاز الطبيعى فى قيادة النمو والتطور فى الاقتصاد المصرى.
وأكد المصرفيون أن مصر لديها الإمكانات التى تؤهلها لأن تكون المنصة الرئيسية لتصدير الغاز المُسال إلى أوروبا لأنها الوحيدة التى لديها شبكة خطوط ومحطات إسالة على درجة كبيرة من الكفاءة، وتعد اللاعب المهيمن فى مجال الطاقة فى شرق المتوسط.
وأكدت وكالة بلومبرج أن الصادرات المصرية من الغاز المُسال ستنتعش بفضل إعادة تشغيل محطة دمياط لإسالة الغاز، وأشارت إلى أن مصر لديها إمكانات فى قطاع الغاز تؤهلها من زيادة الإمدادات على المدى المتوسط والطويل، نظرا لامتلاكها لاحتياطيات كبيرة من الغاز، حيث تعد مصر خامس أكبر مالك لاحتياطيات الغاز الطبيعى المؤكدة فى أفريقيا.
كما أن الصادرات المصرية وصادرات دول المنتدى يتوافر لها مناخ مشجع لملء جزء من الفراغ الذى أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية فى سوق الطاقة. يُضاف إلى ذلك كون مصر بإمكانها قيادة ملف الطاقة والتنسيق بفعالية مع الدول الأعضاء فى المنتدى لتلبية الطلب الأوروبى المتزايد.
وتعد مصر واحدة من المصدرين العالميين القلائل للغاز المُسال الذين زاد حجم مبيعاتهم خلال عام 2021.
وبلغت صادرات الغاز الطبيعى المُسال المصرية خلال 2021 نحو 6.5 مليون طن مقابل 1.5 مليون طن عام 2020، بمعدل نمو سنوى 385%، وهى نسبة النمو الأعلى عالميا مقارنة بباقى الدول المصدرة للغاز الطبيعى المُسال خلال عام 2021.
وأشار الخبراء لـ”الإيكونوميست المصرية” إلى الأهمية الاقتصادية لكون مصر المنصة الرئيسية لتصدير الغاز المُسال لأوروبا، حيث يساعد ذلك على توفير النقد الأجنبى، وكذلك تكوين علاقات استيراتيجية مع دول المنبع، واعتبار أمن مصر مسألة استراتيجية سواء للدول الأوروبية أو الدول المصدرة للغاز، كما يساعد على أن تكون مصر مركزا إقليميا ودوليا للصناعات كثيفة الطاقة.
وذكرالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن عددا من الدول الأوروبية، إلى جانب دول أخرى، استفادوا من الصادرات المصرية من الغاز الطبيعى خلال الربع الأول من العام الجارى، والتى بلغ إجمالى قيمتها 2.8 مليار دولار بزيادة 406.5% مقارنة بنفس الفترة من عام 2021.
ومن بين هذه الدول إسبانيا بقيمة 425.7 مليون دولار، وفرنسا 303.1 مليون دولار، والمملكة المتحدة 140.3 مليون دولار، وبلجيكا 96.6 مليون دولار، وهولندا بقيمة 92.8 مليون دولار.
فضلا عن أن اكتشافات الغاز الأخيرة وضعت لمصر قيمة عالية لدى أوروبا، مما يؤهل مصر لتوقيع العقود قريبًا لمناطق استكشاف بحرية جديدة غرب الدلتا. وتسعى مصر إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة عبر تصدير فائض إنتاج الغاز الطبيعى إلى جانب تصدير فائض الدول المجاورة من الغاز، عبر محطتى الإسالة الواقعتين على شاطئ البحر المتوسط بإدكو ودمياط، خاصة فى ضوء توقيع مصر مع قبرص اتفاقا فى 2018 لمد خط أنابيب من حقل “أفروديت” القبرصى، الذى تُقدر احتياطاته بين 3.6 تريليون و6 تريليونات قدم مكعبة تقريبا، بغرض تسييلها فى مصر وإعادة تصديرها إلى أوروبا.
كما أبرم كل من مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبى العام الجارى، اتفاقا ثلاثيا حول تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعى تحت مظلة “منتدى غاز شرق المتوسط” وتأتى هذه الخطوة فى محاولة أوروبية لخلق أسواق غاز جديدة. ويهدف التعاون إلى نقل الغاز الطبيعى من إسرائيل إلى أوروبا بعد تسييله فى المحطات المصرية المُعدَّة لذلك.
وفى الإطار ذاته، تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية بتمويل فورى لمصر قيمته 100 مليون يورو لدعم الأمن الغذائى، إلى جانب تمويل قيمته 3 مليارات يورو لدعم مشروعات محلية فى المنطقة.
وتساعد تلك الاتفاقية على أن تستفيد مصر اقتصاديا من الغاز بشكل جيد عبر عدة طرق تشمل تسييل الغاز المصدر من الدول المجاورة ومحطات الإسالة التى تشارك الدولة ملكيتها، إلى جانب رسوم العبور عبر الشبكة القومية للغاز.
من جانبه أكد وليد ناجى نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقارى المصرى العربى على الأهمية الاستراتيجية أن تصبح مصر المنصة الرئيسية لتصدير الغاز المُسال إلى أوروبا، بما يساعد على كونها مركز إمداد الطاقة لأوروبا ويزيد ذلك من الثقل السياسى الدولى، ولأوروبا بشكل خاص، ويفرض ذلك على كثير من الدول أن تحافظ على أمان مصر كجزء من استراتيجيتها لتأمين احتياجاتها من الطاقة.
وأضاف أنه بالنسبة للأهمية الاقتصادية فإن الغاز المصدر من قطر والعراق وليبيا لأوروبا ويتم تسييله فى مصر تحصل على مبالغ نقدية بالدولار ويساعد على توفير العملة، فضلا عن أن تصبح مصر مركزا دوليا إقليميا للصناعات المبنية على الغاز، فبدلا من نقل الغاز وتحمل هذه الدول تكلفة النقل تقوم بإنشاء المصانع كثيفة استخدام الطاقة بجوار مصادر الطاقة مثل الأسمدة والصناعات الكيماوية.
ولفت نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقارى المصرى العربى إلى أن مصر تكتسب أيضا ثقلا استراتيجيا مع دول المنبع فى قطر والعراق وغيرهما تصبح شريكا استراتيجيا وهذا يضيف إلى الثقل السياسى لمصر.
من جانبه اعتبر فرج عبد الحميد، نائب رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة لمصر لأن تصبح المنصة الرئيسية لتصدير الغاز المُسال لأوروبا بدلا من روسيا، التى وفرت لدول الاتحاد الأوروبى نحو 45% من احتياجاتها من الغاز الطبيعى فى عام 2021.
وتعتبر روسيا واحدة من أكبر الدول التى تمتلك احتياطيات من النفط والغاز الطبيعى فى العالم، حيث تمثل نحو 25% من واردات الاتحاد الأوروبى من النفط، وحوالى 40% من واردات أوروبا من الغاز.
ونوه عبدالحميد إلى أنه بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يسعى الاتحاد الأوروبى إلى استبدال الغاز الروسى عن طريق الغاز الأفريقى، ومنها مصر التى تمتلك عدة مزايا تؤهلها لتأمين جزء من احتياجات أوروبا، خاصة أن مصر قد وضعت نصب أعينها خطة طموحة للتحول إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز، والمساهمة فى تأمين احتياجات الأسواق العالمية، لاسيما مع تنامى الطلب فى الأسواق الأوروبية على الغاز المُسال، وذلك بعد نجاحها فى تحقيق الاكتفاء الذاتى منه.
ورغم تضرر الاقتصاد المصرى نسبيا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها واحدا من أكبر مستوردى القمح فى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن مخزونات الغاز الطبيعى والمُسال تفتح مجالا أوسع لتعزيز مكانة الاقتصاد المصرى، كما تحظى بالاهتمام الأوروبى لتجعلها شريكا استراتيجيا لهم.
وأشار عبد الحميد إلى أن اكتشافات الغاز فى البحر المتوسط تساعد مصر على أن تكون مركزا لتصدير الغاز لأوروبا وتوفير مصدر مهم للنقد الأجنبى، وتعززت أهمية صادرات الغاز المصرى، لتأتى مصر كواحدة من بين الدول التى تتطلع أوروبا إليها للمساعدة فى تقليل الاعتماد على الغاز الروسى.
واحتلت مصر المركز الـ 14 عالميا والخامس إقليميا والثانى إفريقيا فى إنتاج الغاز عام 2020، بحجم إنتاج سنوى بلغ 58.5 مليار م3، وذلك وفقا لبيانات شركة “بريتش بتروليوم” وقد بلغت القدرة الإنتاجية لمصر من الغاز الطبيعى بفضل مشروعات تنمية حقول الغاز 73.4 مليار مترمكعب لعام 2021.
وقد صدرت مصر إلى دول أوروبا أكثر من مليونى طن مترى من الغاز فى عام 2021، ارتفاعا من 270 ألف طن مترى لعام 2020، حسب مؤسسة “ستاندرد آند بورز”.
ويرى طارق عمار، خبير تمويل القطاع الخاص ببنك التنمية الأفريقى أن مصر تمتلك أكبر موقعين لتسييل الغاز، ومن ثم يساعد ذلك مصر أن تكون منصة رئيسية لتصدير الغاز المُسال من العراق وقطر وإسرائيل إلى أوروبا، بما يوفر مليارات الدولارات إلى مصر سنويا.
وبحسب بيانات وزارة البترول المصرية، من المتوقع ارتفاع صادرات مصر من الغاز الطبيعى والمُسال إلى 7.5 مليون طن بنهاية العام المالى الجارى 2022، بفضل أن مصنعى الإسالة “إدكو، دمياط” يعملان بكامل طاقتهما الإنتاجية.
كما أن هناك خططا لإضافة 450 مليون قدم مكعب غاز 17.2 ألف برميل متكثفات خلال العام المالى المقبل 2023. ولفتت البيانات إلى أن إجمالى استثمارات البحث والتنمية والإنتاج فى قطاع الغاز فى مصر سيتجاوز 1.6 مليار دولار خلال العامين الحالى والمقبل.
وأضاف عمار أن الأزمة الروسية الأوكرانية تعظم من مكاسب مصر فى ملف الطاقة، إذا نجحت دول مثل قطر فى إمداد خطوط أنابيب لمصر لتسييل الغاز وتصديره إلى الدول الأوروبية، مشيرا إلى أن مصر بذلت جهودا كبيرة لدخول قائمة أكبر موردى الغاز المُسال للأسواق الكبرى المستهلكة للغاز، وذلك بعد تحقيقها الاكتفاء الذاتى منه من خلال إطلاق استراتيجية قومية تقوم على جذب الاستثمارات الأجنبية فى مجال البحث والاستكشاف عن البترول والغاز، وتكثيف طرح المزايدات العالمية، حيث تم تنفيذ 30 مشروعا لتنمية حقول الغاز منذ يوليو 2014 حتى سبتمبر 2021، بإجمالى تكلفة استثمارية بلغت نحو 514 مليار جنيه.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *