كتب: أشرف الليثى
الدكتور مصطفى هديب قيمة وقامة.. مصرى وطنى حتى النخاع.. يعشق بلده ويمد يد المعاونة لأى شخص أو جهة تريد أن تستزيد من خبرته الطويلة.. مهنيته وحرفيته تجعل طموحه بلا حدود فى أى موقع يتولى رئاسته، وهذا ما يجعله وفريق عمله يواصلون الليل بالنهار كى يعوضوا ما فات الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية التى يعتبر الدكتور مصطفى هديب الأب الروحى لها، بعدما أشرف على تأسيسها عام 1988 وجعل منها منارة اقتصادية مصرفية على مستوى المنطقة العربية ككل ولكن اضطرته الظروف لتركها لمدة ليست بسيطة تراجعت خلالها الأكاديمية بشكل ملحوظ ولم تعد تلك المنارة التى تشع حيوية وعلما وثقافة مما اضطر مجلس أمنائها يستغيثون به مرة أخرى، ولم يتردد فى العودة ثانية إلى بيته الذى بناه “طوبة طوبة”، وبالفعل تولى المسئولية مرة أخرى اعتبارا من يونيو 2018، وكان عليه أن يعمل ليل نهار مرة أخرى كى يعيد لهذا الكيان رونقه ومكانته التى كان عليها على مستوى المنطقة العربية، وطموحه هذه المرة يتخطى بكثير ما كانت عليه الأكاديمية من قبل خاصة أن مقرها أصبح فى القاهرة التى انتقلت إليها بناء على قرار مجلس الأمناء فى عام 2013.
فى هذا الحوار الشامل، حاولنا أن نستفيد من كنز المعلومات الضخم الموجود لدى الدكتور مصطفى هديب، وعرجنا معه إلى الحال المصرى والوضع الراهن وسياسة الإصلاح الاقتصادى التى تتبناها مصر لأول مرة بمفهوم اقتصادى احترافى وذلك من أجل تحقيق التنمية الشاملة التى ستنقلها بإذن الله لتصبح فى مصاف الدول الأكثر نموا وتقدما.
وإلى نص الحوار الشامل للدكتور مصطفى هديب مع مجلة “الإيكونوميست المصرية” والذى كان أول حوار له لوسيلة إعلام منذ توليه مهام منصبه.
• نريد التعرف على الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية ومجالات عملها وأهدافها ونشاطها؟
الأكاديمية إحدى مؤسسات العمل العربى المشترك وأنشئت عام 1988 من خلال الجمعية العمومية لاتحاد المصارف العربية كمؤسسة تعليمية تدريبية استشارية مستقلة تتميز بالاستقلال المالى والإدارى، وهى جهة غير حكومية وغير هادفة للربح وتعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية وهى إحدى المنظمات التى تعمل ضمن الاتحادات النوعية لمؤسسات العمل العربى المشترك، وهى عضو فى المجلس الاقتصادى والاجتماعى، وعضو فى لجنة التنسيق العليا لمؤسسات العمل العربى المشترك، وعضو فى مجلس الوحدة الاقتصادية.
ودولة المقر عند إنشائها كانت العاصمة الأردنية عَمَّان، وفى عام 2013 أصدر مجلس أمناء الأكاديمية، الذى يتكون من محافظى بنوك مركزية ورؤساء البنوك الكبرى، قرارا بنقل دولة المقر إلى القاهرة.
وتعتمد الأكاديمية على خمسة أنشطة رئيسية؛ التعليم، والتدريب، والاستشارات، والعلاقات العربية والدولية، والبحوث والدراسات والنشر.
وبالنسبة للتعليم فلدى الأكاديمية منظومة تعليمية متكاملة وحاليا على مستوى درجات الماجستير MBA ” Master Business Administration” والدكتوراه وDBA ” Doctor Business Administration”، والأكاديمية ليست جامعة بل مؤسسة مهنية وندرس الآن فتح برنامج للبكالوريوس .
وبالنسبة للتدريب تقوم الأكاديمية بتقديم عشرات بل مئات الدورات التدريبية على مستوى المنطقة العربية كلها ومنطلقة من مركز التدريب فى القاهرة والتدريب متخصص فى العلوم المالية والمصرفية .
وبالنسبة للاستشارات لدينا العديد من الاستشارات الفنية المتخصصة للبنوك والقطاع المالى والمصرفى، وكان لنا شرف القيام بالاستشارات الفنية للقطاع المالى والمصرفى الفلسطينى وكانت بمنحة من الاتحاد الأوروبى وكذلك فى اليمن وفى سوريا، وفى عام 2004 قامت الأكاديمية بأكبر استشارات فنية فى هذا التخصص فى المنطقة للقطاع المالى والمصرفى العراقى وكانت قيمتها 243 مليون دولار وكان لدى الأكاديمية قطاع استشارات قوى ونشط ونحاول الآن إعادة نشاط هذا المركز مرة أخرى.
وبالنسبة لمركز العلاقات العربية والدولية كان لدى الأكاديمية إدارة ومركز متخصص لإدارة العلاقات العربية والدولية الخاصة بالأكاديمية مع العالم الخارجى على أساس أن صميم عمل الأكاديمية أنها متخصصة فى البنوك والمؤسسات المالية وهذه صناعة غربية فى الأساس وكل يوم بها جديد، ولذلك من الأهمية أن تكون الأكاديمية على صلة مستمرة بمراكز التطوير والبحوث والتعليم والتدريب فى العالم، ولعب هذا المركز دورا حيويا فى هذا الشأن، وكانت هناك علاقات دائمة ومستمرة مع العديد من المؤسسات الدولية وهو ما جعل الأكاديمية فى وضع صانع السوق”Market Maker”، وكنا متقدمين فى تقديم خدمات جديدة لهذا القطاع، وتتم الآن إعادة تفعيل وتنشيط هذا المركز خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت تباطؤا كبيرا فى العديد من أنشطة الأكاديمية بصفة عامة، ونحن الآن نحاول إعادة النشاط لهذا المركز وأنشطة الأكاديمية بصفة عامة، خصوصا بعدما أصبحت مصر مقرا دائما للأكاديمية، وهذا فى حد ذاته سيكون سببا فى عودة الأكاديمية إلى أن تصبح المركز الرئيسى للتعليم المالى والمصرفى المتخصص فى الوطن العربى.
وهناك أيضا مركز البحوث والدراسات والنشر ونحاول أن نعيد إليه نشاطه الذى كان عليه من قبل كمركز نشط وفعال فى عملية البحوث والدراسات المتخصصة.
• فى إطار هذا التوجه الجديد، ما الاستراتيجية والتطلعات المستقبلية لحدوث انطلاقة جديدة للأكاديمية خلال المرحلة المقبلة؟
توليت مسئولية رئاسة الأكاديمية للدورة الثانية اعتبارا من شهر يونيو 2018 وبدأنا بالفعل عملية إعادة تطوير شاملة لجميع برامج الماجستير هذا بالنسبة لقطاع التعليم فى الأكاديمية وخلال الفصل الدراسى الأول الذى بدأ فى أكتوبر هناك ستة برامج ماجستير جديدة تتوافق مع أحدث التطورات الحديثة فى العالم خاصة فى مجال تكنولوجيا المال والمصارف وهذا الموضوع صار يمثل لنا الاهتمام الأكبر تدريبا وتعليما ودراسات وبدأنا أيضا فى إعادة جميع برامج الماجستير بالأكاديمية وخاصة القطاع المالى والمصرفى واستعنا فى ذلك بكبار الخبراء فى السوق المصرية وفى عدة مؤسسات دولية.. وأعدنا مرة أخرى استقدام كبار الممارسين فى البنوك المصرية للتدريس فى كورسات البنوك والإدارة المالية حيث من الأفضل فى هذه الكورسات قيام الممارسين لتدريسها ولا نعتمد على الأكاديميين فقط.
وتم أيضا فى منتصف شهر سبتمبر اعتماد برنامج الدكتوراه الجديد DBA وسيتم تقديمه لأول مرة فى مصر اعتبارا من الفصل الدراسى الأول الذى بدأ فى أكتوبر فى نفس التخصصات الدقيقة.
وهناك تحت الدراسة الآن قيام الأكاديمية بمنح شهادة البكالوريوس فى التخصصات المصرفية والمالية إلا أن هذا له متطلبات أخرى خاصة بالموقع والمكان والمساحة ويتم الآن استيفاؤها جميعا وربما نبدأ اعتبارا من العام الدراسى القادم 2019.
وطبعا معروف أن مقر الأكاديمية فى القاهرة ولكن نعتمد الآن على استراتيجية جديدة تعتمد على ضرورة وجود امتداد للأكاديمية فى عدة أماكن أخرى وتم بالفعل اتخاذ قرار بأنه سيكون هناك مقر آخر فى منطقة التجمع الخامس لخدمة مناطق شرق القاهرة وآخر فى مدينة 6 أكتوبر لخدمة مناطق غرب القاهرة وسيكون لنا تواجد أكبر فى الإسكندرية وفى الدلتا وفى منطقة قناة السويس بمدينة الإسماعيلية لتغطى مناطق بورسعيد والسويس وتم تقسيم مناطق الصعيد إلى ثلاث مناطق للتسهيل على الدارسين الذين غالبيتهم من الممارسين للعمل المصرفى وليسوا متفرغين.
• كان من ضمن أهداف وأعمال الأكاديمية فى السابق عقد مؤتمرات وندوات، هل هناك أجندة لهذه المؤتمرات والندوات مستقبلا؟
للأسف كان آخر مؤتمر عقدته الأكاديمية عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى العاصمة الأردنية عَمَّان عام 2007 ومنذ ذلك التاريخ لم تعقد الأكاديمية أى مؤتمرات أخرى، ومن ضمن خطة التطوير للأكاديمية العودة مرة أخرى إلى عقد المؤتمرات والندوات على مستوى مصر والدول العربية.
• بصفتك خبير اقتصادى كيف ترى سياسة الإصلاح التى تنتهجها مصر الآن؟
أنا من الجيل الذى عاش عصور مصر المختلفة اعتبارا من جمال عبد الناصر وحتى الآن، وهذه شهادتى أمام الله وللتاريخ أنه لأول مرة فى تاريخ مصر يكون هناك خطة تنمية على مستوى استراتيجى واضحة ومعلنة والمرة الوحيدة التى كان لدينا خطة خمسية أولى فى بداية الستينيات مع الدكتور عبد المنعم القيسونى وانتهت بنجاح ومع بداية الخطة الخمسية الثانية بدأت حرب 67 ولم تكتمل ومنذ ذلك التاريخ لم يكن لدينا أى خطة تنمية إلا أننا بدأنا نستعيد ذاكرة خطط التنمية مرة أخرى ولدينا الآن خطة 2030 وبدأ لأول مرة يصبح لدينا خطط لإدارة الأزمات المتوقعة مثل أزمة المياه على سبيل المثال؛ حيث من المتوقع حدوث شح مائى مع تزايد أعداد السكان وثبات حصة مصر من المياه ولذلك بدأنا فى إقامة القناطر مثل قناطر إسنا وإعادة الدورة الزراعية وإقامة محطات تحلية مياه البحر وخطة التنمية 2030 يتم تنفيذها بدقة وحرفية شديدة وبدأنا نرى رئيس الدولة لا يضع حجر الأساس وإنما يقوم بافتتاح المشروعات مباشرة أى أنه لا يتحدث عن أى مشروع إلا بعد تنفيذه وبدأنا نرى فكرا جديدا يتم الآن تطبيقه على أرض الواقع المصرى ولم يكن موجودا من قبل.
وعملية تعويم الجنيه على سبيل المثال لم يكن ممكنا تأجيلها لأنه لو تأجلت لمدة شهرين فقط عن تاريخ اتخاذ القرار الذى كان فى نوفمبر 2016 كان سيصبح رصيد مصر من العملات الأجنبية صفرا وهذا معناه أننا لم نكن نستطيع استيراد احتياجاتنا من السلع الأساسية خاصة القمح مثلا، كما أن التضخم كان سيصل إلى مستويات قياسية لم نكن نستطيع تحمل نتائجها ولذلك لم يكن لدينا بديل سوى اتخاذ قرار بتعويم الجنيه المصرى لأننا لو لم نأخذ هذا القرار كانت النتائج كارثية على حياة المصريين.
مرة أخرى أحب أن أؤكد أن برنامج الإصلاح الاقتصادى برنامج مصرى ولم يفرض علينا من الخارج ولا من مؤسسة صندوق النقد الدولى ولا غيرها.
وعملية التعويم هذه أضاعت الفرصة على أعداء مصر من جماعة الإخوان الإرهابية وغيرهم من الاستمرار فى استنزاف موارد العملات الأجنبية لدى المصريين العاملين فى الخارج ولحرمان مصر منها، وكانوا يذهبون إليهم فى الخارج ويحصلون منهم على مدخراتهم وبأى قيمة، وحقيقة هذا القرار أنقذ الاقتصاد المصرى من كارثة حقيقية كانت فى انتظاره لو تأجل اتخاذه.
والآن وصلت عائدات تحويلات المصريين العاملين فى الخارج وفقا لأحدث إحصائية إلى 28 مليار دولار وجميع البنوك بات لديها الآن فائض فى العملة وتقوم بتلبية احتياجات جميع الشركات لفتح اعتماداتها المستندية لاستيراد احتياجاتها من الخارج.
قرار آخر من القرارات الإصلاحية المهمة وهو رفع الدعم عن السلع والذى كان يعتبر اختراعا مصريا خالصا لأنه لا توجد دولة فى العالم تقدم السلع بأقل من تكلفتها إلا فى مصر التى كانت تقدم الوقود وهو أهم سلعة بأقل من تكلفته حتى يستفيد منه أصحاب السيارات الفارهة أكثر من غيرهم وهذا القرار لم يجرؤ أى نظام سابق على اتخاذه أو حتى مجرد الاقتراب منه وحقيقة مظاهرات 17 و18 يناير عام 1977 أوقفت عملية الإصلاح الاقتصادى الذى كانت مصر مقبلة عليها وتسببت فى خلل هيكلى فى الاقتصاد نعانى منه بشدة حتى الآن.. وكنت فى أوغندا منذ شهرين تقريبا وفوجئت بأن سعر لتر البنزين هناك يبلغ 1.1 يورو أى ما يوازى 28 جنيه تقريبا، وتحدثت مع محافظ البنك المركزى هناك وقلت له إن سعر البنزين مرتفع جدا خاصة أن متوسط الدخل فى أوغندا منخفض جدا، فقال لى إن هذه هى تكلفته، فقلت له لماذا لا تدعمونه وما هى السلع التى تدعمونها؟ فتعجب من السؤال، وقال ما معنى الدعم وعرفت أن هذا الموضوع غريب جدا عن ثقافتهم وهو خاص بنا فى مصر فقط.
وبالنسبة للكهرباء، كانت تقدم بأقل من تكلفتها للمواطنين وكان لدينا عجز كبير فى الكهرباء ولم تعد تكفى لتلبية احتياجات المصانع وأصبحت من أهم العوائق التى تواجه المستثمرين، وكان لابد قبل أى شىء استخدام المعادلة الاقتصادية السليمة فى بيع الكهرباء بأسعار تكلفتها وتم رفع جزء كبير من الدعم الذى كانت تقدمه الدولة للكهرباء فى الوقت الذى تمت فيه مواجهة مشكلة نقص الكهرباء وحلها من جذورها دون الاعتماد على المسكنات كما كان يحدث من قبل أصبح الآن لدينا فائض للتصدير وتم إنشاء محطات كهربائية ضخمة بالتعاون مع شركة سيمنس العالمية التى أشاد رئيسها بالنهضة المصرية فى قطاع الكهرباء ووصف مشروعات شركة سيمنس فى مصر بأنها أهم مشروعات للشركة على مستوى العالم. وبناء على جدية مصر فى علاج مشكلة الكهرباء كان من نتيجة ذلك قيام الألمان بتقديم قروض لتمويل إنشاء محطات الكهرباء وبشروط ميسرة.
وبهذه الطريقة نجحت مصر تماما وفى زمن قياسى فى حل مشكلة كانت مستعصية وأصبح هناك تفكير أيضا فى الطاقة المتجددة وتمت إقامة أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية فى أسوان وهناك أكبر مزرعة لتوليد الطاقة بالرياح بالبحر الأحمر وأخيرا توليد الطاقة من خلال المحطات النووية الموجودة فى الضبعة.
• ما تقييمك لحجم المشروعات التنموية الضخم الذى يتم افتتاحه فى مصر حاليا؟
ما جاء فى خطاب الرئيس السيسى فى سبتمبر 2014 فى شرم الشيخ عند بداية توليه المسئولية كانت هناك جملة سمعها المصريون لأول مرة وهى أهمية الاهتمام بـ “سعادة المواطن المصرى”، وهذه الجملة قالها لى كيوا نيو رئيس وزراء سنغافورة فى خطة التنمية وأيضا مهاتير محمد فى خطة تنمية ماليزيا و”سعادة المواطن” تعنى توفير وسائل الراحة فى حركة التنقل والمواصلات وشبكات الطرق بالإضافة إلى شبكات الكهرباء ومحطات توليد الطاقة، هذه المشروعات تعتبر من المستحدثات على التاريخ المصرى ويتم الآن بناء مشروعات بنية تحتية كاملة وشبكة طرق لم تشهدها مصر من قبل وأصبحت هذه المشروعات الآن تشمل جميع ربوع مصر ولم تعد قاصرة على القاهرة والإسكندرية فقط وهناك مشروعات تنموية فى سيناء وفى محافظات الدلتا وغرب مصر فى الصحراء الغربية ومطروح ومشروعات ضخمة هناك وفى محافظات الصعيد وهناك أيضا توزيع جديد لمناطق الثروات الطبيعية وصار هناك اهتمامات بصناعات لم تكن تحظى بأى اهتمام من قبل مثل الصناعات التعدينية والرخام والجرانيت حيث كان من قبل يتم تصدير الرخام خام فى صورة بلوكات وبعد ذلك نستورده بمئات أضعاف قيمته التى صدرناها بها ومصر تمتلك أنواعا من الرخام النادر الذى ليس له مثيل فى العالم ولدينا كنوز من المواد الخام مثل الرمال البيضاء والرمال السوداء ولكن قرار الرئيس بعدم تصدير المواد الخام والاهتمام بتصنيعها ساعد على افتتاح مصانع ضخمة فى منطقة الجلالة على سبيل المثال وفى محافظات الصعيد المختلفة وهناك أيضا التصدى للمشكلة الغذائية حيث يتم لأول مرة فى مصر إنشاء مزارع سمكية وشبكة الموانئ التى أصبحت منتشرة الآن فى جميع المنافذ البحرية سوف تعطى فرصة كبيرة لنا للتعامل مع شرق العالم وغربه تجاريا.
وعمليات التنمية ومشروعاتها دائما ما تحتاج إلى وقت طويل وليس فى يوم وليلة يحس بها المواطن، وجميع دول العالم احتاجت ما بين 15 و20 عاما لتنفيذ مخططات التنمية، وهناك تجربة سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية أمام أعيننا الآن ولم تظهر نتائج خططها التنموية إلا بعد 20 عاما على الأقل، وشعوب تلك الدول عاشت خلال سنوات التنمية حياة صعبة للغاية وكان يفرض عليهم فى كثير من الأحيان التقشف لدرجة الاعتماد على وجبة واحدة يوميا.
وعلى الرغم من جميع المشروعات التنموية فى المناطق المختلفة فى مصر فإننى أرى أن التوجه لسيناء وإقامة المشروعات التنموية بها وربطها بباقى المدن المصرية وبقلب مصر ومدن الدلتا بصورة واقعية من خلال شبكات الأنفاق تعتبر تحديا حقيقيا لمواجهة منطقة كانت تهدد الأمن القومى المصرى دائما، ولم يجرؤ نظام مصرى من قبل على اقتحام تلك المشكلة وهذه الأنفاق التى من بينها نفق للسكك الحديدية سيسهل من عملية التنمية فى سيناء وذلك لسهولة الحركة من وإلى سيناء بعد تنفيذ تلك الأنفاق الضخمة وسيكون لأول مرة فى تاريخ مصر يتم ربط سيناء بالوادى فى مصر.
• من كل ما سبق،، كيف يمكن توصيف ما يحدث فى مصر الآن أو ماذا يمكن أن يطلق عليه، هل هى مجرد مشروعات تنموية أم خطط تنمية؟
أفضل تشبيه له هو استراتيجية مواجهة شاملة لكافة المشاكل التى تعانى منها مصر منذ عشرات السنين وبجسارة وفى توقيت واحد وكان من الصعب تأجيل إحداها وتفضيل البدء بأخرى ونحن الآن نواجه منظومة متكاملة للتنمية الاقتصادية وللإصلاح الاقتصادى فى مصر وهذا يتم لأول مرة وليس على المستوى الاقتصادى فقط بل مواجهة شاملة للمشاكل السياسية والأمنية والاجتماعية بجانب المشاكل الاقتصادية وحقيقة كانت مصر عام 2014 فى وضع سيئ جدا وكنا نعانى من مشكلة وجود وكان تواجدنا على الهامش حتى فى الاتحاد الأفريقى، الآن سياستنا الخارجية أقوى بكثير وتواجدنا فى المؤسسات الدولية مشرف واستعدنا الكثير مما كنا قد فقدناه.
• هل توقيت تنفيذ مشروعات التنمية كلها فى وقت واحد كان مناسبا؟
إذا أردت أن تقوم بتنفيذ سياسة تنموية شاملة لابد من التحرك فى كافة الاتجاهات، والعلوم الحديثة تؤكد أنه من الخطأ أن تبدأ فى تنمية قطاع ثم تنتقل لقطاع آخر، هذه نظرية ثبت خطأها تماما، ولابد من التحرك فى كافة الاتجاهات فى نفس الوقت وهو ما تقوم به الحكومة الآن.
النقطة المهمة الأخرى كان من الخطأ الفادح تأجيل البدء فى تنفيذ خطة التنمية لأن أى تأخير كان سيكلفنا الكثير خاصة أننا كنا متأخرين بالفعل ولابد من إسراع الخطى حتى نعوض جزءا مما فاتنا.
• ما هو تقييمك للجهاز المصرفى المصرى والعربى؟ وماذا ينقصه لكى يصبح منافسا قويا للبنوك العالمية؟
منذ عام 2003 والجهاز المصرفى المصرى أصبح كيانه قويا ومن أقوى الأجهزة المصرفية فى العالم ليس بالنسبة للحجم ولكن من حيث القدرة على التصدى والوقوف فى مواجهة الصعوبات والتحديات والدليل على ذلك عدم تأثره بالأزمة المالية التى تعرض لها العالم عام 2008 وأصبحت البنوك المصرية كيانات قوية جدا، وفى أمريكا على سبيل المثال FDIC يضمن ودائع الأفراد لدى البنوك بحد أقصى 100 ألف دولار فقط، ولكن فى مصر يضمن البنك المركزى المصرى جميع ودائع الأفراد فى البنوك كاملة، ومصر من الدول النادرة على مستوى العالم كله التى يضمن البنك المركزى كافة ودائع الأفراد لدى البنوك العاملة بها.
وهناك تطوير مستمر فى البنوك وأصبح مطلوب من الأكاديمية برامج عن التكنولوجيا المالية وسيكون هناك برامج عديدة فى هذا الإطار وذلك لمواكبة التطور فى دول العالم.
وأصبح من الصعب الحصول على أى قرض من البنوك دون ضمانات ولذلك ليس هناك مجال لحصول أى فرد على قرض والتهرب من سداده وأصبحت شركة “آى سكور” تقوم بمهام عملها فى توفير كافة البيانات الخاصة بأى شخص ينوى التعامل مع البنوك المختلفة من الناحية المالية وصارت أيضا إدارة الرقابة على البنوك لدى البنك المركزى قوية جدا.
وحقيقة أصبح لدى مصر قطاع مصرفى متماسك جدا وقوى ومسلح بكافة أسلحة العصر الحديث.