بقلم: محمد فاروق
استمتعنا فى مونديال روسيا بكرة قدم حقيقية، وبتنظيم رائع، وبجمهور واع غير متعصب جاء ليحتفل قبل أن يشجع.
فاز من فاز وخسر من خسر، ولكن علينا ونحن نشاهد هذا التجمع العالمى ألا نتوقف عند مجرد مشاهدة المباريات بل يجب أن نحلل سمات الشعوب وشخصياتهم التى ظهرت بوضوح فى هذا المونديال داخل الملعب وخارجه.
فقد ظهرت الشخصية اليابانية كالمعتاد بأنها لاتعرف اليأس ولاتقبل الانكسار وتتميز بالثقة العالية فى النفس، فحتى لو كان المنافس أقوى لا تهابه بل تهاجمه دون خوف أو تردد.
وعرضت الشخصية الأوروبية كعادتها النظام فى الملعب والعمل بروح الفريق والتحرك ككتلة واحدة متماسكة، إلى جانب ارتفاع اللياقة البدنية نتيجة الإعداد الجيد والتدريب المستمر والاهتمام بصحة الفرد منذ ولادته.
وظهرت الشخصية الأفريقية بأنها صاحبة إمكانيات عالية تفوق بكثير المنافسين لكن نتيجة العمل الفردى تذهب كل هذه الإمكانيات هباءً.
أما الشخصية العربية فأكدت أنها لا تكمل شيئا لآخره، لذلك جاءت معظم الهزائم فى الوقت الضائع، وهذا يتضح جليا عندما نصنع شيئا لا نكمله ونهمل فى “التقفيل” وفى اللمسات الأخيرة التى تترجم جودة المنتج، فتعود السلعة أو لا تباع رغم جودتها نتيجة أن “الفينيشينج” سيئ.
وهكذا خرج أداؤنا متوافقا مع شخصيتنا.. طموح ضئيل لا يتخطى مجرد التمثيل وهو ما نبرره دائما بمقولة من اختراعنا وهى “التمثيل المشرف”، وخوف من المنافس وإنزاله قدرا أكبر من قدره وإعطاؤه الفرصة لاكتساب الثقة والتمكن منا والتفوق علينا نتيجة لما نفعله نحن بأنفسنا، إلى جانب عدم الإعداد الجيد والاستعداد للمواجهة والتأهيل والتدريب المتطور، والاعتقاد الدائم بأن الأمور تنتهى بالوصول للدقيقة 90 تماما مثل العامل والموظف الذى ينتظر موعد الانصراف على أحر من الجمر.. فتلك ثقافة شعوب تربت ونشأت على فكر الموظف.
كما أننا إذا سجلنا هدفا يصيبنا الغرور والتعالى، وإذا تلقينا هدفا يتملكنا الإحباط واليأس. إلى جانب أن العمل الفردى يسيطر على الجميع، فكل لاعب يريد أن يحرز هدفا ليسجل التاريخ اسمه، ولا مكان للعمل الجماعى أو روح الفريق.
أما بعد الهزائم والخروج من المونديال، فتظهر الشخصية اللوامة الهدامة ويبدأ جلد الذات وتحطيم كل ما تم بناؤه حتى ولو كان قليلا، لذا دائما بعد كل إخفاق فإننا نبدأ من الصفر وليس من النقطة التى انتهى عندها السابقون.
هذا داخل الملعب، أما خارجه فحدث ولا حرج، فمعسكر الفريق المصرى مثلا كان مستباحا للجميع أفراد وإعلام، دون مراعاة لتركيز اللاعبين أو راحتهم.. فأين الشخصية المنضبطة وأين النظام وأين الجدية؟
القضية ليست مجرد كرة قدم، فيجب أن ننظر للأمور بأفق أوسع وبنظرة أشمل، فشخصيتنا فى الكرة هى شخصيتنا فى المصانع والمصالح الحكومية والأراضى الزراعية والمحلات والشوارع والبيوت، فهى جزء لا يتجزأ، فما اقترفه اللاعبون من أخطاء نرتكبه نحن كل يوم باختلاف مواقعنا ووظائفنا وأعمالنا.
لذا علينا بالبدء بالنشء وتحسين صفاته وتقويم شخصيته وغرس سمات التقدم والنجاح بداخله، ذلك إذا أردنا فعلا النهوض، ولكن إذا أردنا مجرد تحسين الصورة من الخارج والتغطية على مرحلة الإخفاق والمرور عليها مرور الكرام فلنستمر فيما نفعله بعد كل سقوط بأن نكتفى باللوم على المدير الفنى وجهازه واللاعبين ونستبدلهم ونأتى بغيرهم، حتى نصطدم بإخفاق جديد وحينها سنتبع الأسلوب نفسه الذى اعتدنا عليه وندور فى الدائرة المغلقة المعتادة.