من لحظات السعادة التى من الممكن يتعرض لها الصحفى أو الكاتب عند تعامله مع مادة صحفية بحتة ويكتشف أنه وسط مشروع إنسانى من الطراز الأول يخدم إخواننا من المحتاجين فى جميع محافظات مصر ويوفر لهم جزءا هاما من أساسيات الحياة وهى الملابس، ولا ينظر المسئولون فى بنك الكساء إلى الملابس كونها مادة لتغطية الجسد فقط بل هى أداة من أدوات التنمية التى يحتاجها الإنسان ليواجه متطلبات الحياة فى مراحل العمر المختلفة سواء أثناء الدراسة أو حتى بعد التخرج من الجامعة، ولم يقف طموح مسئولة البنك المهندسة منال صالح، التى تعتبر شعلة نشاط ولديها أفكار خلاقة باستمرار، عند حد معين بل تخرج أفكارها لتطوير عمل بنك الكساء عن إطار الأفكار التقليدية لتقترب من عنان السماء لإنتاج “براند” مصرى ينافس البراندات العالمية ويتم تسويقه خارج القُطر وتُسخر عائداته من أجل مساعدة المحتاجين داخل مصر.. وإلى نص الحديث الممتع والشيق للتعرف على كافة المعلومات والتفاصيل الخاصة ببنك الكساء المصرى:
• بداية.. ما بنك الكساء المصرى؟
بنك الكساء المصرى مؤسسة أنشئت عام 2012 تحت مظلة بنوك الخير المصرية والتى تضم بنك الطعام الذى أنشئ عام 2005 وبنك الشفاء الذى أنشئ عام 2009، وبصفة عامة فإن فكرة بنوك الخير هدفها توفير أساسيات الحياة للمحتاجين، وبالطبع كانت أولى أساسيات الحياة هى الطعام ثم العلاج وبعد ذلك الكساء ثم بعد ذلك هناك بنك الحياة الكريمة أو الحياة الأفضل كما يطلق عليه الآن والخاص بتوفير مياه الشرب وترميم المنازل ورفع كفاءتها للمحتاجين، وكل كيان فيهم مستقل تماما بذاته وله مجلس إدارة ومجلس أمناء ومستقل ماليا عن الآخر، ولكن مجموعة المؤسسين واحدة.
وعندما تم تأسيس بنك الكساء عام 2012، اعتمد على قاعدة بيانات بنك الطعام لأنه يخدم غير القادرين على العمل وتوفير احتياجاتهم الأساسية، وبذلك تمت إضافة الملابس إلى وجبات الطعام لنفس الأشخاص غير القادرين، ولكن رغم أنه من الممكن أن يكون هناك توحيد فى الطعام فإنه فى الملابس الوضع مختلف؛ فهناك اختلاف فى المقاسات والأذواق والثقافات، وهنا كانت المعضلة لأنه كان من الضرورى إعادة تنظيم وتصنيف قاعدة بيانات المحتاجين بشكل مختلف عن قاعدة بيانات بنك الطعام، ولذلك احتجنا مزيدا من المعلومات والبيانات وفقا للسن والمقاسات والأطوال وطبيعة الملابس والثقافة والبيئة والمحافظة التى يعيش فيها وهل هو قعيد أم لا، ولذلك احتاج بنك الكساء وقتا أطول لتنظيم قاعدة البيانات الخاصة به حتى يتم توفير الخدمة لمستحقيها على أكمل وجه.
والمشكلة الأخرى التى واجهتنا أيضا منظومة إعادة توظيف الملابس حيث إنه من المعروف أن مصر بلد منتج للملابس وأيضا مستورد ومستهلك للملابس، وعلى الرغم من هذا فهناك نسبة كبيرة من المحتاجين للملابس، فكيف نعيد توظيف الملابس التى تأتى إلينا لتصبح صالحة ومناسبة للاستخدام مرة أخرى وبشكل محترم.
• ما حالة الملابس التى تصل إلى المستفيد بعد إعادة توظيفها مرة أخرى؟
نحن نؤمن أننا نقدم للمحتاج الملابس ليس فقط من أجل ستره، ولكن من أجل أن يتعايش فى المجتمع ويتفاعل معه ويشارك فى المناسبات المختلفة دون خجل وسط زملائه ودون الشعور بأى نقص، ولذلك نقدم الملابس كالجديدة تماما وليس بها أية عيوب، لأننا بمجرد استلامنا للملابس أو الأحذية أو الشنط أو حتى الإكسسوارات الحريمى سواء من شركات وفى هذه الحالة تكون جديدة أو من أفراد تكون مستخدمة يتم تصنيفها وفرزها رجالى وحريمى وأطفالى وشتوى وصيفى أو صالحة للربيع والخريف، وهل هى ملابس للاستخدام داخل المنزل أم خارجه، وملابس رياضية وكلاسيكية وشبابية أم لكبار السن، ووجدنا أن هناك هدرا كبيرا فى الملابس وتحتاج إلى إعادة توظيفها لإزالة البقع أو إصلاح ما تحتاج ذلك، ثم مرحلة التعقيم وبعد ذلك التغليف وتقسيمها حسب المقاس والنوع لتصبح معدة للتوزيع، وهناك اهتمام كبير أيضا بطلبة التكافل فى الجامعات “الذين يقدمون ما يثبت أنهم غير قادرين على سداد المصروفات الجامعية” حيث يتم توفير الملابس التى تتناسب مع الطالب الجامعى منذ التحاقه بالجامعة وحتى التخرج بل نوفر له أيضا الزى الرسمى الذى يحتاجه لعمل “إنترفيو” أو المقابلات الشخصية التى ترشحه للعمل مع مراعاة أن هذا الزى ربما يكون عليه دور كبير فى قبوله لشغل الوظيفة.
وأصبح الطالب أكبر مستحق بالنسبة لنا ونراعيه منذ التحاقه بالجامعة وحتى تخرجه وحصوله على فرصة عمل مناسبة.
ونقوم أيضا بتجهيز العروس الفقير بالكامل ونقدم لها جميع ما تحتاجه من ملابس بدءا من الملابس الداخلية وحتى فستان الزفاف، حيث نستقبل طلبات الفتيات المقبلات على الزواج قبل الزفاف ونعد لها صندوقا خاصا مكتوب عليه اسمها وكافة بياناتها ويتم تجهيزه بالكامل ويصل إليها عن طريق مندوبنا وبه كافة مستلزماتها من الملابس والإكسسوارات أحيانا.
• هل مساعداتكم للفتيات الأكثر احتياجا يكون عن طريق تقديم ملابس فقط؟
هناك تنوع فى تقديم المساعدات للفتيات الأكثر احتياجا حيث يتم فى بنك الكساء تشغيل عدد كبير منهن وأيضا من ذوى الهمم بل ونقوم أيضا بتقديم مساعداتنا للفتيات الأكثر احتياجا من خلال توفير ماكينات خياطة لهن، وهناك مساعدات تأتى إلينا من شركات الأقمشة عبارة عن أقمشة متنوعة وخيوط حياكة فنقوم بتقديم تلك الأقمشة إليهن فى المشاغل الخاصة بهن ونقدم لهن الموديلات التى نريدها ثم نشتريها منهن بعد تفصيلها وذلك لتشجيعهن بهذه الطرق المختلفة.
• ما الجهات التى تقدمون إليها مساعداتكم؟
نستهدف جميع الجهات أو الكيانات التى تأوى المستحقين أيا كان موقعها مثل طلبة الجامعات الحكومية ونتوجه لمكاتب شئون الطلبة ومن خلال كشوف التكافل التى لديهم نستطيع التوجه إلى الطلبة المستحقين بمقاساتهم وأسمائهم ويحضر ممثل من البنك عملية التوزيع، ونستهدف أيضا دور الأيتام ونتوجه إليها ونتعرف على مقاساتهم ونقدم لهم كسوة الشتاء والصيف والمدارس وملابس الأعياد ونقدم لهم 4 كسوات فى العام.
• هل نشاط بنك الكساء يغطى محافظات مصر المختلفة أم محافظة القاهرة فقط؟
نقوم بتغطية جميع محافظات الجمهورية، ونتوجه إلى تلك المحافظات إما عن طريق التعامل مع كيانات التكافل مثل “تقوى أو تدعم” التى لديها كشوف المستحقين أو عن طريق توزيعات إغاثية حيث إن هناك قرى فقيرة بالكامل ونستهدفها بجميع أفرادها حيث نقوم بأخذ مقاسات الأفراد وأعمارهم السنية ونتعرف أيضا على طبيعة ملابسهم والبيئة التى يعيشون فيها ونقدم لهم احتياجاتهم التى تناسبهم، وهناك تنوع كبير فى مصر بين ملابس سكان القرى فى الصعيد عن الوجه البحرى فالجلباب الفلاحى على سبيل المثال مختلف تماما عن الجلباب الصعيدى عن السيناوى عن الأسوانى عن حلايب وشلاتين عن المدن، ونوفر لكل بيئة احتياجاتها بل نراعى أيضا الألوان التى تناسب كل بيئة، وهذا ما يمثل الصعوبة الأكبر لأن الملابس جزء من الشخصية التى يحتفظ بها الفقير والغنى ولا يتنازل عنها ولذلك نراعى عندما نتوجه إلى هذا المستحق احترام تقاليده وبيئته.
ونراعى التدقيق فى كل هذه الأمور عند التوجه إلى المستحقين فى أماكن تجمعاتهم وهذا التدقيق هو الذى بنينا عليه هذا الكيان “بنك الكساء”.
• إذا طلبت من حضرتك كشف حساب لنشاط البنك على مدى 11 عاما منذ بدايته فى 2012 وحتى الآن، ما أهم الأرقام التى تحققت؟
بدأنا بكيان صغير للغاية وأصبح حاليا يضم 12 مخزنا ضخما و15 مشغلا للتصنيع و180 موظفا و12 إدارة، وعندما بدأنا منذ خمس سنوات فى تصنيف تبرعات الملابس من أجل تسهيل الاستهداف، اكتشفنا أن أصناف الملبس الذى يحتاجها الإنسان تصل إلى 108 أصناف بداية من الجوارب إلى “توكة” الشعر، والتوزيع يكون وفقا للمتاح فى الرصيد لدى البنك، وفى فترات نستقبل كميات كبيرة من الأحذية وفى أوقات أخرى نستقبل كميات كبيرة من الملابس الداخلية أو الملابس الرياضية وفى بعض الأوقات نستقبل ملابس السواريه مثلا، ولا نستطيع أن نتحكم فى كميات الوارد إلينا ونحاول أن نعمل على توفير مخزون استراتيجى دائم لأننا فى الغالب نقوم بتقديم كسوة كاملة لأى مستحق بداية من الجوارب والملابس الداخلية والملابس الخارجية وحتى الملابس الرياضية والبدلة ولبس الخروج الصيفى والشتوى وممكن الشنط والإكسسوار، وبصفة عامة نجحنا خلال العشر سنوات الماضية فى توفير جميع أنواع الملابس وقدمنا ملابس لأكثر من مليون طالب وأكثر من 5 ملايين أسرة وقدمنا كسوة زواج لأكثر من نصف مليون عروس، وقمنا بتوزيع نصف مليون بطانية و2 مليون قطعة ملابس داخلية وقدمنا إغاثات من جميع أنواعها بدءا من إغاثات السيول فى مصر حتى الدول الشقيقة بناء على تكليف من الهلال الأحمر أو من وزارة التضامن لأننا أصبحنا الكيان الأول فيما يخص الملابس أو الأحذية أو المفروشات التى تقدم من الدولة المصرية إلى الدول المنكوبة مثل زلزال سوريا و تركيا والإخوة فى غزة ولبنان خلال انفجار المطار والسودان.
• ما نظرتك المستقبلية لتعظيم دور بنك الكساء على مستوى مصر كلها؟
لدينا نظرة مستقبلية تقليدية لبنك الكساء وهى زيادة حجم النشاط من أجل تغطية أكبر عدد من المحتاجين لأن لدينا قناعة بأن الملابس تعتبر أداة تنموية مثلها مثل باقى الأدوات التنموية الأخرى للمجتمع ونعلم أن هناك عددا كبيرا من المصانع ومن المستوردين والمصدرين للملابس ونحاول أن نصل إلى كل مصنع، وهناك مشكلة مع مصانع المنطقة الحرة بسبب فرض جمارك على أى منتج يخرج من هذه المصانع حتى ولو كان للتبرع والتوزيع على الفقراء والمحتاجين ونحاول الآن التحدث مع الجهات المعنية لحل تلك المشكلة لأننا جهة توزيع مجانى ولا نقوم ببيع تلك المنتجات ونحاول أن نكون كيانا له استثناء فى الإعفاء الجمركى على الملابس ومنتجات تلك المصانع المخصصة للتبرعات لأن مصانع المناطق الحرة تضطر فى الغالب إلى إهلاك كميات ضخمة من الملابس والبواقى غير المباعة دون الاستفادة منها للفقراء الذين هم فى أشد الحاجة إليها خاصة أن إعادة توظيف تلك المنتجات من السهل علينا ولكن للأسف لا نستطيع إخراجها دون الرسوم الجمركية.
وبالنسبة للنظرة غير التقليدية، فقد تولدت لدينا بعد قمة المناخ فى شرم الشيخ فكرة وهى التدوير بمفهومه العام سواء تدوير الهالك من الأقمشة أو الملابس أو الأخشاب أو البلاستيك أو غيرها وعمل مشاريع خاصة بإعادة تدوير وإنتاج منتجات جديدة، وبدأنا بالفعل فى أول مشروع تدوير الملابس القديمة جدا إلى ملابس عصرية ويتم بيعها لصالح توفير ملابس للمحتاجين، وعملنا “فاشون براند” أطلقنا عليه “الما” وهو على مستوى عالمى للتصدير وعالى الجودة والقيمة لأن المواد المستخدمة فيه من الممكن أن تكون “أنتيكات” عمرها مائة عام مثلا أو فستان فرح لأشهر الممثلات والتى ظهرت به فى أحد الأفلام وهى أشياء قيمة جدا أو تطريزات “هاند ميد” أو أنواع من الحرائر لم تعد موجودة الآن، كل هذا تتم إعادة تطويره كمنتج مصرى محلى عالى الجودة والتكلفة مخصص للتصدير ينافس البراندات العالمية.
وهناك مشروع آخر يعتمد على فرم وتدوير الهالك من المنتجات والأقمشة المختلفة غير الصالحة للاستخدام وإنتاج مواد تستخدم فى عمليات العزل، وبدأنا نتواصل مع مصانع السيارات لتوريد تلك المنتجات إليهم.
هذه هى رؤيتنا المستقبلية حيث نستهدف أن نصبح “ zero waste” والاستفادة من كل شىء يتم التبرع به لبنك الكساء من أجل أن يستفيد به المستحق سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
• ماذا تقصدين بالتعديلات التشريعية المطلوبة فى هذا الإطار؟
ما نقصده أن تكون التعديلات التشريعية ذات شقين: أولا تحقيق مزايا ضريبية للمتبرع العام وتكون واضحة وصريحة حتى نشجعه على التبرع، لأنها واضحة فى القانون بالنسبة للتبرع النقدى للجهات الخيرية ولكن بالنسبة للمنتجات المصنعة والبواقى كالملابس أو حتى الأجهزة الكهربائية وغيرها غير معترف بها وحتى مصادرات الموانئ لا يستطيع المستورد التبرع بها للجهات الخيرية دون سداد رسومها الجمركية وفعلا محتاجين تشريعات للسماح لإعادة توظيف تلك المنتجات المخصصة للعمل الخيرى وتكون غير مخصصة للبيع، وثانيا ما يخص المصانع الموجودة فى المناطق الحرة للسماح لها بإدخال الهالك أو بواقى المصانع والتبرع بها للجهات الخيرية وحتى يستفيد بها المحتاجون والفقراء بدلا من إهلاكها.
• ما شعار بنك الإسكان؟
شعارنا “فرحتهم مسئوليتنا”، لأننا اكتشفنا أن أول رد فعل لأى مستحق عند تقديم الكساء له تظهر فرحته وسعادته مباشرة فى عينيه.