بقلم: أشرف الليثى
علاقة مصر بصندوق النقد الدولى علاقة قديمة منذ بداية عمل الصندوق تقريبا، حيث انضمت مصر إلى عضوية الصندوق فى ديسمبر 1945، ولكن لم تقترض مصر من الصندوق إلا فى بداية عام 1977، وكان هذا أول اقتراض لمصر من الخارج بصفة عامة، حيث لم يذكر التاريخ أنها اقترضت من أى دول قبل هذا التاريخ، وكان حجم القرض 186 مليون دولار لحل مشكلة المدفوعات الخارجية ومواجهة زيادة التضخم، ثم جاء الاقتراض الثانى عام 1991 وكان بحجم 375 مليون دولار وخصص لسد عجز الميزان التجارى، وفى عام 1996 كان الاقتراض الثالث من الصندوق بقيمة 434 مليون دولار إلا أن هذا القرض لم يكتمل وتم الغاؤه.
وتوالت بعد ذلك طلبات الاقتراض من الصندوق ولكن تجاوزت الملايين لتصبح بالمليارات وكان ذلك فى عهد محمد مرسى حيث اقترضت مصر 4.7 مليار دولار وكانت قد طلبت فى البداية 3.2 مليار دولار ثم تم رفعها إلى 4.7 مليار دولار، وفى 2016 مع بداية برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى تمت زيادة الطلب على الاقتراض من الصندوق وطلبت مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار.
والحقيقة التى يعلمها خبراء الاقتصاد فى جميع أنحاء العالم أن الاقتراض ليس عيبا أو إنقاصا من هيبة الدولة والدليل على ذلك أن أكبر دولة مديونة فى العالم هى الولايات المتحدة الأمريكية وتجاوز حجم مديونياتها 31.4 تريليون دولار، بل يعتبر الدين جزء من عملية التنمية فلا توجد دولة فى العالم تخطط للتنمية دون أن تستدين من الخارج سواء من صندوق النقد أو المؤسسات المالية الدولية أو صناديق عالمية أو من حكومات الدول الأخرى مباشرة، ولكن من الأهمية كيفية توظيف تلك الديون بطريقة صحيحة بحيث تتم الاستفادة منها بأقصى درجة ممكنة وتوجيهها لمشروعات تدر عائدات تستطيع الدولة سداد جزء من مديونياتها وأيضا تحقيق معدلات تنمية مختلفة.
إدارة الدين أصبحت علما متطورا، وعلى سبيل المثال تركيا وشيلى كانتا من أكثر الدول التى نجحتا فى إدارة الديون الخارجية بطريقة أكثر احترافية وتمكنتا من توجيه القروض إلى مشروعات تنموية طويلة الأجل تدر عائدات تشغيلية مكنت الحكومة من سداد أقساط نسبة كبيرة من ديونها وساعدتها أيضا فى إقامة مشروعات كانت الدولة فى أمس الحاجة إليها من أجل تنفيذ خطط ‘صلاحية قوية.
فى الحالة المصرية، ليس عيبا أن يصل حجم الدين الخارجى إلى ما يقرب من 165 مليار دولار مادامت هناك إدارة جيدة لتلك المديونية ولكن من الأهم ألا توجه الديون إلى مشروعات طويلة الأجل لسداد مديونيات قصيرة الأجل، فمن الأهمية الاستعانة بالخبرات الفنية الوطنية التى تتمكن من القدرة على التفاوض مع الدائنين لتحويل القروض قصيرة الأجل إلى متوسطة أو طويلة الأجل، وهناك حقيقة ملموسة يعرفها جيدا جميع من فى مصر وخارجها أن هناك مشروعات تنموية عملاقة تمت على أرض المحروسة من شمالها إلى جنوبها ولم تستثن محافظة من محافظات مصر جميعا من المشروعات القومية بل وصلت تلك المشروعات إلى الكفور والنجوع التى طالتها يد الإهمال على مدى عقود طويلة وكانت شبه منسية.
القاصى والدانى يعلم تماما أن حياة الريف المصرى أصبحت أكثر سعادة عن ذى قبل بصرف النظر عن ارتفاع أسعار السلع الذى يكتوى به الجميع ولكن حقيقة هناك مشروعات تنموية فى البنية التحتية والصرف الصحى ومياه الشرب لم تكن تلك المحافظات تعرفها من قبل وأصبحت “حياة كريمة” تمتد أياديها إلى جميع أنحاء الجمهورية.
ليس عيبا أن نصحح من أخطائنا بحيث نحقق أقصى استفادة من الإمكانيات المتاحة بما فيها القروض وتوجيهها إلى أكثر المشروعات احتياجا وهذه هى المعادلة السهلة والصعبة فى الوقت نفسه.