أجرى الحوار: أشرف الليثى
هانى المنشاوى .. قصة نجاح فصولها تمتد عبر عدة دول إلى أن استقر به المقام فى مصر وأقام بها أول مصنع لإنتاج فواتح الشهية من الأسماك، مستخدما أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا فى هذا الإطار وأقام صرحا ابتكاريا تعليميا أطلق عليه مصنع “سمر مون” فى مدينة برج العرب الصناعية.
ويمتلك هانى المنشاوى حسا وطنيا إنسانيا، يضع نصب عينيه دائما البعد الاجتماعى ويحاول ألا تقتصر منتجاته على الفئات الغنية بل يحاول بشتى الطرق أن يصل إلى الفئات الاجتماعية الأقل دخلا ويوفر لهم وجبات متكاملة بأسعار معقولة.
فى حديثه لمجلة “الإيكونوميست المصرية” تناول مشوار حياته منذ تخرجه فى كلية التجارة جامعة الإسكندرية وتنقله بين عدة دول واقتحامه مجالات لم يكن يعرفها بل وليس لديه سابق خبرة بها، وتعلم واعتمد على استغلال النباتات الطبيعية التى تتميز بها مصر، وحاول أن تكون عاملا مشتركا فى كافة منتجاته مستفيدا منها كمواد حافظة طبيعية ولإكساب المنتجات مذاقا مميزا … وإلى نص الحديث الممتع الشيق:
• نود مزيدا من التعريف بالأستاذ هانى المنشاوى من حيث النشأة والتطور المهنى.
بدايتى كانت فى طنطا، حيث أنتمى لإحدى الأسر التى أطلقوا عليها أصحاب الأملاك والتى تم تأميمها فى الستينيات، وبعد تخرجى فى كلية التجارة جامعه الإسكندرية سافرت إلى السعودية واشتغلت فى أكبر شركة للتوكيلات التجارية، حيث كانت تمتلك 36 توكيلا تجاريا مثل ميشلان وIBM ومرسيدس وإريكسون بمنطقة الدمام، وتعلمت واكتسبت خبرة كبيرة خلال تواجدى فى هذه الشركة خاصة أنها كانت تضم العديد من الجنسيات من مختلف دول العالم خاصة وأننى أجيد الإنجليزية والفرنسية وهذا ساعدنى كثيرا فى التواصل مع تلك الجنسيات التى أفادتنى كثيرا، وقمت بجانب عملى بأعمال الترجمة لجميع البضائع التى تدخل الشركة وهذا مكننى من تجميع معلومات ضخمة عن جميع البضائع التى تدخل إلى المملكة، ووصلت إلى منصب نائب المدير المالى للمجموعة ولم أتجاوز الثلاثين عاما، وقررت أن أعمل ماجستير ودكتوراه فى اقتصادات الوحدات الصغيرة، وسافرت إلى إنجلترا وأنهيت تلك الدراسات بالإضافة إلى الحصول على دبلومتين متخصصتين فى الكمبيوتر سيستم ديزاين، وكنت أول شخص على مستوى الشرق الأوسط يحصل على تلك الدبلومتين فى ذلك الوقت.
وعدت إلى مصر عام 1984 وقررت أن أنشئ أول مستشفى تخصصى فى الإسكندرية وكانت فكرتى تستهدف إقامة مراكز طبية متخصصة على مستوى عال وبدأنا بتخصص أمراض النساء والأطفال وبالفعل أسست مستشفى 11 دورا و110 أَسِرة وكان أول مستشفى تخصصى يُقام فى مصر، وبعد ذلك حدثت بعض المشاكل وقررت أن أبيع حصتى وأسافر إلى قبرص وتعرفت هناك على شخصيات مهمة عديدة وأقمت شركة متخصصة فى غزل الأقطان وساهمت فى تصدير منتجات أكبر ست شركات مصرية فى المنسوجات إلى قبرص وقمنا بتصدير تلك المنتجات إلى باقى الدول الأوروبية ونتيجة لبعض المشاكل الخاصة بهذا القطاع فشلت فى استيراد غزل من مصر لمدة طويلة وقررت أن أرجع إلى مصر وقبل عودتى عزمنى وزير الداخلية القبرصى على مطعم أطلس ترودوس فى قمة جبل ترودوس وقال لى: إن الملك فاروق كان يحب هذا المكان وكان يأتى إلى هذا المطعم خصيصا، والغريب فى الأمر أن الوجبة التى تناولتها هى المنتجات التى أنتجها الآن وكانت هذه هى البداية.
• واضح أن القدر كان له الكلمة العليا فى اختيار طريقك، ولكن كيف أتقنت هذا العمل ولم يكن لك فيه أى خبرة سابقة؟
أثناء وجودى فى هذا المطعم تملكنى إحساس قوى أن رزقى سيكون فى هذه الصناعة وأن قدرى ساقنى إلى هذا المطعم قبل مغادرتى قبرص ونزولى مصر، وبدأ اهتمامى الكبير بالطعام الذى تناولته فى العشاء وكان عبارة عن أطباق خاصة بكل فرد؛ بكل طبق قطعة واحدة من فواتح الشهية من الأسماك على اختلاف أنواعها ولم يكن هناك طبق رئيسى ولكن كل طبق له مذاق مختلف ومتنوع وكمية الطعام قليلة ولكن فى النهاية جميع الموجودين كانوا سعداء وتم إشباع رغبات الجميع.
وتعرفت على صاحب المطعم وتحدثت معه طويلا وقال: إن جميع المنتجات التى يقدمها فى المطعم يتم تصنيعها فى المجر لأنها أشهر دولة تقوم بتصنيع الأسماك بطريقة شرقية، وغيرت طريق عودتى من القاهرة إلى المجر التى توجهت إليها كى أتعلم هذه الصناعة وكنت مفلسا ولم يكن لدى أى أموال وصبرت وكان لدى إصرار أن أنجح وأن أحول النقمة إلى نعمة لأن هذا مبدأى وكان عمرى فى هذا الوقت 39 عاما وكان علىّ أن أبدأ من تحت الصفر فى هذا العمر.
• هناك تفاصيل مهمة مهَّدت لبداية نشاطك الحقيقى فى مصر، نود إلقاء الضوء عليها كى يتعلم الشباب من تلك التجربة الثرية.
قبل عودتى إلى مصر استمرت إقامتى فى المجر ما يقرب من شهر تعلمت خلاله كل التفاصيل الخاصة بإعداد الأسماك بالطريقة الشرقية وخاصة صناعة السمك المدخن وانتهت فترة التعلم وجاء وقت الحسم وقبل أن أبدأ مشروعى قمت بدراسة كاملة للسوق المصرية واكتشفت أنه ليس هناك مشروعات فى هذه السوق الكبيرة الضخمة لتصنيع فواتح الشهية للأسماك وسأكون أول من يعمل فى هذا المجال، وعلى الرغم من ذلك كان لدى تصميم أن يقترن أى نشاط لى فى مصر بالتطور التكنولوجى واستوردت ماكينة “فاكيم” لشفط الهواء وبذلك تم القضاء على البيئة التى تنشط فيها البكتريا واستحدثت أيضا طريقة جديدة باستخدام المواد الحافظة الطبيعية واستخدام الأعشاب الطبيعية المتوافرة لدينا فى مصر وأشهرها الزنجبيل والفلفل الأبيض والزعتر والبردقوش وقرأت أبحاثا كثيرة فى هذا الموضوع وفى النهاية توصلت إلى خلطات من تلك الأعشاب بمقادير معينة تضاف إلى الأسماك لتحافظ عليها كمواد حافظة طبيعية وفى نفس الوقت تمنحها مذاقا مميزا يتناسب مع أذواق المصريين وأجريت تجارب كثيرة للوصول إلى هذه الخلطات وقضيت أكثر من عام ونصف فى هذه التجارب قبل ظهور مشروعى إلى النور ووضعت كافة الاحتمالات حتى احتمال قطع التيار الكهربائى عن المصنع.
خلال العام والنصف قبل ظهور إنتاجى إلى النور، درست الـ “كود سيفتى” الخاص بسلامة الغذاء حتى قبل تطبيقه هنا فى مصر وأيضا حرصت على الاستعانة بالخبرات الأكاديمية وذهبت إلى عميد زراعة الإسكندرية وتقابلت معه وتحدثت معه فى المشروع وطلبت مشورته فيما أنا مقدم عليه وقلت له: أريد أن أنشئ مركزا لتصنيع فواتح الشهية من الأسماك، واهتم جدا بالمشروع لأنه لم يسمع عنه من قبل وطلبت منه الاستعانة بالكتب العلمية فى مجال التصنيع السمكى.
وقال لى: أنت مهتم بالرنجة والسردين والماكريل والثعابين ولكن أين الفسيخ؛ أهم أكلة بالنسبة للمصريين؟ وقال: هناك دكتورة عملت رسالة دكتوراه من أربع سنوات عن الفسيخ وسوف أتصل بها ونرى كيف يمكن أن تساعدك فى هذا، وأثناء حديثنا دخلت هذه الدكتورة المكتب صدفة وطلب منها رسالة الدكتوراه لتنفيذها فرحبت جدا وبالفعل فى أقل من عشر دقائق أحضرت نسخة منها وقدمتها لى وبذلك أصبح بين يدى كيفية تصنيع الفسيخ بطريقة علمية، وبالفعل نفذت الطريقة وأصبح المصنع الوحيد الذى يقوم بتصنيع الفسيخ بطريقة صحية فى مصر.
• متى بدأ نشاطك فى تصنيع الأسماك فى مصر؟
تم تأسيس مصنع صغير لا تتعدى مساحته 500 متر مربع عام 1996 وكان رأس ماله 250 ألف جنيه فى البداية وهذا يمثل ثمن الأرض بالمبنى بماكينة “فاكيم” واحدة وماكينة أخرى يدوية، ولكنه كان مصنعا نموذجيا لأن هدفى من البداية إقامة مركز ابتكارى تعليمى ومتوافر به كافة اشتراطات النظافة والجودة ولم يكن ينقصة شىء بالمرة ودرست أيضا سلامة الغذاء وبدأت بخمسة منتجات وأصبح الآن لدينا 75 منتجا وكنت على يقين أن مصر تحتاج أن يكون هناك منتجات صحية وآمنة خاصة فى هذا المجال.
• هل حصلت على شهادات جودة سواء محلية أو عالمية؟
هذا هدف أساسى خلال عملى أن يكون لدىَّ أعلى شهادات عالمية فى الجودة، وكنت أول من حصل على شهادة HACCP فى مصر وهذه خاصة بسلامة الغذاء حصلت عليها عام 2002 وكان هذا ضمن برنامج لليونيدو وكان مشاركا فيه 100 مصنع. وفى عام 2005 مع ظهور الآيزو 22000 درجة أعلى من HACCP وكنت أول مصنع فى مصر يحصل عليها وأخذت شهادات من الصين ومن سويسرا من شركة SGS ومن النمسا ومن وزارة التجارة الإيطالية ومن ألمانيا ومن باكستان وأخيرا حصلت على شهادة FDA الأمريكية والتى تعتبر أعلى شهادة فى العالم خاصة بسلامة الغذاء وحصلت أيضا على شهادة من وزارة الزراعة المصرية والتى تعتبر بمثابة الموافقة على تصدير منتجاتنا إلى الأسواق الخارجية.
وشهادات هذه الدول تبين أن مصنعنا قوى، حيث اتفق هؤلاء جميعا على منحنا شهادات جودة، وأصبحت أسواق هذه الدول مفتوحة أمام منتجاتنا.
• ما الخطوة التى اتخذتها بعد نجاحك فى الحصول على شهادات الجودة وسلامة الغذاء العالمية؟
بدأت بعد ذلك فى زيادة منتجاتنا بشكل غير تقليدى، وكان هدفى أن يكون لمنتجاتنا بعد اجتماعى بحيث تستطيع فئات المجتمع المختلفة شراء منتجاتنا وبدأت فى إنتاج منتج جديد مثل مكعبات الفسيخ بالكريمة اللبانى واللوز المحمص وهذا المنتج لم يجد رواجا فى السوق المصرية لأن المصريين يفضلون الأكل التقليدى ولكن نجح بشكل كبير فى الأسواق الخارجية، ونجحنا أيضا فى إنتاج جميع الأسماك المدخنة خاصة الأسماك ذات الدهون وكان لها مذاق رائع لأننا أضفنا إليها جوزة الطيب وأنتجنا سلطة الرنجة وأنتجنا السيمون فيميه الشرائح الملفوفة مثل ورق العنب وأضفنا إليه القشدة والجبنة العذبة مع رشة فستق محمص التى تقدم فى الأفراح والحفلات وخفضنا بذلك سعر السيمون فيميه وأنتجنا الفيليه رنجة وتمت تعبئتها فى شرائح ندخنه وعند تصديرها لأسواق مثل اليونان كانت تعرف فقط الرنجة المسلوقة ولكنهم لأول مرة يتعرفون على رنجة مدخنة وشرائح ووجدت هناك إقبالا كبيرا.
• هل عمليات التطوير للمنتجات مستمرة؟ وما فلسفتك فى الحفاظ على تقدمك؟
اعتمدنا فى المرحلة الجديدة على تطوير طرق التعبئة والتغليف، وبدأنا نعبئ منتجاتنا فى برطمانات، ولم يقتصر عملنا على التجفيف فقط باستخدام الـ “فاكيم”، وكل ذلك مع استخدام تشكيلة توابل مصرية كمادة حافظة وتعطى مذاقا جميلا شهيا.
واعتمدنا بشكل كبير على تطوير صناعة الأسماك عن طريق تطوير طرق التعبئة والتغليف وهذا مستمر حتى الآن واستفدنا من مبادرة البنك المركزى الخاصة بخفض فائدة البنوك المقدمة للتصنيع إلى 5% وأدخلنا خطوط إنتاج أول مرة تدخل مصر من بلجيكا وألمانيا لعمل طرق تغليف متطورة عن طريق سحب الهواء وحقن غاز خامل فى نفس الوقت وبالتالى توفر بيئة لا تسمح بنمو البكتيريا، وخط آخر عبارة عن تشكيل حرارى ثلاثى الأبعاد وهذا سهل علينا تعبئة أكثر من منتج فى عبوة واحدة بحيث وفرنا للمستهلك شراء فيليه رنجة وزن 100 جرام ومعها سردين أيضا 100 جرام وفيليه فسيخ 100 جرام فى عبوة واحدة ولكن فيه فواصل بينهم ولا تنقل لا رائحة ولا تغير من طعم كل منها وأطلقنا عليها “شروة”.
وفوجئت بأن هناك 36 شركة فى مصر تستورد التونة من الخارج، وثلث إنتاج تايلاند من التونة تستورده مصر، ولذلك قررت إنتاج التونة فى مصر، وكان أول منتج مصرى للتونة ينزل الأسواق عام 2017، وعملنا طبخة مصرية للتونة وطعمها رائع مضاف إليها زيت السمسم والزعتر وآمنة وصحية جدا.
• ما الأسواق التى نجحت فى التصدير إليها؟
نجحت فى اختراق أسواق كندا وأمريكا وهولندا وأستراليا، وكانوا فى هذه الدول منبهرين بمنتجاتنا، ودخلت أيضا دول الخليج فى الإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان، إلا أننى لم أشعر بانبهارهم بالمنتجات مثل انبهار الغرب، ونجحنا أن يكون لنا اسم مميز فى تلك الأسواق.
• فى اعتقادك لماذا لم تصنف مصر عالميا كدولة رائدة فى صناعة الأسماك؟
إنتاج مصر من الأسماك سنويا يُقدر بنحو 2.2 مليون طن، وترتيبها على مستوى العالم الرابع فى الاستزراع السمكى؛ مشاريع غليون والفيروز بشرق التفريعة ومثلث الديبه ببورسعيد؛ كل هذه المشروعات زادت من إنتاج مصر من الأسماك ولكن مازال 34 % من الإنتاج السمكى فى مصر يأتى من محافظة كفر الشيخ، وهناك محاولات للوصول إلى 3 ملايين طن سنويا. والسبب فى أن مصر لم تصنف عالميا كدولة رائدة فى صناعة الأسماك هو أننا لم نقم بزيادة القيمة المضافة للأسماك التى ننتجها ويتم تصديرها كمواد خام فى حين أننا لو قمنا ببعض الأعمال البسيطة سنزيد من أرباحنا؛ على سبيل المثال مصر تنتج أفضل سمكة بلطى فى العالم ولكن يتم تصديرها بشكلها التقليدى، لكن لو قمنا بتنظيفها وعملها فيليه مثلا وتمت تعبئتها لزادت بذلك القيمة المضافة ونكون قد صدرنا منتجا صناعيا وليس مواد خام.
• ما طموحاتك وتطلعاتك المستقبلية الخاصة بصناعة الأسماك؟
أتمنى أن أصبح استشاريا لصناعة الأسماك وفواتح الشهية من الأسماك فى مصر، وأقدم خبرتى ومشورتى لأى مصنع مصرى يريد أن يستثمر فى هذه الصناعة وذلك من أجل زيادة الدخل القومى لمصر من هذه الصناعة، وأتمنى أن تنتشر هذه الصناعة فى مصر، وألا نقوم بتصدير الأسماك كمادة خام ولابد من إدخال قيمة مضافة لها قبل تصديرها كى نحقق زيادة كبيرة من عائدات التصدير للأسماك خاصة التى لنا ميزة نسبية فيها مثل البلطى، وأتمنى استخدام التكنولوجيا المتطورة فى صناعة الأسماك بصفة عامة.
وأتمنى زيادة البعد الاجتماعى الإنسانى والتنمية البشرية فى جميع المشروعات؛ وعلى سبيل المثال فى شركتنا نقوم باستكمال تعليم عدد من صغار العاملين حتى يحصلوا على شهادات الدبلوم الفنى ونقوم بتدريب العمال وتطوير مهاراتهم، واعتبارا من شهر سبتمبر الجارى سوف ننشئ أول فصل للتعليم الفنى المزدوج مبارك كول هنا فى المصنع لتعليم صناعة الأسماك والحصول على دبلوم فنى فى هذا المجال.