الإيكونوميست المصرية
هل التوريق حل لأزمة نقص العملة؟

هل التوريق حل لأزمة نقص العملة؟

فاطمة إبراهيم

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وثيقة تشير إلى اتجاه الحكومة لتوريق نسبة تتراوح من 20% إلى 25% من العائد الدولارى للدولة.
فما التوريق؟ وما أنواعه؟ وما الهدف من عملية التوريق؟ وما الأصول التى يمكن إصدار سندات توريق عليها؟
توقع محللو مورجان ستانلى أن تصل الفجوة التمويلية ما بين23-24 مليار دولار حتى نهاية يونيو 2024، وهو ما يفوق توقعات محللى صندوق النقد الدولي، والتى تم تقديرها سابقا بحوالى 17 مليار دولار.
وجاء هذا المقترح عقب تزايد الضغوط الاقتصادية العالمية وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وتعرض الاقتصاد المصرى لهزة عنيفة بعد خروج نحو 22 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بشكل مفاجئ، مما أثر سلبا على تدفقات النقد الأجنبى، فى وقت تلتزم الحكومة المصرية بسداد ما يقرب من 42 مليار دولار خلال العام الجارى، مقابل أقساط مستحقة وفوائد دين، ما يتطلب إيجاد حلول غير تقليدية للخروج من الأزمة.
وأكد خبراء الاقتصاد أن سندات التوريق هى أوراق مالية قابلة للتداول تساعد الدول والشركات فى تدبير السيولة بضمان أصول من الممكن توريقها، مشيرين إلى أن التوريق هو إحدى الآليات لجذب سيولة سريعة بالعملة الصعبة تساعد الحكومة فى الخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة من خلال إصدار سندات توريق بضمان إيراداتها المستقبلية بالدولار.
وفى حالة مصر، يعنى هذا أنها ستجمع ديونا دولارية بضمان نسبة من مصادر إيراداتها المستقبلية من العملة الصعبة مثل الصادرات وإيرادات السياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج والاستثمار الأجنبى المباشر.
وأصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء وثيقة، بعنوان “أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى للفترة الرئاسية الجديدة (2024ــ2030)”، والتى تحتوى على تفاصيل خطة زيادة الموارد من النقد الأجنبى إلى نحو 300 مليار دولار فى عام 2030.
وذلك عبر مجموعة من الطرق ومنها توريق نسبة تتراوح من 20% إلى 25% من العائد الدولارى للدولة، على أن تصدر الحكومة سندات مقابل هذا العائد لتبيعه لبنوك الاستثمار والمستثمرين بالعملة الأجنبية، وأكدت الوثيقة أن العائد سيتراوح بين 1.4 و10.1 مليار دولار سنويا.
والتوريق هو تحويل الأصول غير السائلة إلى أوراق مالية قابلة للبيع للمستثمرين، وعادة ما يكون هذا الأصل له تدفقات نقدية دورية، وهذه طريقة لزيادة السيولة الدولارية بشكل فورى أو أسرع من المعتاد، خصوصا فى ظل الوضع الاقتصادى العالمى الصعب الضاغط على مصادر العملة الصعبة فى مصر.
وذكر خبراء الاقتصاد لـ”الإيكونوميست المصرية” أن الحكومة يمكنها توريق إيرادات شركات أو هيئات مختلفة مثل قناة السويس والهيئة العامة للبترول أو منشآت سياحية، لكن يجب أن تستهدف الحكومة طرح سندات التوريق فى الأسواق الدولية للحصول على الدولار، وليس فى السوق المحلية.
لكن نجاح مصر فى توريق بعض مصادر إيراداتها الدولارية سيتوقف على الجدارة الائتمانية للأصول التى ستصدر مصر عملية التوريق بضمانها.
وتواجه إيرادات قناة السويس تحديات خلال الفترة الحالية، نتيجة للاضطرابات فى منطقة البحر الأحمر، ما دفع العديد من شركات النقل البحرى العالمية لتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب المرور عبر مضيق باب المندب نتيجة استهداف السفن التجارية.
فضلا عن تراجع كبير فى مصادر العملة الأجنبية بمقدار أكثر من الثلث فى تحويلات المصريين المغتربين والعاملين بالخارج، كما وصل صافى عجز أصول مصر الأجنبية فى نهاية أكتوبر 2023 إلى أكثر من 27.1 مليار دولار.
وأكد الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادى أن التوريق أحد المشتقات المالية وهو أداة مهمة لسد الفجوة التمويلية الحالية، وتعنى توريق نسبة من العائدات الدولارية المستقبلية تنازل الدولة عن إيرادات مستقبلية بالدولار لمدة عامين على سبيل المثال مقابل الحصول عليها فى الوقت الحالى مقابل نسبة خصم، بمعنى: لو أن إيرادات قناة السويس مثلا 20 مليار دولار خلال عامين مقبلين، تحصل مصر حاليا على 17 مليار دولار، بحيث تتمكن مصر من سداد التزاماتها الحالية من خلال بيع الإيراد المستقبلى لأحد الأصول التى تُدر دخلا بالعملة الأجنبية.
وأضاف شعيب أن التوريق يساعد على سد الفجوة التمويلية، وسد عجز الموازنة للدولة، وسد العجز التمويلى الدولارى؛ أى أن الدولة تقترض بالدولار مقابل التنازل عن جزءٍ من الإيراد بحيث تحصل عليه مقدما، وهذا يحقق مزايا متعددة هى الاقتراض بضمان أصل، والأصل مازال مملوكا للدولة، ولكن الدولة ستكون قادرة على تدبير احتياجات المستثمرين والمستوردين من الدولار بما يُحسِّن من موارد الاقتصاد، وتنويع مصادر التمويل، وتنويع لأدوات الدين.
وعن لجوء الدولة للتوريق وليس مؤسسات التمويل الدولية أو طرح سندات دولارية، قال شعيب: إن مؤسسات التمويل تفرض شروطا معينة على الدعم واستخدام سعر صرف مرن، وزيادة نسبة الدعم للمهمشين، بينما يوفر التوريق تنوعا فى مصادر التمويل، والخروج من الشروط المجحفة، لاسيما فى ظل تراجع التصنيف الائتمانى لمصر من قِبل وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث الكبار.
وخفضت وكالات “موديز” و”فيتش” و”ستاندرد آند بورز” تصنيف مصر الائتمانى مع اشتداد أزمة نقص الدولار واتساع الفجوة بين سعرى الدولار فى السوقين الرسمية والموازية.
وأضاف الخبير الاقتصادى أن الدولة تسعى أيضا إلى اتفاقيات مبادلة مع الصين و الإمارات وغيرهما والبحث عن طرق جديدة لحل أزمة نقص العملة الحاد، مشيرا إلى أن الحكومة يمكنها توريق إيرادات شركات أو هيئات مختلفة مثل قناة السويس والهيئة العامة للبترول أو منشآت سياحية أو مشروعات فى العاصمة الإدارية أو بعض الموانئ، لكن يجب أن تستهدف الحكومة طرح سندات التوريق فى الأسواق الدولية للحصول على الدولار، وليس فى السوق المحلية.
فإن بعض إيرادات مصر الدولارية الحالية تواجه تحديات مثل تحويلات العاملين بالخارج التى تعانى من انخفاض خلال الفترة الماضية وسيكون من الصعب الاعتماد عليها.
من جهتها، ترى الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن التوريق يوفر وسيلة لزيادة الحصيلة من النقد الأجنبى باستخدام أداة مالية لزيادة موارد الدولة بالاستناد إلى أداة مالية كإصدار ورقة مالية بضمان سندات مصدرة من قبل.
عالميا، اعتمدت بلدان كثيرة على إصدار سندات التوريق للحصول على سيولة، لكن التوريق كان محركا رئيسا للأزمة المالية العالمية فى 2008، عن طريق تحويل الرهن العقارى فى ذلك الوقت إلى أدوات مالية أشبه بالسندات، وهو ما دفع العديد من المؤسسات المالية الكبرى بشتى أنحاء العالم إلى السقوط عندما انفجرت فقاعة العقارات فى الولايات المتحدة، فمع بداية انخفاض أسعار العقارات فى أمريكا، ارتفعت معدلات التأخر أو حتى التخلف التام عن سداد الرهن العقارى وهو ما أدى إلى تكبد بنوك وول ستريت خسائر هائلة فى أوراقها المالية المدعومة بالرهن العقارى.
وأضافت د. يمن الحماقى أن التوريق له عدة أنواع؛ مثل توريق بضمان أوراق مالية مصدرة من قبل، وتوريق أصول بمعنى بيع الأصول المملوكة للدولة، وفى هذه الحالة يُشترط أن يتم تقييم الأصول بشكل عادل وليس بطرق التقييم التقليدية.
من جانبه، ذكر كرم سليمان، الخبير المصرفى أنه لإنجاح عملية التوريق وجذب مستثمرين أجانب يتطلب وجود ضمانات بسهولة الخروج من السوق عندما يرغب فى ذلك، مشيرا إلى أن التوريق قد يكون توريقا لأصل، أو مشروع بغرض بيعه أو توريق العوائد المستقبلية لأصل ما.
وقال: إن عملية “توريق العائدات الدولارية المستقبلية” يتم اللجوء إليها بهدف الحصول على تدفقات مالية سريعة تستخدم فى سداد التزام عاجل أو إعادة استثمارها مجددا.
وأضاف سليمان أنه فى مقابل ذلك، يحصل حملة السندات على عوائد مالية مقابل جزء من الإيرادات المستقبلية وأيضا قيمة أصل السند وقت الاستحقاق؛ أى أنها بمفهوم بسيط هى إعادة اقتراض مبالغ مالية مقابل الاستغناء عن جزءٍ من الإيرادات المستقبلية المتوقعة لمدة زمنية هى فترة التوريق.
واعتبر سليمان التوريق مصدرا آخر من مصادر العملات الأجنبية، بطريقة مختلفة، ويشترط توفير الشفافية، وآلية للخروج للمستثمر حال رغبته فى ذلك.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *