وفاء عثمان
فى سياق جهودها الطموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتعزيز الأمن الغذائى، تواصل مصر تنفيذ مشروعات قومية ضخمة تستهدف استصلاح 4 ملايين فدان بحلول عام 2025/2026.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة تمثل تحولا استراتيجيا فى القطاع الزراعى، مع التركيز على زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، وتوظيف التقنيات الحديثة لتحسين الإنتاجية وتقليل الهدر، ما قد يسهم فى مضاعفة الصادرات الزراعية لتصل إلى 10 مليارات دولار خلال 2025.
وأكد الدكتور محمود عبد الغنى، خبير الاقتصاد الزراعى لـ “الإيكونوميست المصرية” أن الدولة تعمل بشكل مكثف على زيادة الرقعة الزراعية من خلال مشروعات ضخمة، مثل مشروع توشكى بمساحة 1.1 مليون فدان، وتنمية شمال ووسط سيناء بنحو 456 ألف فدان، بالإضافة إلى مشروع تنمية الريف المصرى بمساحة 1.5 مليون فدان، فضلا عن مشروعات أخرى فى جنوب الصعيد والوادى الجديد بمساحة 650 ألف فدان.
وأشار عبد الغنى إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية يعزز الأمن الغذائى، ويوفر الغذاء بأسعار مناسبة، فضلا عن دوره فى دعم الاقتصاد الوطنى من خلال توفير فرص العمل ودعم الصناعات المرتبطة بالزراعة، لكنه شدد على أن هذا الهدف يتطلب استثمارات ضخمة فى تطوير نظم الرى، والبنية التحتية، والتكنولوجيا الزراعية الحديثة، إلى جانب دعم المزارعين بتوفير البذور عالية الجودة، والأسمدة، والآلات الزراعية بأسعار مدعومة.
فى سياق متصل، أوضح الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى أن أزمة السكر فى 2023 كانت مؤشرا واضحا على أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتى، حيث أدى النقص الحاد فى المعروض إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، مما دفع الحكومة إلى تخصيص موارد دولارية ضخمة للاستيراد، وهو ما شكل عبئا إضافيا على ميزانية الدولة.
وأكد الادريسى أن الحكومة استجابت لهذه الأزمة من خلال إطلاق مشروعات زراعية كبرى، على رأسها مشروع “مستقبل مصر” الذى يعد جزءا من مشروع الدلتا الجديدة، بمساحة تصل إلى 2.2 مليون فدان، والذى يعتمد بشكل رئيسى على الرى بمياه الآبار مع تعزيز سحب المياه من فرع رشيد.
وأشار إلى أن التوسع فى زراعة بنجر السكر، إلى جانب تعزيز نظام الزراعة التعاقدية مع أكبر 6 مصانع سكر فى مصر، مكّن الدولة من تحقيق الاكتفاء الذاتى بنسبة 100%، بعد أن كانت تعتمد على استيراد 30% من احتياجاتها.
وفى السياق ذاته، أكد الدكتور أشرف كمال، أستاذ الاقتصاد الزراعى أن التوسع فى زراعة محاصيل استخراج السكر لم يكن العامل الوحيد فى تحقيق الاكتفاء الذاتى، بل كان تطوير المصانع أحد أهم عناصر النجاح.
وأوضح أن الحكومة نفذت خطة طموحة لتحديث مصانع إنتاج السكر من قصب السكر وبنجر السكر، ما أدى إلى تقليل تكلفة الإنتاج وزيادة الكفاءة التشغيلية، وهو ما وفر ملايين الدولارات التى كانت تُخصص للاستيراد.
وأضاف أن الحكومة تتجه حاليا لزيادة الإنتاج المحلى بما يسمح بتصدير الفائض، مما يحول السكر من سلعة مستوردة إلى مصدر للعملة الصعبة، وهو ما يمثل نجاحا كبيرا فى خطط التنمية الزراعية والصناعية.
وأوضح أن الحكومة وضعت خطة شاملة لتقليل الاعتماد على الاستيراد، من خلال تعزيز زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، الذرة، وفول الصويا، حيث يتم تقديم حوافز للمزارعين لزيادة المساحات المزروعة، إلى جانب تحسين نظم الرى، واعتماد التقنيات الحديثة فى الزراعة الذكية.
وأكد أن الاستثمار فى التكنولوجيا الزراعية لعب دورا رئيسيا فى زيادة إنتاجية الفدان، حيث تم إدخال سلالات مُحسَّنة من البذور، وتوسيع استخدام نظم الرى الحديث، مما أدى إلى تحسين الإنتاج الزراعى وخفض استهلاك المياه.
واتفق الخبراء على أن تحقيق الاكتفاء الذاتى فى مصر لم يعد مجرد حلم، بل أصبح هدفا واضحا تدعمه خطط استراتيجية ومشروعات قومية ضخمة. ومع استمرار الحكومة فى تنفيذ خططها الزراعية، وتوفير البنية التحتية اللازمة، فإن الوصول إلى اقتصاد زراعى قوى ومستدام أصبح أقرب من أى وقت مضى.
ومع توقعات بمضاعفة الصادرات الزراعية إلى 10 مليارات دولار بحلول 2025، فإن الرهان على الزراعة كقاطرة للتنمية الاقتصادية يبدو خيارا ناجحا لمستقبل أكثر استدامة وأمنا غذائيا لمصر.